تسلط هجمات طهران على تل أبيب رغم محدوديتها الضوء على الأسلحة الإيرانية التي تملأ الشرق الأوسط. وتوفر المنطقة ساحة ترويج لهذه الأسلحة زهيدة الكلفة وفعالة الأداة ما يزيد من حظوظ تصديرها.
واشنطن – في وقت تنكب فيه الجهود الدولية على وقف التصعيد في منطقة الشرق الأوسط وتفادي حرب شاملة كارثية، تواصل إيران التسلل إلى سوق الأسلحة العالمية وتزويد الدول المتحاربة بأسلحتها ذات الكلفة الزهيدة والأداء العالي.
وفي حين تحاول إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بشكل يائس منع أو الحد من هجوم صاروخي وطائرات بدون طيار من قبل إيران ووكلائها ضد إسرائيل، يغرق الشرق الأوسط في القذائف الإيرانية.
ومؤخرا، أدى صاروخ مدفعي إيراني أطلقه حزب الله اللبناني إلى مقتل اثني عشر طفلا في شمال إسرائيل، مما أدى إلى دوامة تصعيد إذ قتل الإسرائيليون الرجل الثاني في جماعة حزب الله فؤاد شكر، وتسعى الجماعة الآن إلى الانتقام.
وأعقبت تلك الضربة الأولية أول ضربة تاريخية طويلة المدى بطائرة بدون طيار من قبل الحوثيين في اليمن ضد تل أبيب، مما أسفر عن مقتل شخص واحد إذ إنه تم تصنيع الطائرة بدون طيار في إيران وأكملت مسار طيران بطول 2600 كيلومتر.
وفي حين أن أنظمة الضربات طويلة المدى المنشورة مسبقا تشكل عنصرا أساسيا في إستراتيجية “حلقة النار” التي تنتهجها طهران ضد إسرائيل، فإن هذه ليست مشكلة انتشار الأسلحة الوحيدة التي تجب معالجتها.
وجاء في تقرير لمجلة إنترناشيوال الأميركية أن الجمهورية الإسلامية تستفيد من بيئة دولية أكثر تساهلا للبناء على سجلها في انتشار الأسلحة للجهات الفاعلة غير الحكومية لتصبح بائع أسلحة للدول.
طائرات بدون طيار إيرانية شوهدت في عدة قارات، ما يوضح مدى تأثير الأسلحة الإيرانية على تشكيل الصراعات الدولية
وإحدى الطرق التي يمكن لإيران من خلالها إثارة اهتمام الدولة هي تسليط الضوء على الدور الذي لعبته أنظمتها منخفضة التكلفة، مثل الطائرات بدون طيار، في ساحات المعارك.
وكانت طائرة شاهد – 136 بدون طيار، والتي تسمى أيضا جيران – 2، فعالة في حرب روسيا الجارية ضد أوكرانيا، حيث أطلقت موسكو ما يقرب من 4600 طائرة بدون طيار في أول عامين من الصراع. وكانت الطائرة بدون طيار نفسها قد شاركت في الهجوم الذي شنته إيران في الثالث عشر من أبريل ضد إسرائيل.
وإلى جانب أوكرانيا وإسرائيل، شوهدت طائرات بدون طيار إيرانية في قارتين أخريين على الأقل، وهو ما يوضح مدى تأثير الأسلحة الإيرانية على تشكيل الصراعات الدولية.
وفي فنزويلا، تكشف التقارير من عام 2012 عن مساعدة طهران لكاراكاس في إنتاج طائرات بدون طيار محليا. والآن، تستخدم القوات المسلحة الفنزويلية طائرات مهاجر – 2 الإيرانية، فضلا عن طائرات مهاجر – 3 الأحدث، والتي تشبه إلى حد كبير طائرات شاهد – 171 الإيرانية.
وعلى نحو مماثل، في الحرب الأهلية في السودان، ساعدت طائرات مهاجر – 6 الإيرانية القوات المسلحة السودانية في منع تقدم قوات الدعم السريع المنافسة واستعادة الأراضي.
وتقول تقارير إن الطائرات بدون طيار مدرجة في اتفاقية أسلحة بقيمة 500 مليون دولار تم الإبلاغ عنها مؤخرًا بين إيران وأرمينيا. وبينما نفت يريفان وطهران رسميًا الصفقة، فمن المرجح أن يكون رفض إيران مدفوعًا باعتبارات محلية و محاولات إغراء أذربيجان دبلوماسيًا.
وفي يوليو الماضي، أشاد أحد أعضاء البرلمان الإيراني بزيادة كبيرة في الصادرات العسكرية على مدى السنوات الثلاث الماضية، مشيرًا إلى أن الإنتاج نما مرتين ونصف المرة بينما ارتفعت الصادرات في نفس الفترة.
الطائرات بدون طيار مدرجة في اتفاقية أسلحة بقيمة 500 مليون دولار تم الإبلاغ عنها مؤخرًا بين إيران وأرمينيا
وسلطت وكالة تسنيم التابعة للحرس الثوري الإيراني الضوء على أن طهران تهدف إلى احتلال مكان تركيا في سوق الطائرات بدون طيار العالمية بحلول عام 2028، وتسعى جاهدة للاستحواذ على ربع حصة السوق هذه على الأقل، أي ما يعادل حوالي 6.5 مليار دولار.
وبالإضافة إلى توريد الطائرات بدون طيار، سهلت طهران أيضا بناء القدرات للدول المهتمة بإنتاج الطائرات بدون طيار المصممة إيرانيا.
وافتتحت إيران مصنعا لإنتاج الطائرات بدون طيار في طاجيكستان في عام 2022 لطائرة أبابيل 2 بدون طيار، في حين لا يزال وضع هذه المنشأة غير واضح.
وهناك طريقة أخرى قد تسعى بها إيران إلى إثارة الاهتمام بأسلحتها من خلال زيادة الحضور في المعارض الدفاعية. ففي عام 2024، استعرضت الجمهورية الإسلامية أنظمتها العسكرية في معارض الدفاع في ماليزيا وقطر والعراق وأرسلت وفداً للمشاركة في معرض استضافته المملكة العربية السعودية. كما استضافت موسكو وبلغراد أكشاكا تعرض شركات تصنيع دفاعية إيرانية في المعارض في العام السابق.
وباستثناء العقوبات الأميركية والأوروبية، لا تواجه الجمهورية الإسلامية اليوم أي قيود دولية للمشاركة في تجارة الأسلحة العالمية.
وقد نتج هذا عن حظر الأسلحة واختبار الصواريخ وحظر النقل الذي انتهى في أكتوبر 2020 وأكتوبر 2023 على التوالي، كما نص على ذلك قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231، الذي قنن الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015.
وفي حين أن وجود هذه المحظورات لم يمنع إيران من حضور معارض الأسلحة الإقليمية، كما حدث في العراق في الماضي، ولم يمنع اختبار الصواريخ أو نقل الأسلحة، إلا أنه خلق أساسا دوليا للعمل متعدد الأطراف ضد طهران ووسع التحالف من أجل فرض العقوبات.
ويتطلب الانتشار العالمي المتزايد للأسلحة الإيرانية استعادة خط الأساس الدولي لردع ومعاقبة المبيعات المحتملة. ولكن من غير المرجح صدور قرار جديد في مجلس الأمن ضد صادرات الأسلحة الإيرانية عندما يستفيد عضو دائم في مجلس الأمن من الطائرات بدون طيار الإيرانية وقد يتلقى قريبًا صواريخ باليستية إيرانية أيضا.
وقبل انتهاء صلاحية آلية في القرار 2231 تعمل على إعادة هندسة حق النقض في مجلس الأمن في أكتوبر 2025، يجب على واشنطن أن تعمل مع شركائها عبر الأطلسي لاستعادة حظر نقل الأسلحة الدائم واختبار الصواريخ، المعروف شعبيا باسم “snapback”.
ومن هذا المنطلق، تستطيع واشنطن أن تتحرك بقوة لفرض عقوبات على حلقات المشتريات الإيرانية والشبكات غير المشروعة التي تنقل الأموال والأجزاء لصالح الجمهورية الإسلامية. وينبغي لواشنطن أيضا أن تخصص المزيد من الموارد لضمان حرمان طهران من الفوائد، وخاصة إذا كانت مالية، من تجارة الأسلحة العالمية متزايدة الاتساع.
ويتطلب ذلك المزيد من الجهود متعددة الأطراف لمنع أو اعتراض عمليات نقل الأسلحة حيثما أمكن، فضلا عن إثارة قضية نقل الأسلحة الإيرانية في العلاقات الثنائية مع البلدان التي تستضيف معارض الأسلحة التي تعرض الأسلحة الإيرانية أو مع أولئك الذين يسعون إلى شرائها.
وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي للولايات المتحدة وغيرها من الدول أن تفكر في وقف جانب العرض من المعادلة من خلال أعمال التخريب ضد الطائرات بدون طيار الإيرانية أو غيرها من مرافق إنتاج وتخزين الأسلحة، كما ورد أن إسرائيل فعلت في عام 2022.
وإذا تمت متابعة هذه الأفكار بمعزل عن غيرها، فمن غير المرجح أن تعيد مشكلة انتشار الأسلحة الإيرانية إلى المربع الأول. ومع ذلك، إذا ما تم أخذها معا، فإنها يمكن أن تعوق جهود الجمهورية الإسلامية للارتقاء إلى مرتبة بائع الأسلحة الدولي.
العرب