أعلن مساعد الرئيس الإيراني مسعود بازشكيان للشؤون الاستراتيجية محمد جواد ظريف وزير الخارجية الأسبق استقالته من منصبه، بعد 10 أيام من صدور قرار رئاسي بتكليفه بمنصبه الجديد والذي جاء بعد أن مشاركته في الحملة الانتخابية للرئيس بزشكيان واشرافه عليها بمباركة الرئيس حسن روحاني وودعم ومؤزارة جميع الشخصيات السياسية في التيار الإصلاحي والمعتدل،وبرزت أهمية وجود محمد ظريف اعداده البرنامج الانتخابي الذي تضمن العديد من الأفكار والآراء والوعود بتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تعصف بالمجتمع الإيراني ووضع الحلول المناسبة لها وإيجاد وسائل وأدوات دبلوماسية وافكار ميدانية لعودة إيران للمحافل الدولية والإقليمية وفتح آفاق جديدة للبحث عن سبل إعادة المفاوضات المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني والعمل على رفع العقوبات الأميركية المفروضة عليها وإطلاق الأموال المجمدة لرفع المستوى المعاشي للمواطنين الإيرانيين ومعالجة آثار العقوبات ومحاولة النظر ببعد حول استعادة العلاقات مع الدول الأوربية والغربية وابقاء حلقة الاتصال مع الولايات المتحدة الأمريكية تحقيقًا للاهداف والغايات التي يسعى إليها النظام الإيراني، وجميع هذه التوجهات حظيت بموافقة المرشد الأعلى علي خامنئي بعد أن جعلت من الاتجاه نحو الشرق وادامة العلاقات مع روسيا والصين في أولويات الحكم القادم برئاسة مسعود بزشيكان.
و جاءت استقالة الدكتور محمد ظريف لتلقي بظلالها على الأوضاع القائمة في إيران والتي تشكل أزمة سياسية تضاف إلى ما تعانيه منظومة الحكم بعد عملية الاغتيال التي طالت رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ( إسماعيل هنية) في 31 تموز 2024 وتبعياته الأمنية والسياسية وما رافقتها من توجه إيران ومؤسساتها السيادية بضرورة الرد الحاسم على إسرائيل التي اتهمها النظام بتنفيذ عملية الاغتيال، هذه التطورات كانت لها آثر واضح على طبيعة الأحداث التي رافقت قيام الرئيس مسعود بزشكيان بتقديم أسماء أعضاء حكومته لمجلس الشورى لأخذ موافقتهم ومن ثم مباركة المرشد الأعلى لها، وهنا بدأت أولى ملامح الخلاف السياسي بين الرئيس ومستشاره للشؤون الاستراتيجية العليا والتي رأى فيها محمد ظريف خروجًا على ما اتفق عليه أثناء الحملة الانتخابية وتعززت بعد الفوز في الجولة الثانية التي شهدت اقبالًا بنسبة 60٪ كان معظمهم من مناصري التيار الإصلاحي والمعتدل بغية أحداث نوع من التغيير والإصلاح في المجتمع الإيراني وابعاد التأثيرات والصراعات السياسية بين التيارات الحاكمة وجعل مصلحة أبناء الشعب أولوية في إدارة الرئيس بزشكيان وهذا ما أكد عليه في برنامجه الانتخابي، ولكننا نرى أن عملية اختيار اسماء الحكومة الجديدة لم تتضمن شخصيات بارزة في التيار الإصلاحي ولا من المجتمع المدني وشريحة الشباب المثقف وإنما جاءت وفق السباقات السابقة في تشكيل أي حكومة جديدة بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وهذا ما ازعج محمد ظريف الذي سبق وأن أشار إلى أنه يعمل ومعه الرئيس مسعود بزشكيان على إعطاء أولوية للشباب وللإصلاح في أي تشكيل وزاري قادم، كما نعتقد أن أدوات الدولة العميقة في إيران التي تدار من قبل القيادات العسكرية والأمنية في فيلق القدس والحرس الثوري قد ساهمت في تعطيل توجهات وافكار مستشار الرئيس الجديد المستندة لمقترحات وآراء قدمت له من قبل جواد ظريف أثناء الحملة الانتخابية وما بعدها، كذلك سعى تيار المحافظين لإيجاد عوائق وموانع في عمل الحكومة الجديدة عبر عملية الموافقة على اعضائها المرشحين والتي ستتم خلال هذه الأيام.
أن تجربة محمد جواد ظريف السياسية والتي اكتسبها من عمله وزيرًا للخارجية الإيرانية قد منحته أفقًا سياسياً ورؤية ميدانية أعلن عنها في سنة 2019 باشارته إلى سيطرة قيادات الحرس الثوري على عمل وتوجهات وزرارته حينها والتي تسببت في اعفائه من جميع مناصبه وعودته إلى ممارسة مهنة التدريس في جامعة طهران، ولكن بعد الأحداث التي تلت السابع من تشرين الأول 2023 في الأراضي الفلسطينية وتصاعد حدة المواجهات بين مقاتلي حماس والقوات الإسرائيلية واتهام إيران بأنها وراء هذه الأحداث، سمح المرشد خامنئي بعودته إلى ممارسة عمله السياسي واستثمار علاقاته مع الأوربيين والامريكان في تحسين الموقف الإيراني معهم، وهي البداية التي انطلق منها وساهم بعدها ليكون المشرف على الحملة الانتخابية للرئيس بزشيكان، وهنا نقطة مهمة ان فريق العمل الذي شكله جواد ظريف من ممثلي الأقليات العرقية والدينية ضمن المجموعات التي أُنشئت من أجل اختيار الأسماء المرشحة لتولي المناصب الوزارية لم تؤدي فعالياتها، ونرى ان بزشكيان بقي أسير توجهات الدولة العميقة وما تمليه عليه تعليمات المرشد الأعلى، رغم اختياره الى الشخصية الدبلوماسية الإيرانية المعروفة ( عباس عراقجي) الذي لديه توجهاته الخارجية التي تتلائم مع الرئيس الجديد في الحوار مع الغرب وتولى مؤخرًا أمانة المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية وهي هيئة استشارية مرتبطة بالقيادة الإيرانية، ولكنه اختار لوزارة الداخلية (إسكندر مؤمني) وهو ضابط سابق في الحرس الثوري وقائد سابق للشرطة، ولوزارة الدفاع القائد السابق للقوة الجوية في الجيش( عزيز نصير زاده)، وأبقى على إسماعيل خطيب وزيرًا للاستخبارات وهو الذي كان يتولى الوزارة نفسها في حكومة أبراهيم رئيسي، رغم أنه يعد المسؤول السياسي عن الاختراق الاستخباري المتمثل في اغتيال هنية.
ونرى أن نقطة الخلاف التي أدت لاستقالة ظريف تتعلق بقائمة الترشيحات للحكومة التي قدمها بزشكيان إلى البرلمان وهي التي تختلف بنسبة 50٪ عن الحكومة التي قدمتها اللجنة الاستشارية برئاسة ظريف،وهناك أيضًا
مؤشرات على خلافات عميقة بين بزشكيان وحلفائه من الإصلاحيين والمعتدلين بعدما قام بتسمية 8 وزراءمن أصل 19 حقيبة وزارية لسياسيين محسوبين على التيار المحافظ، وهوما اغضب جواد ظريف وأحس بمرارة الحال وهيمنة الدولة العميقة وعدم تمكنه من واجهتها والوقوف أمام قوتها وتآثيرها ودعمها من قبل المرشد علي خامنئي.
ورسم قرار الاستقالة ملامح الصراع السياسي والسطوة والنفوذ الأمني والإستخباري للحرس الثوري مع قيادات فيلق القدس ودور رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف الذي كان مرشحًا الرئاسة ولكنه فشل في المرحلة الأولى منها، وأشارته إلى إمكانية التصويت على أعضاء الحكومة في جلسة مجلس الشورى ليوم السبت 17 أب 2024، والتي نرى أنها ستدعم مرشحي تيار المحافظين بصورة تامة مع إيجاد المعوقات التي تحول دون الموافقة على الوزراء الآخرين.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات للاستراتيجية