الاتفاقية الأمنية تشرّع للوجود العسكري التركي على أراضي العراق

الاتفاقية الأمنية تشرّع للوجود العسكري التركي على أراضي العراق

بغداد – تمهّد الاتفاقية الأمنية التي وقعتها حكومة محمد شياع السوداني مع أنقرة الطريق لإضفاء شرعية على الوجود العسكري التركي في الأراضي العراقية. وكانت آخر خطوة في هذا السياق هي الاتفاق على إنشاء مركز تنسيق أمني مشترك في بغداد ومركز آخر للتدريب والتعاون في مدينة بعشيقة بهدف محاربة الإرهاب.

وجاء الإعلان عن ذلك الخميس خلال مؤتمر صحفي مشترك بين وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ووزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، عقب الاجتماع الرابع للآلية الأمنية رفيعة المستوى بين البلدين.

ومن شأن هذا الاتفاق أن يضفي على تحرك القوات التركية مرونة كبيرة ويجعل من الاحتجاج عليها عراقيا أمرا صعبا، سواء بمواقف من مسؤولين حكوميين أو باعتراضات من ممثلي كتل وأحزاب أو حتى داخل البرلمان.

ومن المفارقات أن بغداد قدمت إلى أنقرة هدية ثمينة بخصوص بعشيقة حيث تتمركز قاعدة عسكرية ترفض تركيا إزالتها رغم محاولات عراقية كثيرة سابقة، وتحويلها إلى مركز تدريب ولو شكليا يزيل الحرج عن القيادة التركية ويضفي المزيد من الشرعية على أنشطة قواتها خاصة بعد الخطوات الخاصة بحظر بغداد أحزابا عراقية ممثلة لسكان المناطق الحدودية، وما ستوفره للعسكريين الأتراك من أرضية تحرك دون ضوابط.

وتعمل الحكومة العراقية على تنفيذ الاتفاق الأمني مع تركيا في جانبه المتعلق بمحاصرة الأكراد الداعمين لحزب العمال الكردستاني. لكن هذه الخطوة التي تقابل برضا من أنقرة تزيد المخاوف بين العراقيين الذين يقطنون في المناطق القريبة من الحدود التركية، وتجعلهم مثار استهداف بشبهة الولاء لحزب عجزت أنقرة عن هزمه عسكريا.

ويرى مراقبون أن حكومة السوداني تتعامل مع الموضوع الأمني دون تروّ، وأنها تبحث فقط عن تحصيل مكاسب آنية من خلال سيرها وراء سياسات تركيا في التضييق على سكان المناطق الحدودية. لكنها لم تحصل بعد على ما تريده خاصة في موضوع المياه.

وبمرور الوقت قد تجد الحكومة العراقية نفسها في مأزق بسبب سياسة استهداف كيانات عراقية من عرقيات مختلفة مثل الأكراد والإيزيديين، وبعضهم منضو تحت لواء الحشد الشعبي، وتشكل للدفاع عن قرى عراقية في مواجهة داعش.

بغداد تضفي شرعية على قاعدة بعشيقة التي رفضت تركيا إزالتها، وتحويلها إلى مركز تدريب يزيل عن أنقرة الحرج

ويقول المراقبون إنه يمكن لحكومة السوداني أن تتخذ موقفا متشددا حيال حزب العمال في سياق سياسة استرضاء أنقرة، لكن ليس من حقها مجاراة المطالب التركية في التضييق على العراقيين لمجرد وجودهم في مناطق الاشتباك بين الحزب والجيش التركي.

ومع توسع التدخل التركي بضوء أخضر عراقي يشعر أهالي المناطق الحدودية بالخوف من سقوط القذائف على منازلهم، كما أن البعض منهم اضطر إلى النزوح نحو قرى أخرى لم يصلها القصف.

وفي 6 أغسطس الجاري أعلن مجلس القضاء الأعلى العراقي حظر أنشطة ما يسمى أحزاب “الحرية والديمقراطية الإيزيدية”، و”جبهة النضال الديمقراطي” و”حرية مجتمع كردستان”، ومصادرة ممتلكاتها بدعوى موالاة حزب العمال الكردستاني.

وتساءل المراقبون كيف يمكن لحكومة أن تعطي إجازة الاعتراف بحزب وتسمح له بالمشاركة في الانتخابات وفق مقاييس القانون العراقي ثم فجأة تعلن حله ومصادرة أمواله وممتلكاته.

وحذر المراقبون من أن خطوات التضييق التي تعتمدها بغداد ضد كيانات عراقية قد تدفعها إلى التعاون مع حزب العمال الكردستاني للدفاع عن مناطقها، وقد تجد نفسها مضطرة إلى الاشتباك مع القوات العراقية في حال عملت الأخيرة على تنفيذ مطالب أنقرة.

وبادرت السلطات العراقية في مارس الماضي بتصنيف حزب العمال الكردستاني تنظيما محظورا في البلاد، ودعّم مجلس الوزراء في يوليو الماضي هذا القرار بإصداره تعليمات إلى مختلف الهيئات الرسمية للدولة تقضي باعتماد صفة “التنظيم المحظور” في خطابها الرسمي بشأن الحزب من مراسلات وغيرها.

وأشاد السفير التركي لدى بغداد أنيل بورا أنان بقرار بغداد وصف حزب العمال الكردستاني بـ”المحظور” في خطابات المؤسسات الرسمية العراقية.

وقال السفير التركي إن “العمليات الجارية لجيش بلاده في إقليم كردستان العراق تتم في إطار الاحترام الكامل لوحدة أراضي العراق”، مضيفا أن “تركيا تهدف من تلك العمليات إلى القضاء على حزب العمال الكردستاني الذي يشكل تهديدا للأمن القومي لتركيا والعراق”.

ومثل القرار في نظر قوى وشخصيات سياسية عراقية جائزة غير مستحقة لتركيا على توسيع تدخلها العسكري في مناطق شمال العراق واحتلالها أجزاء من أراضيه بذريعة ملاحقة مقاتلي حزب العمال. وقد أشارت القوى والشخصيات ذاتها إلى أن تركيا في المقابل لم تقدم على أي خطوة واضحة لتسهيل حصول العراقيين على مياه نهري دجلة والفرات التي تحتجزها أنقرة.

ومن وراء تجاوبها مع مطالب تركيا بشأن الحزب، وغضّها الطرف عن توسيع الجيش التركي لنطاق عمليته العسكرية في محافظة دهوك بإقليم كردستان العراق، تأمل الحكومة العراقية في الدفع بمسار التعاون الاقتصادي مع تركيا، والذي شهد في الآونة الأخيرة تطورات ملحوظة أبرزها التوافق على إنجاز مشروع طريق التنمية المشترك الذي يُنتظر أن يربط أقصى جنوب العراق عند النقطة المطلة على مياه الخليج بالأراضي التركية.

وتشارك سلطات إقليم كردستان العراق، وتحديدا الحزب الديمقراطي الكردستاني القائد الرئيسي لتلك السلطات، الحكومةَ الاتحادية العراقية تعاونها مع تركيا ضد حزب العمال.

ورحب هوشيار زيباري، القيادي في الحزب الديمقراطي ووزير الخارجية العراقي الأسبق، بالقرار القضائي ضد الكيانات المرتبطة بحزب العمال. وفي تعليق عبر حسابه في منصة إكس وصف القرار بأنّه “عين الصواب والحكمة لأنّ تلك الأحزاب باتت غدة سرطانية في جسد الإقليم والعراق بأجمعه وعامل عدم استقرار وفوضى”.

العرب