ما زالت الآمال معقودة على الأشهر المقبلة لتحقيق حلم الرئيس بتطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، ولكن بشرط أن يقف نتنياهو بوجه شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف.
لقد أعلن الرئيس جو بايدن بأنه لن يخوض الانتخابات مرة أخرى، بل سيركز في الوقت المتبقي من ولايته على منصبه كرئيس فحسب وقلب بذلك الخطاب السياسي الأمريكي قبل أقل من أربعة أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية. كما أنّ ذلك يُحدث تحولًا على مسار زيارة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى واشنطن هذا الأسبوع، ما لم ينحيها جانبًا أقله في الولايات المتحدة.
في الوقت الذي تكثر المواضيع التي تجدر مناقشتها في ما يخص الإرث الرئاسي لبايدن في الشرق الأوسط، يبرز سؤال مثير للاهتمام. إذا كان بايدن لم يعد بحاجة إلى التركيز على الحملة، فهل يستطيع فعل شيء لتحسين إرثه قبل نهاية ولايته؟ وعلاوةً على ذلك، هل يتقاطع ذلك مع زيارة نتنياهو؟
يتحدث بايدن بحماس كبير عن تحرير الرهائن الإسرائيليين في غزة والبالغ عددهم 116 رهينة ومن المعروف أنه أعطى رقم هاتفه الخلوي لأسرى الرهائن، ما يترك انطباعًا بأنه سيبذل قصارى جهده لإطلاق سراحهم.
وفي ما عدا ذلك، لا شك في أن بايدن الذي أعلن نفسه صهيونيًا طوال عمره يعتبر أن إبرام سلام بين الدولة اليهودية والمملكة العربية السعودية، وهي الدولة العربية الأقوى وحافظة أقدس مدينتين في الإسلام، هو إنجاز تُرفع له القبعة. ولذلك عملت إدارته بشكل مكثف في العام الفائت على تحقيق التطبيع بين إسرائيل والسعودية تحت غطاء “التكامل الإقليمي”، ما يخدم أيضًا المسعى إلى عزل إيران وتشكيل تحالف بين إسرائيل والعرب ضدها، مع الإشارة إلى أنه يرسل كل بضعة أسابيع واحدًا على الأقل من كبار مستشاريه البارزين إلى الرياض. فما دام هناك اتفاق أبراهام، فما المانع من التوصل إلى اتفاق جوزيف (بايدن)؟
هذا ليس حلم بايدن وحده، فلطالما أراد الإسرائيليون عقد سلام مع المملكة العربية السعودية. وبالفعل، عندما التقى نتنياهو في العام 2009 بوزيرة الخارجية آنذاك، هيلاري كلينتون، كان أول ما تساءل عنه هو ما إذا كان من الممكن تحقيق إنجاز دبلوماسي بين إسرائيل والرياض، وهو اتفاق يُعدّ اليوم أكثر أهمية من أي وقت مضى بالنسبة إلى نتنياهو الذي يواجه يوم الحساب نتيجة إخفاق 7 تشرين الأول/أكتوبر ولدوره الكبير في تقسيم المجتمع الإسرائيلي، ولذلك يسعى إلى إنجاز يخلّفه لاختتام عقدين ضمن منصبه كرئيس وزراء. وعلاوة على ذلك، أي اتفاق مع المملكة العربية السعودية لن ينهي حرب إسرائيل مع الدول العربية السنية فحسب، بل سيشكل أيضًا فرصة مثالية لعزل إيران ووكلائها في الشرق الأوسط.
كثيرًا ما اعتبر نتنياهو عزل إيران أحد المبادئ الأساسية لولايته كرئيس وزراء. بيد أنه مع توفر الفرصة للمضي قدمًا باتفاق من هذا النوع في خطابه أمام الكونغرس، فإن المضحك المبكي هو أن نتنياهو قد يفوّت الفرصة بسبب السياسة الداخلية الإسرائيلية والخوف من شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف.
الوضع بالنسبة إلى إسرائيل
لطالما كانت السبب المحوري لعقد اتفاق بين إسرائيل والسعودية قويًا وقد تعزز بفعل ما حدث في 7 تشرين الأول/أكتوبر والحرب التي نجمت عن ذاك اليوم، فأصبحت الحاجة إلى عزل إيران أكثر وضوحًا من أي وقت مضى بالنسبة إلى أولئك الذين يسعون إلى الاستقرار في الشرق الأوسط. وبالرغم من أن خطة قائد “حماس”، يحيى السنوار، الرامية إلى إشعال ما كان العقل المدبر الإيراني لشؤون الشرق الأوسط قاسم سليماني (الذي اغتالته الولايات المتحدة في العام 2020) قد أطلق عليه اسم “حزام نار” مؤلّف من الميليشيات والوكلاء الإيرانيين يحيط بإسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر، قد فشلت في إحداث الهجمات المتكررة أو القوية التي كان يتمناها، فهو سعيد بلا شك بأن إسرائيل تقاتل على سبع جبهات، وهي غزة والضفة الغربية ولبنان واليمن وسوريا والعراق وإيران.
وفي هذا الإطار، تشكل الضربة التي شنها الحوثيون بطائرة مسيّرة على تل أبيب يوم الخميس والتي أعقبها الرد الإسرائيلي في ميناء الحديدة اليمني الذي نُقلت منه الصواريخ الإيرانية إلى الحوثيين تذكيرًا صارخًا بأن إيران تدير الجهود الإقليمية المعادية لإسرائيل. ومن الجدير بالذكر أن هذه هي المرة الأولى التي تضرب فيها إسرائيل اليمن وأنها إحدى الضربات الأطول مدى التي نفذتها القوات الجوية الإسرائيلية يومًا، مع العلم أن طهران أقرب إلى إيلات من الحديدة.
وفي الليلة المصيرية من 13 إلى 14 نيسان/أبريل، أدركت إسرائيل أنه من الأفضل مواجهة إيران في إطار ائتلاف واسع النطاق. فقد انضمت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والأردن والمملكة العربية السعودية على مستويات مختلفة إلى إسرائيل في صدّ أكثر من 400 صاروخ وطائرة مسيّرة أطلقتها إيران ووكلاؤها. وقدّم هذا لإسرائيل لمحة عن مستقبل ائتلاف إقليمي مناهض لإيران، الأمر الذي كان يصعب تصوّره قبل بضع سنوات. ويعود الفضل الكبير في ذلك إلى القيادة المركزية للولايات المتحدة التي عملت بشكل دؤوب لسنوات طويلة خلف الكواليس وحصدت ثمار جهودها ببراعة. ومع ذلك، لا يمكن الافتراض أن القيادة الإقليمية ستستمر بهذا الائتلاف أو ستذهب عميقًا في تعاونها وسط الاضطرابات الإقليمية بشأن القضية الفلسطينية. ولذلك لا بدّ من وجود دوافع إيجابية للاستفادة من الإمكانات المثبتة حاليًا للجهات الفاعلة المعتدلة التي تعمل معاً ضد إيران وغيرها من المتطرفين.
الوضع بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية
وفي حين أن السلام مع إسرائيل كان أمرًا يفوق التصوّر ذات يوم، فإن الرياض ترى فيه الآن قيمة حقيقية. لقد تبدّلت الأجيال وانعكس هذا التبدّل على القيادة في ظل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي يتمتع بمزيد من المرونة عن والده وبمنأى إلى حد كبير عن القلق بشأن الوضع الراهن. وفي حين أن الملك سلمان لم يفكّر في تحقيق السلام مع دولة يهودية إلا عند نهاية عملية سلام عقب إنشاء دولة فلسطينية (مبادرة السلام العربية لعام 2002 وبعد تعرض المملكة العربية السعودية لضغوط بسبب أحداث 11 أيلول/سبتمبر)، فإن ولي العهد لا يسعى سوى إلى التزامات حقيقية بأن العملية يمكن أن تتيح في المستقبل حلّ الدولتين. وترى المملكة العربية السعودية أيضًا الفوائد الاقتصادية والدفاعية من عقد سلام مع إسرائيل والوصول إلى قطاعها الحيوي عالي التقنية. ولكن قابل ذلك تراجع شعبية إسرائيل في العالم العربي خلال حرب غزة.
أكثر ما يدفع المملكة للسعي إلى السلام مع إسرائيل هو القيمة السياسية الكبيرة من وصلها بما تريده الرياض قبل كل شيء وهو معاهدة دفاع بين الولايات المتحدة والسعودية لحماية الأخيرة من أي هجوم إيراني. وتود المملكة العربية السعودية أن يدرك الناس أنها لا تدخل في إطار يعود إلى حلف الناتو الذي يضمن فعليًا الانتقام الأمريكي. وفي حين أن مثل هذه المعاهدة ستواجه صعوبة في الحصول على دعم الثلثين المطلوب في مجلس الشيوخ الأميركي، فإن ربطها بالتطبيع بين إسرائيل والسعودية قد يحرّك الأمور قدمًا. وسيكون اتفاق من هذا النوع هو الأول منذ معاهدة الدفاع مع اليابان في العام 1960 عندما كانت أمريكا لا تواجه هذا الانشقاق الذي تواجهه حاليًا.
ما هي الحلقة المفقودة؟
في حين تم الاتفاق على الجوانب الأساسية للصفقة بين أمريكا والسعودية خلف الكواليس، إلا أن ثمة عنصرين سياسيين مفقودان. أولاً، هل تستطيع إسرائيل منح السعوديين الظروف السياسية اللازمة للتطبيع من خلال تقديم التزامات بشأن القضية الفلسطينية؟ من الواضح أن هذا المطلب ينبع من حاجة السعوديين إلى غطاء إقليمي، لا سيما في ظل حرب غزة، وليس من وجهات النظر الشخصية لولي العهد محمد بن سلمان. لا تطالب المملكة العربية السعودية بموعد محدد لتنفيذ حل الدولتين ولا باتخاذ “خطوات لا رجعة عنها” نحو إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، كما فعلت في أشهر سابقة، لكنها تريد التأكد من قدرة إسرائيل على الالتزام بمفاوضات صادقة مع الفلسطينيين تجعل من مسألة “الدولتين” أمرًا ممكنًا وليس نتيجة مقررة مسبقاً أو شرطاً مسبقاً.
وسيكون خطاب نتنياهو أمام الكونغرس يوم الأربعاء ظهورًا مبشرًا بالنسبة إلى بيان من هذا النوع. ومع ذلك، يبدو أن الخوف من تهديدات بتسلئيل سموتريش وإيتمار بن غفير بإسقاط الحكومة قد استحوذ على رئيس الوزراء، على الرغم من أن الكنيست سيعلّق جلساته لمدة ثلاثة أشهر ومعه سيزول تهديد التصويت على سحب الثقة. وإذا اختار نتنياهو ذلك، فهذا الكثير من الوقت للتصرف به.
وثانيًا، هل هناك ما يكفي من الديمقراطيين المؤيدين لمعاهدة بين الولايات المتحدة والسعودية؟ لقد كان الديمقراطيون أكثر تخوفاً من السعوديين بسبب دعم المملكة القوي للحزب الجمهوري وعلاقاتها مع شركات النفط الأمريكية الكبرى وانتهاكاتها لحقوق الإنسان، بما في ذلك مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في العام 2018.
يبدو أن الرئيس الديمقراطي هو وحده القادر على التأثير على عدد كافٍ من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين، إلى جانب الكثير من الجمهوريين، لزيادة تأييد معاهدة الدفاع إلى ما يتجاوز عتبة الثلثين. وكما نجح ريتشارد نيكسون في إقناع الجمهوريين في زيارته الموفقة إلى الصين في العام 1971، فقد يتطلب الأمر وجود رئيس ديمقراطي على غرار بايدن لكسب تأييد أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين المشككين من أجل التوصل إلى معاهدة. وقد طرح السيناتور الجمهوري البارز المؤيد لإسرائيل، السيناتور ليندسي غراهام، هذه الحجة تحديدًا لأكثر من عام.
قد يقول البعض لماذا لا ينتظر السعوديون لمعرفة ما إذا كان ترامب سيفوز؟ لا يعتقد أولئك الذين يتفقون مع وجهة نظر غراهام أن ترامب قادر على تأمين 67 صوتًا للمعاهدة لأنه سيحتاج حتماً إلى أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين. ولن يقبل السعوديون بأقل من معاهدة دفاع، لأنهم يرون أن التزامًا راسخًا في القانون الأمريكي هو أفضل ضمان لحمايتها من إيران.
عندما تنحّى بايدن قام بقلب سباق إنتخابي متقارب وحرّر نفسه للتركيز على ترسيخ إرثه بتحقيق فوز جيوستراتيجي كبير للولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وإسرائيل والدول المعتدلة في الشرق الأوسط، إلا أن الوقت قصير. وما إن يخرج بايدن من الساحة، هل ستُغلق نافذة التطبيع السعودي مع إسرائيل؟ هل سينظر الجميع إلى فرصة كانت ممكنة في الشرق الأوسط ولم يتم انتهازها؟