الجزائر في قلب صراع محموم بين أميركا وروسيا والصين في الساحل

الجزائر في قلب صراع محموم بين أميركا وروسيا والصين في الساحل

يثير التمدد الروسي المتصاعد في أفريقيا ومنطقة الساحل انزعاج الولايات المتحدة التي تحاول احتواء نفوذ موسكو في القارة عبر تفعيل شراكات أمنية مع بعض القوى الإقليمية من بينها الجزائر، لكن رسو فرقاطة عسكرية روسية في ميناء وهران الجزائري بعد أيام من زيارة وفد أفريكوم يقلل من احتمالات نجاح المساعي الأميركية.

الجزائر – رست فرقاطة عسكرية روسية الجمعة في ميناء وهران بعد أيام من زيارة قام بها قائد القيادة العسكرية في أفريقيا (أفريكوم ) الفريق أول مايكل لانجلي إلى الجزائر والتي جاءت بالتزامن مع زيارة مماثلة أداها رئيس مجلس الدوما الروسي فولودين فياتشيسلاف فيكتوروفيتش.

وفي حين يتم التسويق للتحركات الروسية والأميركية بأجندتين مختلفتين، فإن معالم الصراع بين القطبين حول النفوذ الإستراتيجي في منطقة الساحل الصحراوي تبدو واضحة، في ظل تراجع اهتمام العواصم الثلاث بالظاهرة الإرهابية، لتحل محلها لعبة النفوذ والمصالح، انطلاقا من الجزائر التي تجد نفسها مرغمة على أداء دور دقيق، بالنأي بنفسها والاستفادة من الصراع أو الانضواء تحت إحدى المظلتين، تفاديا لارتداداته المحتملة.

واعلنت وزارة الدفاع الروسية الجمعة أن الفرقاطة “أميرال غورشكوف”، الأكثر تطورا في الأسطول الروسي، رست في ميناء وهران الجزائري في البحر المتوسط.

وفي بيان نقلته وكالة تاس الرسمية للأنباء، أفاد أسطول الشمال الروسي الذي تتبع له الفرقاطة أن الناقلة “أكاديميك باشين” ترافق الفرقاطة في وهران.

ولفت المصدر الى أن رسوهما في الجزائر يستمر أياما عدة.

وأثنى لانجلي، خلال زيارته إلى الجزائر على الدور “الريادي والمحوري” الذي تلعبه الجزائر في مكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار بمنطقة الساحل، في تلميح إلى تطابق وجهة نظر بلاده مع الجزائر في ما يتعلق بالظاهرة الإرهابية، حتى وإن لم تعد تمثل الاهتمام الأول للأميركيين.

معالم الصراع بين القطبين حول النفوذ الإستراتيجي في منطقة الساحل الصحراوي تبدو واضحة

وتحدثت تقارير عن أن دوائر القرار الأميركي لم تعد تضع الإرهاب كمصدر الخوف الأول، وحل محله التمدد الروسي والصيني المزعج لمصالحها ونفوذها، خاصة في منطقة الساحل وعموم القارة السمراء، وهو ما تريد تحييده عبر تفعيل شراكات أمنية وعسكرية مع فاعلين إقليميين في المنطقة، على غرار الجزائر، على ما تمثله من موقع جغرافي إستراتيجي، يفصله ساعة طيران إلى أوروبا من الشمال، وشريط حدودي بري ممتد من ليبيا إلى غاية موريتانيا من الجنوب.

ولا زالت الجزائر تقدم نفسها كقوة إقليمية ذات رصيد من الخبرة الميدانية في مجال الحرب على الإرهاب، وتعتبره ورقة مهمة في التعاطي مع قوى الصراع على المنطقة، وكأولوية لضمان الأمن والاستقرار فيها، لكن التباين غير المعلن في تحديد الأولويات الآنية لأطراف الصراع يضعها في موقف دقيق جدا، فهي مخيرة بين النأي بنفسها عن صراع القوى الكبرى رغم محدودية خيارات الصمود، وبين الانضواء تحت مظلة من المظلتين والاستعداد للتداعيات المحتملة.

وجاءت زيارة قائد أفريكوم، في أعقاب الزيارة التي أداها رئيس مجلس الدوما الروسي، وإذ كانت الأجندة المسوقة متباينة بين الطرفين، إلا أنها تصب كلها في وعاء الاطمئنان للدور الجزائري في التماهي مع الدور والأهداف المسطرة لكل طرف، فالروس ومعهم الصينيون يبحثون عن إذابة الجليد المترسب في المدة الأخيرة مع شريك تاريخي وإستراتيجي في المنطقة، والأميركان يبحثون أيضا عن موطئ قدم في المنطقة، لمراقبة ومتابعة المنافسة الروسية -الصينية عن كثب.

وفي رسالة لتثمين ورقة الجزائر كمقاربة لا زالت صالحة، صرح مايكل لانجلي، عقب استقباله من طرف الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، بأن ” الجزائر تتقاسم بعض المخاوف مع الولايات المتحدة بشأن توسع التنظيمات المتطرفة العنيفة في جميع أنحاء أفريقيا وجنوب الصحراء وتحديدا بمنطقة الساحل، وأنها أدت دورا رياديا في مكافحة الإرهاب في الماضي والحاضر في جميع أنحاء هذه المنطقة”.

الجزائر تقدم نفسها كقوة إقليمية في مجال الحرب على الإرهاب، وتعتبره ورقة مهمة في التعاطي مع قوى الصراع على المنطقة

وأضاف “أشكر الرئيس تبون على الدعم الذي قدمته لنا الجزائر.. لقد أعربت خلال محادثاتي مع الرئيس تبون عن تقديرينا الكبير لمنحنا فرصة الزيارة وإجراء محادثات معه، وأنه تم التطرق إلى أهمية مواصلة المحادثات وبناء الصداقة، مع التركيز على سبل العمل معا من أجل تحقيق المزيد من الأمن وتعزيز العلاقات الثنائية حتى تصبح أكثر قوة”.

وتعرف العلاقات الجزائرية – الأميركية تقاربا لافتا في الآونة الأخيرة، وبدا أن واشنطن تريد ملء الفراغ الذي تركه الفتور المسجل على محور الجزائر – روسيا والصين، بعد خذلان الأخيرتين لطلب انضمام الجزائر إلى مجموعة بريكس في قمة جوهانسبورغ المنعقدة شهر أغسطس الماضي، وتم تسجيل حركية دبلوماسية بين البلدين شملت عدة مسؤولين وقطاعات إستراتيجية واقتصادية.

وأفاد بيان وزارة الدفاع الجزائرية أن قائد أفريكوم حظي باستقبال هام في مقر قيادة أركان الجيش، من طرف نظيره الجزائري الفريق أول سعيد شنقريحة، وكبار الضباط في المؤسسة العسكرية.

وقال “تطرق الطرفان إلى التحديات الأمنية التي تواجهها القارة الأفريقية، وتبادلا وجهات النظر حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، وكذلك الوسائل الكفيلة بتعزيز علاقات التعاون العسكري بين البلدين”.

وأكد سعيد شنقريحة في كلمته أن “الجزائر تواصل جهودها لتعزيز المسعى الأفريقي المشترك لدحر الإرهاب والوقاية منه، ورفعت العديد من المبادرات لتعزيز آليات التعاون الأمني الأفريقي، وأود في البداية أن أرحب بكم بمقر أركان الجيش الوطني الشعبي، بمناسبة زيارتكم الثانية إلى الجزائر منذ توليكم قيادة الأفريكوم، والتي تؤكد تميز التعاون العسكري الثنائي الذي تطبعه البراغماتية واحترام المصالح المتبادلة”.

وأردف “أخذا بعين الاعتبار المهمة المخولة لها من طرف الاتحاد الأفريقي كمنسق لمحاربة الإرهاب والتطرف العنيف على مستوى القارة، فإن الجزائر رفعت العديد من المبادرات، على غرار إعداد مخطط أفريقي لمحاربة الإرهاب، وتفعيل الصندوق الأفريقي لمحاربة هذا التهديد، وإعداد قائمة أفريقية للأشخاص والكيانات المتورطة في أعمال إرهابية وكذلك إعداد مذكرة توقيف أفريقية”.

وأشار المتحدث إلى التزام بلاده بـ”دعم كل مبادرة أفريقية ومساندة جهود هيئات الاتحاد الأفريقي، لتمكين القارة الأفريقية من مواكبة التحديات الأمنية التي تواجهها، وأؤكد لكم تمام استعدادنا لتعزيز تعاوننا العسكري الثنائي، قصد المزيد من التشاور بخصوص السبل والوسائل المتعين توفيرها لبلوغ، وبكل واقعية، الأهداف الأمنية للقارة الأفريقية عموما ومنطقة شمال أفريقيا على وجه الخصوص”.

العرب