وتأتي عملية تنفيذ المملكة حكم الإعدام الذي صدر عام 2014 بحق المعارض السعودي الشيعي، نمر باقر النمر، بعد إدانته بالتحريض على الاحتجاجات الحاشدة التي شهدتها منطقة القطيف، شرقي السعودية، عام 2011، المحرك الذي تم اختياره بدقة، فيما يبدو، لرفع حالة المواجهة بين المشروعين، العربي الإسلامي بقيادة السعودية، والطائفي الإيراني بمساعدة أذرعها النشطة في العراق ولبنان واليمن والبحرين، وحتى داخل المملكة.
واضح جداً، ومن ردود الأفعال العنيفة والكبيرة، رسمياً ومؤسساتياً، في كل من إيران ثم العراق، والتهديدات العلنية والرسمية للخارجية الإيرانية بـ”إزالة آل سعود من الوجود”، وأن المملكة “ستدفع الثمن غالياً”، ثم تهديدات مجلس خبراء قيادة إيران، والمرشد الأعلى الإيراني، آية الله خامنئي، من أن “الانتقام الإلهي” سيحل بالساسة السعوديين، وتنديد رئيس الوزراء حيدر العبادي، ووعيد سلفه نوري المالكي بإطاحة “العائلة المالكة التي تحكم السعودية”، ودعوة الزعيم الشيعي، مقتدى الصدر، إلى مظاهرات غضب، ووصف قائد كتائب حزب الله في العراق، أبو مهدي المهندس، إعدام النمر بأنه “جريمة تضاف إلى جرائم آل سعود”، واعتبار موفق الربيعي، الطائفي الرسمي في السلطة العراقية على مر حكوماتها منذ عام 2005، “أن إعدام الشيخ النمر لن يمر مرّ السحاب”، ناهيك عن بيانات المجلس الإسلامي الشيعي في لبنان وجماعة الحوثي في اليمن. واضح من ذلك كله مدى تأثير هذا الرجل على المشاركين في هذه الاحتجاجات وسلوكهم، ففي محاضراته وخطبه، كان محرّضاً على العنف والكراهية بحق آل سعود تحديداً، ثم أبناء كل المكون غير الشيعي. وتمثلت ردة الفعل في إحراق سفارة المملكة العربية السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد، وكذلك حرق السيارات الحكومية والعامة في القطيف، وهي أعمال عنف كان النمر فيها يمثل رمزاً وموجهاً ومنظّراً للشباب (الشيعي) فيها وسيلة للخلاص من هيمنة حكم (السنّة) بشكل عام، وفي المملكة العربية السعودية والبحرين خصوصاً.
أعطت عملية تنفيذ حكم الإعدام بحق نمر باقر النمر، وما أعقبها من هستيريا الأنظمة والمليشيات الموالية لإيران، دليلاً قاطعاً على أن الصفعة التي وجهتها السعودية لإيران، وكل من يتبعونها، كانت موجعة حد الألم المبرح من جهة، ومعبّرة حد الإعلام الواضح والقطعي أن من يظن أن هناك شخصا أو فئة في المملكة فوق القانون، المعروف للجميع في طول البلاد وعرضها، فهو واهم، وأن هذا القانون يجب أن يحترم وينفذ بحق الجميع، سواء لوّحوا بخلايا نائمة، أم بقوة دولة إقليمية كإيران.
رسالة أخرى مهمة جدا أرسلتها الرياض إلى كل من يهدد أمنها، وبأي وسيلةٍ أو جهة؛ فقد نفذت المملكة حكم الإعدام بحق النمر، فجر ثاني أيام افتتاح السفارة السعودية في بغداد، وهي، لعمري، ذات معنى كبير، خصوصاً بعد أن اشترطت المليشيات التي اختطفت الصيادين القطريين جنوب العراق إطلاق النمر لإطلاق سراحهم، كما تردد وذاع من دون إعلان واضح.
يبدو أن الرياض عازمة على إيقاف المشروع الإيراني في المنطقة، مهما كلفها الأمر، وهي، وربما يكون هذا لافتاً؛ في ضوء مواقف استراتيجية سابقة لعهد الملك سلمان بن عبد العزيز، تتصرف بطريقةٍ ممنهجةٍ صوب تحقيق هذا الهدف؛ ولعل تطور علاقتها مع الدولة الأقرب لتحسس الخطر الإيراني، والأقوى على الوقوف في وجهه، تركيا، إلى حد توقيع اتفاقية لإنشاء “مجلس تعاون استراتيجي” سياسي واقتصادي وعسكري، يمثل عامل قوة وثقة بالقدرات بشكل راسخ، إضافة إلى تشكيل المملكة تحالفاً عسكرياً إسلامياً من 34 دولة لمحاربة الإرهاب، أياً كان مصدره أو سمته، وهذا يعني أنه لا يرتبط بالتنظيمات الإرهابية الشائعة، مثل تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة فقط، بل يتعداه إلى منظمات إرهابية تتخفى وراء عناوين محاربة هذه التنظيمات، ومعظمها تتبع ولاية الفقيه وإدارة الحرس الثوري الإيراني.
يبدو أن إدارة الملك سلمان لن تدع الأمور تسير وفق تخطيط إيراني مدروس، وغياب عربي مطلق، وخضوع دولي لفرضية دعم من يؤمن مصالحه في الشرق الأوسط. لذا، كانت واحدة من أهداف توقيت إعدام النمر تسعير الجبهة مع طهران، ودفعها إلى التهور، وحرف أسهم حركة قوتها وقواتها، وربما إيقاظ خلاياه النائمة في الخليج العربي وسواه. وأعتقد أن من يتعمق في أسلوب إدارة الصراع في المملكة العربية السعودية يعلم، أو سيعلم، أن خطوات الرياض تمضي في الاتجاه الصحيح، وأنها بدت في مواجهة مع المشروع الإيراني وكأنها أمة كاملة، وستستمر في استفزاز القائمين على هذا المشروع، وصولاً إلى لحظة استنهاض الإحساس القومي والإسلامي لدى الأمة في مواجهة المشروع (ولاية الفقيه) الطائفي.