ما زال التناقض يطغى على تصريحات كبار المسؤولين الأتراك حول تفاصيل مفاوضات تطبيع العلاقات مع الحكومة الإسرائيلية، لا سيما في ما يتعلق بالشرط التركي الثالث المرتبط برفع الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة، حيث لا يوجد تعريف تركي واضح ومعلن لهذا المطلب، الذي لا يزال يمثل «العقدة» الحقيقية لإتمام الاتفاق الذي تتواصل المباحثات المكثفة بشأنه منذ أسابيع.
ففي الوقت الذي استخدم فيه بعض المسؤولين الأتراك مصطلح «رفع الحصار» عن قطاع غزة، استخدم آخرون مصطلح «تخفيف الحصار»، بينما وصل البعض لتعريفه «بالسماح بدخول المساعدات الإنسانية للقطاع»، وحل مشكلة انقطاع التيار الكهربائي. هذا التناقض زاد من غموض الموقف، ودلل على عدم وجود معايير تركية واضحة وثابتة لهذا الشرط.
ومنذ حادث الهجوم الإسرائيلي على سفينة مرمرة التركية التي كانت متوجهة إلى قطاع غزة، في 31 مايو/ أيار 2010 وضعت تركيا ثلاثة شروط من أجل إعادة تطبيع العلاقات مع إسرائيل، تتمثل في تقديم اعتذار رسمي، وتعويضات لأسر الضحايا الأتراك الذين وقعوا بالهجوم، بالإضافة إلى رفع الحصار عن قطاع غزة. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد قدم اعتذاراً رسمياً لرئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان بضغط كبير من الرئيس الأمريكي باراك أوباما، فيما توصل الجانبان إلى تفاهمات متقدمة حول دفع إسرائيل تعويضات تصل إلى 20 مليون دولار لأسر الضحايا، لكن إسرائيل أبدت تعنتاً كبيراً ـ وما زالت – في تقديم تنازلات فيما يتعلق بالشرط التركي الثالث المتمثل في رفع الحصار عن قطاع غزة.
وقال ياسين أقطاي أحد نواب ومسؤولي حزب العدالة والتنمية في تصريحات خاصة لـ«القدس العربي»: «تركيا ما زالت متمسكة بقوة بشروطها وأهمها رفع الحصار أو تخفيفه بالحد الأدنى عن قطاع غزة، بالإضافة إلى شرطي الاعتذار والتعويض المالي لشهداء وجرحى الهجوم الإسرائيلي».
وأما إبراهيم كالين المتحدث باسم رئاسة الجمهورية التركية فبدلا من أن يقدم توضيحاً زاد الأمر تعقيداً وغموضاً عندما أكد أن بلاده ما زالت مصممة على الشرط الثالث «المتمثل في رفع وتخفيف الحصار عن قطاع غزة»، من دون تحديد ما إن كانت بلاده تطالب برفع كامل للحصار على قطاع غزة، أو الاكتفاء بتخفيف الحصار وتقديم بعض التسهيلات للسكان.
وفي تعريف كالين للشرط الثالث، قال في تصريحاته قبل أيام: «هناك شرط ثالث، وهو تخفيف ورفع الحصار عن غزة، أي السماح بوصول المساعدات الإنسانية المتجهة إلى غزة»، وهو التعريف الذي ولد إحباطاً لدى سكان القطاع الذي تدخله المساعدات الإنسانية أصلاً ويعاني ما آثار متعددة للحصار أهمها إغلاق المعابر ومنع السفر وانقطاع التيار الكهربائي.
وشدد كالين على أن «موقف تركيا بخصوص القضية الفلسطينية، ونضال الشعب الفلسطيني المشرف والعادل من أجل حريته، واضح وصريح، سواء تم التوقيع على اتفاق أو لم يتم، فإن تركيا ستواصل الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني حتى حصوله على دولته».
ويرى مراقبون أن تركيا وإسرائيل يبذلان كل ما بوسعهما لتطبيع العلاقات، وأن تركيا لا تضع شروطاً محددة أو تعريف واضح لشرط رفع الحصار عن قطاع غزة، وأن ما تريده فقط هو تنازلات إسرائيلية تلبي الحد الأدنى من معايير رفع الحصار، كمنح امتيازات خاصة لتركيا من أجل إرسال المساعدات الإنسانية وحل مشكلة الوقود وانقطاع التيار الكهربائي.
من جهته، أكد الرئيس التركي على أن «اتفاقا عادلا» بين تركيا وإسرائيل من شأنه أن يخفف معاناة الفلسطينيين، قائلاً: «ما هي الاتفاقية العادلة؟ إنّها الاتفاقية التي تضمن الوفاء بالشروط المسبقة التشي قدّمناها سابقا. إسرائيل بحاجة إلى دولة مثل تركيا في المنطقة. ونحن أيضا، يجب أن نعترف أنّنا بحاجة إلى دولة مثل إسرائيل. هذه حقيقة إقليمية، علينا أن نراها. إذا نفّذ الجانبان الإجراءات الضرورية المبنية على الصدق المتبادل، فإن التطبيع سيأتي بطبيعة الحال».
وحاول أردوغان تقديم تعريف أو تفسير للشرط التركي الثالث بالقول: «على تركيا أن تفكّر في محنة الفلسطينيين.. ليس لديهم هناك ماء أو كهرباء، لا تُحل هذه المشاكل من خلال القتال أو الصراخ، وقد مرّت أشهر ولم تحل هذه المشاكل. سننتهي قريبا من بناء مستشفى هناك، ولو كانت الظروف طبيعية لانتهى بناء المستشفى منذ زمن»، مضيفاً: «الشروط المسبقة لأي تطبيع للعلاقة مع إسرائيل معروفة لدى الجميع.. نحن بحاجة لإرسال سفينة توفر الكهرباء لقطاع غزة. بالنسبة لموضوع الحصار، هم (إسرائيل) يقولون إنّهم سيرفعونه إذا مرت البضائع من خلال تركيا. وقد قلت إنّني لن أعلّق على أي شيء إذا لم أشاهده مكتوبا بعيني. فالنص المكتوب يضمن عدم حدوث أي انحراف عن الاتفاقية.. البنية التحتية للكهرباء بحاجة إلى إصلاحات عاجلة، سيتم تنفيذها في أقرب وقت ممكن».
وفي خطابه الأخير أمام البرلمان استخدم رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو تعبير «رفع الحصار عن غزة»، مشدداً على أنه «لا توقيع على اتفاق إلا بتلبية جميع الشروط التركية»، وهو نفس الخطاب الذي استخدمه عمر جيلك الناطق الرسمي باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم.
وكان رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل قد التقى قبل أسابيع بالرئيس أردوغان ورئيس الوزراء أوغلو حيث أطلعه الزعيمان على تطور المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، مؤكدين التزامهم بدعم القضية الفلسطينية، وذلك عقب أنباء عن موافقة تركيا على طرد قادة حماس من أراضيها.
إسماعيل جمال
صحيفة القدس العربي