جاءت عملية إطلاق صاروخ موجه بتاريخ 27تموز 2024 أصاب بلدة ( مجدل شمس) في منطقة الجولان وأدى الي مقتل (12) طفلًا وصبيًا وجرح (30) آخرين من طائفة الموحدين الدروزين في ساحة لكرة القدم، إلى تصعيد حالة المواجهة بين إسرائيل وحزب الله واتسعت بالتهديد نحو الحرب الشاملة بعد أن كانت جميع الفعاليات العسكرية بين الطرفين تتم عن توجيه الصواريخ والطائرات المسيرة واستهداف الأماكن والمواقع الاستراتيجية الأمنية والعسكرية والقيادات الميدانية.
أعطى الحادث صورة ميدانية لرفع سقف المواجهة في الجبهة الشمالية لإسرائيل والتي حرصت جميع القوى الدولية والإقليمية على بقائها ضمن إطار المواجهات غير المباشرة والتي لا تستخدم فيها الفعاليات البرية والتقدم عبر الحدود المشتركة، ولكن الحادث أدى إلى كسر جميع الموانع الميدانية والقفز على الخطوط الحمراء والابتعاد عن الالتزام بقواعد الاشتباك بين إسرائيل وحزب الله والتي حافظ عليها الجانبين منذ السابع من تشرين الأول 2023.
عملت الحكومة الإسرائيلية على توظيف الهجوم الصاروخي لصالحها واستخدام المعايير الاعلامية وادواتها في تشخيص الحالة ومسبباتها وآثارها الاجتماعية،وقيام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بزيارة لجبهة الجولان ليعطي دلالة على حقيقة الرد القادم، والذي سبقه أيضًا توجه العديد من القيادات العسكرية ومنهم رئيس اركان الجيش الإسرائيلي وبعض الشخصيات السياسية إلى منطقة ( بلدة مجدل شمس) لحضور تشيع جنازة الذين قتلوا نتيجة الهجوم الصاروخي واللقاء بممثلي الطائفة الدرزية في محاولة لرفع مستوى المقبولية الاجتماعية لهذه الاقلية في الرد على حزب الله،
سعت السلطات الإسرائيلية إلى تحديد أولويات الرد العسكري مع تعيين أهداف واماكن استراتيجية تتعلق بالقدرة القتالية والهيكلية الأمنية والعسكرية لحزب الله ورسم ملامح المعركة الميدانية وإعداد الخطط الميدانية لتحقيق الأهداف والغايات الإسرائيلية في تقويض قدرة مقاتلي حزب الله عبر استهداف عسكري يمثل ردًا قاسيًا وقائمًا على ضرورة أضعاف القدرة القتالية وضرب مواقع منصات الصواريخ الموجهة والطائرات المسيرة والتي يرى فيها الجانب الإسرائيلي أنه في حالة استهدافها المباشر ستشكل له عائقًا وانتقادًا كونها موجودة في القرى والارياف التي يسكنها المواطنين وأنها ستؤدي الي إصابتهم ومقتل عدد منهم.
وهنا من الممكن أن تكون عملية الرد الحاسم يتضمن الأهداف الإسرائيلية في عمق الجنوب اللبناني وضرب الأهداف الحيوية واستهداف القيادات العسكرية عبر الضربات الجوية والصواريخ الموجهة دون الشروع بحرب برية شاملة وإنما ستكون محددة وعبر معايير منظورة تتوافق مع المعطيات السياسية التي تسعى إلى عدم توسع دائرة المواجهة، رغم التحذيرات التي قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والتي ترى إدارتها أن من أولوياتها وقف القتال في قطاع غزة وتبادل الأسرى وإعطاء جانب مهم في تسوية سياسية في الجنوب اللبناني والجبهة الشمالية الإسرائيلية.
في المقابل تعمل القيادات الميدانية لحزب الله على إعطاء المواجهة بُعدها القتالي وطرح أهدافها ومسوغاتها وتحديد أبعادها في الاعلان عن إمكانياتها القتالية واستحضاراتها للمعركة القادمة ونوعية الصواريخ الموجهة والطائرات المسيرة التي تمتلكها وقدرتها في الوصول إلى تل أبيب والقدس مع الإشارة إلى امكانياتها اللوجستية القتالية في الوصول إلى مدينة حيفا وضرب الأهداف الاستراتيجية المهمة فيها واستهداف مينائها الاستراتيجي ومنصات التحميل والشحن فيه، الأمر الذي أدى إلى قيام السلطات الإسرائيلية بتهيئة ( ميناء اسدود) في الجنوب ليكون بديلًا في حالة اندلاع أي حرب قادمة.
أن الصعوبة التي ستواجهها القوات الإسرائيلية في الحرب البرية هي وجود شبكة الإنفاق الواسعة في المناطق المهمة التي تقع تحت سيطرة حزب الله والتي تم انشاؤها في السنوات الماضية بمساعدة كوادر عسكرية من كوريا الشمالية وبتسيق مع الحرس الثوري الإيراني، وهذه الانفاق من الممكن أن تمتص زخم الهجوم الإسرائيلي وتعرقل حالة التقدم وتسبب للقوات المتقدمة خسائر كبيرة وتلقى بظلالها على الجبهة الداخلية الإسرائيلية التي لا زالت تعاني من نتائج المواجهة العسكرية في قطاع غزة.
وأمام هذه المعطيات الهامة والأهداف الحيوية والمتغيرات الميدانية، يأتي الموقف السياسي الإيراني ليكون حاضرًا كما هي سياسته في جميع الفرص التي يتحينها ويستخدمها لصالحه وانفاذ مشروعه في التمدد والنفوذ، فالنظام الإيراني حرص على ارسال عدة رسائل إلى الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية وعبر حلفائه بأنه مع التهدئة واحتواء عملية التصعيد وعدم مضي الجانبين لحرب شاملة، خاصة بعد الأنباء التي تداولت على أن الصاروخ الذي أطلق كان إيراني الصنع من طراز ( فلق – 1-) ومزود برأس حربي يحمل (50) كغم من المتفجرات.
أن الثوابت السياسية والعسكرية الإيرانية تسعى للحفاظ على قوة وإمكانية مقاتلي حزب الله كونه يشكل أهمية بالغة لها في تنفيذ مشروعها السياسي والتوسعي في المنطقة العربية ويمتلك إمكانية التحرك والنشاط في جميع الجبهات، وسبق وان تم اختباره في دعم النظام السوري والوقوف معه في الحرب التي ابتدأت في سنة 2011 تنفيذًا للتوجيهات الإيرانية بدعم حليف استراتيجي لها، كما وأنه يمتلك القدرة على تحريك جميع المليشيات المسلحة العاملة ضمن دائرة ( وحدة الساحات) في المساندة، وأنه في حالة تمكن القوات الإسرائيلية من إضعاف القدرة القتالية وانهاك مقاتلي حزب الله فإن هذا الأمر يشكل أزمة سياسية عسكرية لإيران في ظل الأهمية التي توليها طهران للحزب ودوره الإقليمي.
وعليه سيكون هناك توجه إيراني ورؤية سياسية عسكرية تشمل عدم التدخل مباشرة في أي معركة شاملة قادمة وانتظار لمتغيرات وتوازنات ومعطيات في الميدان وفق الإمكانيات القتالية لحزب الله، والعمل على تكليف الشركاء والوكلاء للنظام الإيراني من المليشيات المرتبطة بالحرس الثوري بالتدخل ودعم مساندة مقاتلي حزب الله، أما عبر القتال المباشر والذي أعلنت عنه مليشيات عراقية ( حزب الله و النجباء وسيد الشهداء) أو تنفيذ العمليات العسكرية باستخدام الصواريخ والطائرات المسيرة من خلال الحوثيين، مع تصعيد فعالية العمل السياسي والدبلوماسي وطبيعة العلاقة بين طهران واشنطن في البقاء على قناة الاتصال بينهما عبر الوسيط العربي العُماني
وتحديد مسارات لانهاء القتال بتسوية سياسية ترضي جميع الأطراف وتحافظ لإيران على مكانتها وتأثيراتها الإقليمية ودورها القادم في أي مفاوضات تتعلق بالبرنامج النووي ورفع العقوبات الاقتصادية عنها.
وحدة الدراسات الاقليمية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية