مع سخونة المعركة الانتخابية الدائرة في الولايات المتحدة بعد انسحاب الرئيس الحالي جو بايدن وصعود أسهم سلفه دونالد ترمب، يراقب السوريون من جهتهم مجريات الأحداث على أرضهم بكثير من الريبة والحذر، في ظل تدفق التعزيزات العسكرية والميدانية الأميركية إلى قواعدها في سوريا، في وقت يدور الحديث عن تقارب بين أنقرة ودمشق، ومن جهة ثانية قرع إسرائيل طبول الحرب على جنوب لبنان.
وأدخلت قوات التحالف الدولي بقيادة أميركا عشرات الشاحنات والمدرعات المحملة بمعدات وعربات عسكرية إلى مناطق انتشارها في الشمال الشرقي السوري، ويرجح المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره لندن، أن هذه التعزيزات مخصصة لمنصات إطلاق الصواريخ، إضافة إلى شاحنات تحمل مواد لوجيستية إلى قواعد التحالف الدولي في ريف الحسكة.
وبحسب بيان للمرصد فإن “قوات التحالف استقدمت تعزيزات عسكرية قبل يوم إلى قواعدها العسكرية في ريف الحسكة، حيث وصلت 25 شاحنة تحمل على متنها صهاريج وقود وصناديق مغلقة ومعدات لوجيستية عبر معبر الوليد الحدودي قادمة من كردستان العراق”.
وجاء التدخل الأميركي في سوريا من باب مكافحة تنظيم “داعش” الإرهابي عام 2014، إذ تزعمت واشنطن التحالف الدولي مع حلفاء محليين ضمن تشكيل عسكري أطلقت عليه اسم “قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وزودته السلاح والمستشارين مع نشر 2000 جندي أميركي قبل خفض العدد إلى 900 مقاتل بعد سقوط التنظيم الإرهابي عام 2019، من دون أن تنسحب بسبب ملاحقة فلوله في البادية السورية وأطرافها.
أبراج مراقبة
في غضون ذلك تأتي التعزيزات بالتوازي مع تحصينات وبناء أبراج مراقبة تعكف “قسد” بإشراف قوات التحالف الدولي على بناء سلسلة منها على طول نهر الفرات شرق سوريا، وضمن مناطق نفوذها في ثمان قرى وصولاً إلى منطقة هجين التابعة لمدينة البوكمال الحدودية مع العراق، وريف دير الزور الشرقي الخاضع للفصائل الموالية لإيران.
وبحسب المعلومات الأولية فإن أبراج المراقبة تهدف إلى تمركز حراسة مجهزة بوسائل متطورة لرصد أية تحركات سواء من ميليشيات إيرانية أو من عناصر تنظيم “داعش”.
وفي المقابل كشفت القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) عن تنفيذ 59 عملية ضمن حملة مكافحة “داعش” خلال النصف الأول من العام الحالي بالتعاون مع قوات “قسد”، وقد أسفرت عن 14 قتيلاً من التنظيم واعتقال 92 آخرين.
الحد من الانتشار الإيراني
واعتبر المؤسس والرئيس التنفيذي لمركز ريكونسنس للبحوث والدراسات عبدالعزيز العنجري خلال حديثه إلى “اندبندنت عربية” أن “التعزيزات الأميركية في سوريا تهدف إلى مواجهة احتمال اندلاع حرب حقيقية بين إسرائيل و’حزب الله’ ومحور المقاومة، بينما واشنطن ملزمة بحماية الدولة العبرية وبخاصة في مرحلة الانتخابات الأميركية، والحاجة إلى دعم اللوبي الصهيوني- اليهودي”، على حد وصفه.
وأضاف أن “الوجود الأميركي مهم للحفاظ على التوازن ولمنع توسع الانتشار الإيراني في سوريا، بخاصة في ظل حرب غزة واحتمالات امتدادها إلى لبنان، والوجود الأميركي مهم لوقف الممر الإيراني من محور الممانعة ضد إسرائيل التي لن تقبل بانسحاب أميركا طالما هي مع ‘حزب الله’ و ‘حماس’ في حال حرب”.
ويصل عدد القواعد الأميركية إلى ما يقارب 20 قاعدة عسكرية، عدا عن أبرز القواعد المعروفة وهي عين العرب والتي يطلق عليها (كوباني)، وتل أبيض ورميلان وعين عيسى والمبروكة والتنف، وهي القاعدة الأميركية الكبرى في سوريا التي تضم منصات إطلاق صواريخ متطورة.
الانسحاب المستحيل
وعن مستقبل الحضور العسكري للولايات المتحدة في سوريا مع الإدارة الأميركية الجديدة، يلفت العنجري إلى أن الرئيس المقبل قد لا يقدم على الانسحاب من الأراضي السورية لأسباب عدة، ومنها أن الانسحاب الأميركي سيفسح المجال للوجود الروسي، وهذا لن يكون مقبولاً للدولة العميقة الأميركية، كما أن الانسحاب وترك الحليف الكردي يواجه مصيره الصعب بوجود عدو تركي في الشمال والنظام السوري في الجنوب، سيؤدي إلى حرب جديدة يخسرها الأكراد، مما سينعكس سلباً على توقعات الحلفاء تجاه الأميركيين في العالم، ويشكل خطراً على سمعة واشنطن وحلفائها في ظل التحديات الصينية المستقبلية، وكذلك فإن الوجود العسكري الأميركي في سوريا ليس مكلفاً لواشنطن، إذ يمول جزء كبير منه من قيمة النفط السوري الذي تديره شركات أميركية وتبيعه لتغطية بعض الكلف، إضافة إلى أنه يجب ألا ننسى الأثر الكبير الذي خلفه الانسحاب الكبير من أفغانستان على سمعة أميركا وتخليها عن حلفائها.
ويرى العنجري أنه بالنسبة إلى الأكراد فستخشى أميركا على مصيرهم وتلتزم بحمايتهم، لكنها لن تسمح لهم بتشكيل دولة وستبقيهم كفزاعة لتركيا وسوريا والعراق وغيرها.
تحرك تركي
ويتزامن ذلك كله مع إعلان الكرملين اليوم الثلاثاء رغبة روسية في إصلاح العلاقات بين النظام السوري وتركيا التي تعيش حال عداء مع القوات الكردية، ولا سيما حزب العمال الكردستاني الذي تعده حزباً إرهابياً يهدد أمنها القومي، وسط تدفق تعزيزات تركية لوجيستية وعسكرية إلى منطقة الاتفاق الروسي – التركي التي تدعى (بوتين ـ أردوغان) أو خفض التصعيد، والممتدة من جبال اللاذقية الشمالية الشرقية وصولاً إلى الريف الشمالي الغربي من مدينة حلب وأرياف إدلب وحماة.
وتتخوف قوات “قسد” المدعومة أميركياً من عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق لسابق عهدها قبل انقطاع العلاقات الدبلوماسية عام 2012 مع اشتداد الصراع المسلح الدائر في سوريا، مما دفع قائد القوات الكردية مظلوم عبدي إلى فتح حوار مع كل الأطراف لحل الأزمة السورية.
ومع تدفق التعزيزات من أميركا وتركيا تتشابك أكثر أوراق اللعبة في الميدان السوري شمالاً وشرقاً، مما يفضي إلى ابتعاد أجل المصالحة أو الإسراع بها من قبل روسيا التي تحاول كسب الوقت لتحقيق إنجازات على الأرض.