بلورة المشروع العربي أمام تحديات الأمة

بلورة المشروع العربي أمام تحديات الأمة

يمكن للمتابعين للأوضاع المستمرة بين مقاتلي حماس وحزب الله اللبناني والقوات الإسرائيلية وطبيعة المواجهات العسكرية في الأراضي الفلسطينية والجنوب اللبناني واستمرارها وأهدافها وغاياتها أن يسأل أين المنظومة العربية مما يحدث؟ وهل ستبقى إيران تتحين الفرص السياسية وتبويبها لصالحها وأهدافها على حساب التضحيات الكبيرة والدماء الزكية التي يقدمها أبناء الشعب الفلسطيني والاستفادة من إطالة أمد الصراع العربي الإسرائيلي واحتواء مفهوم التحرير الشامل للأراضي المحتلة واعتباره هدفًا استراتيجيًا تحاول إيران اللعب على وتره العاطفي وتقديم نفسها على أنها الراعي الحقيقي للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني.
أفصحت الوقائع في الميدان أن هناك أدوات ووسائل تسعى لتغيب الدور العربي بل تعمل على اضمخلال أي مشروع واتفاق هدفه إضعاف القدرة العربية والتأثير على الروح المعنوية لدى الشعب العربي، وبرزت مشاريع أخرى تعاملت مع القضايا العربية وأتخذتها أسلوب سياسي في تبعيات الحفاظ على وجودها بالمنطقة وديمومة منافعها وادامة مصالحها، ومنها المشروع الأمريكي الغربي الذي يحاول تحقيق التوازن الاستراتيجي في علاقة إسرائيل مع إيران ومنع حالة أي تصعيد قد يؤدي إلى مواجهة مباشرة شاملة بين الطرفين ومعالجة أبعاد القضية الفلسطينية بما يؤمن الحماية الذاتية لإسرائيل والدفاع عن أمنها وحماية عمقها الداخلي، وحاولت دول كبرى مثل الصين وروسيا أن يكون لديها مشروعها الخاص في التعامل مع المتغيرات التي تشهدها المنطقة العربية، فكانت المبادرة الصينية التي أفضت إلى تحقيق الاتفاق السعودي الإيراني الذي يحفظ حالة الاستقرار واستمرار تدفق النفط والغاز في السوق العالمية وتأمين المنافع الاقتصادية للصين التي تسعى لبيئة آمنة تساهم في إنجاح مشروع طريق التنمية الذي تشرف عليه الصين، كما وأن القيادة الروسية أخذت على عاتقها توسيع مسارات العلاقة السياسية والعسكرية مع سوريا عبر التدخل العسكري الذي حصل في آيلول 2015 ومساهمتها الميدانية في حماية النظام السوري ومواجهة المعارضة الشعبية التي كانت تسعى لاسقاط النظام، وعبر هذه المساهمة كان لروسيا مشروعها الاقتصادي والسياسي في تحقيق الاطلالة التي تبحثت عنها في البحر الأبيض المتوسط.
ويبقى هناك مشروعين يشكلان الخطورة الكبيرة على الأمن القومي العربي، هما المشروع الاسرائيلي الذي تمتد أهدافه من الفرات إلى النيل وسعيه لتحقيق طموحه في دولة إسرائيل الكبرى وضياع وتشتيت الحقوق الفلسطينية في إقامة دولتهم التي نصت عليها الاتفاقيات الدولية ورعتها منظمة الأمم المتحدة، وهناك المشروع السياسي الإيراني الذي يتميز بالتمدد والنفوذ والهيمنة والتوسع في المنطقة العربية واتخاذ القضية الفلسطينية سلوك سياسي وراية يحملها في طريق مشروعه للتفاوض حول أي صفقة تساهم في الحفاظ على أهدافه وتوسيع نفوذه، وتستخدم سياسة الدعم والمناورة مع الفصائل المسلحة التي ترتبط بالمشروع الإيراني وتلتزم بتوجيهات المرشد الأعلى علي خامنئي والقيادات الأمنية والعسكرية للحرس الثوري الإيراني، وتتخذ منها خطًا للشروع الأول في حماية الأمن القومي لها وتعزيز ومنافعها ومكاسبها الميدانية التي تمثل استراتيجية مشروعها الإقليمي واستمرار تأثيرها في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي واستغلال أي فرصة سياسية واقتصادية تبرز مع أي متغيرات ميدانية للتفاوض بها مع الولايات المتحدة الأمريكية لرفع العقوبات المفروضة عليها وإعادة ترتيب اتفاق برنامجها النووي.
ان خطورة المشروع الإيراني تكمن في أنه يخاطب المشاعر العاطفية ويلعب على وتر الاحاسيس العربية التي تمني النفس بتحرير الارض الفلسطينية ولكنه في الوقت نفسه يسعى حثيثًا لإعادة العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية عبر اللقاءات والحوارات التي تجري في عدة عواصم عربية خليجية والعمل على بناء عدة صفقات سياسية تهدف إلى ابقائه لاعبًا اقليميًا في معظم القضايا والأزمات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، مع الحفاظ على التوازنات السياسية والابتعاد عن أي مواجهة مباشرة مع إسرائيل وعدم جعلها خارج السيطرة الدولية والاحتفاظ بسياسية براغماتية بعدم إثارة الأطراف الدولية والإقليمية وابعادها عن فكرة خطابها بتغيير النظام السياسي الإيراني وتخفيض حدة التصعيد معه.
المشروع الإيراني قائم على أدوات يعمل على تحريكها وفق مقتضيات مصالحه وغاياته في الهيمنة والسيطرة على المنطقة العربية التي يرى فيها هدفًا استراتيجيًا أقرته الادبيات الفكرية التي أتى بها الخميني في شباط 1979 عبر مفهوم مبادئ الثورة الإسلامية الإيرانية والتي تضمنتها مواد الدستور الإيراني الحديث، والتمسك بسياسة الحذر واليقظة وضبط النفس عند أي أزمة سياسية وأمنية يتعرض لها النظام وتحريك شركائه وحلفائة من الفصائل والمليشيات المسلحة لتكون السد المنيع والحاجز الاقوى الذي يحمي أمنه القومي وحدوده الداخلية مع اعتماد مبدأ الكلفة والفاعلية وعدم الاستدراج لحرب واسعة، وجعل الوكلاء يقاتلون من أجل ديمومة بقائه ولكنه لا يمكن أن يضحي بمؤسساته وهيكليته التنظيمية من أجلهم رغم اعتقادتهم انهم يمثلون له درة التاج الإيراني أو أحد أوراقه الثمينة في منطقة الشرق الأوسط.
تبقى الرؤية الإيجابية والأهداف الحقيقية والغايات السياسية، هي المعيار الأساسي في معالجة الأزمات التي تحيط بالمنطقة العربية واحاطتها بالاهتمام والدراسة الميدانية وإعادة النظر بكل ما مر بها من متغيرات أو صراعات سياسية وأمنية،وإعداد البرامج والوسائل التي تعيد منهجية العمل العربي في جعل القضية الفلسطينية هي المحور الأساسي في العمل العربي وعدم السماح لإيران أن تكون هي المعيار الاستراتيجي في تبنيها وسحب البساط منها كون الأحداث اثبت أنها ليس لديها مشروعًا صادقًا من أجل الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وإنما استثماره للفرص السياسية وتعويمها من أجل تحقيق طموحاته في تنفيذ ما يصبو إليه في الولوج إلى المجتمع العربي والتأثير عليه لتحقيق أهدافه في التمدد والنفوذ.

وحدة الدراسات العربية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية