أعلنت دول عربية عن قطع علاقاتها مع إيران أو تخفيض مستواها تضامنا مع السعودية التي أعلنت الأحد عن سحب سفيرها من طهران وقطع العلاقات معها، ومن شأن ذلك توسيع دائرة المقاطعة أن يضيق الخناق على إيران ويزيد من عزلتها.
يأتي هذا في وقت تحاول طهران والميليشيات التابعة لها في المنطقة أن تسبغ البعد الطائفي على حملتها ضد السعودية.
وأعلنت البحرين الاثنين قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران والطلب من دبلوماسييها مغادرة المنامة، بحسب ما أفاد الإعلام الرسمي، وذلك بعد أقل من 24 ساعة على اتخاذ السعودية إجراء مماثلا.
واتهمت المنامة طهران “بالتدخل السافر والخطير (…) ليس فقط في شؤون مملكة البحرين فحسب، بل وفي شؤون دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وكذلك الدول العربية الشقيقة، دون أدنى مراعاة لقيم أو قانون أو أخلاق”.
وأعلن بيان لوزارة الخارجية السودانية قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران ردا على اقتحام محتجين للسفارة السعودية في طهران والقنصلية السعودية في مشهد.
وأعلنت الإمارات استدعاء سفيرها في إيران وخفض التمثيل الدبلوماسي معها، بسبب “التدخل الإيراني المستمر في الشأن الداخلي الخليجي والعربي”، وفق بيان أصدرته أمس وزارة الخارجية الإماراتية.
وتعقد الجامعة العربية الأحد القادم اجتماعا لوزراء الخارجية العرب، وذلك بناء على طلب السعودية لإدانة الاعتداءات الإيرانية على سفارتها في طهران، وقنصلياتها في مشهد، وإدانة التدخلات الإيرانية في شؤون الدول العربية الداخلية.
ولا يستبعد المراقبون أن يخرج الاجتماع بموقف قوي ضد إيران التي أصبحت تحركاتها تثير غضب عواصم عربية عديدة سواء ما يتعلق بدعمها العلني لمجموعات طائفية مثلما يجري في اليمن والبحرين ولبنان وسوريا والعراق، أو من خلال دعمها الخفي لحركة تبشير شيعية في دول مثل مصر والجزائر وتونس وعمان بهدف تكوين مجموعات طائفية تابعة تعمل على تنفيذ أجندتها في المستقبل.
وقال مصدر مقرب من الحكومة السعودية إن الرياض ليست مستاءة من إيران فحسب وإنما من الولايات المتحدة أيضا لإخفاقها في الرد على ما تعتبره الرياض تدخل إيران في كل أنحاء المنطقة، رغم تعهدات سابقة لمسؤولين أميركيين بأن الاتفاق النووي مع إيران لا يعني إطلاق يدها في المنطقة.
وأكد المصدر “لقد طفح الكيل. مرة أخرى إيران تبدي عدم اكتراثها بالغرب. وهي تواصل رعاية الإرهاب وإطلاق الصواريخ الباليستية ولا أحد يحرك ساكنا إزاء ذلك.
وصعدت السعودية أمس من إجراءاتها ضد إيران فقالت إنها ستوقف حركة الطيران والعلاقات التجارية معها.
وقال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إن طهران مسؤولة عن زيادة التوتر بين البلدين، مؤكدا أن الرياض سترد “على الاعتداء الإيراني” واتهم طهران بإرسال مقاتلين لدول عربية والتخطيط لشن هجمات في المملكة وجاراتها في الخليج.
وأضاف “لا يوجد تصعيد من جانب السعودية. كل تحركاتنا رد فعل. الإيرانيون هم من ذهبوا إلى لبنان. وهم من أرسلوا فيلق القدس والحرس الثوري إلى سوريا”.
ومن شأن توسع دائرة المقاطعة العربية لإيران أن يزيد في عزلتها خاصة أن تحريك الشارع الشيعي في بلدان عربية وإسلامية سيزيد من المخاوف الغربية تجاه إيران.
وقال الباحث السعودي سلمان الأنصاري إن السعودية “ستعمل على تضييق الخناق على إيران سياسيا واقتصاديا بطريقة ذكية من خلال شبكة الدول الصديقة خصوصا التي تأذت من أعمال إيران في المنطقة”.
وأضاف في تصريح خاص لـ”العرب” إن إيران ستكون دائما “خارج المعادلة تماما بالنسبة لسياسة المملكة، فلا حل سياسي ولا تفاوض مع دولة راعية للإرهاب كإيران”.
ولا يجد العالم العربي أي مبرر للحملة الإيرانية، فضلا عن الهجمات التي استهدفت سفارات السعودية سوى أن إيران تسعى لاستثمار إعدام الشيخ الشيعي نمر النمر لتجميع الأقليات الشيعية حولها، وتحويل خلافها مع السعودية من دائرة الصراع على مواقع النفوذ إلى صراع طائفي يمكن أن يدخل المنطقة في حرب طويلة الأمد.
ويريد الإيرانيون تكرار نجاحهم في تحويل وجهة الصراع في العراق بعد 2003 من مقاومة ضد الغزو الخارجي، الذي كانت إيران شريكا فيه إلى جانب الولايات المتحدة، إلى صراع طائفي وظفت فيه العواطف المذهبية وتمكنت عبره من السيطرة على العراق وفرض الأحزاب الدينية الموالية لها في الحكم.
وتساءل المراقبون: إذا كان الخلاف مع السعودية فلماذا يتم استهداف مساجد سنية في العراق، وفي أماكن أخرى من العالم الإسلامي؟
ومن الواضح أن إيران تعمل على استثمار الحساسية التاريخية بين السنة والشيعة وتحويلها إلى عداء مستحكم لتحقيق ما عجزت عنه في السنوات الأخيرة في سوريا وبشكل خاص في اليمن، حيث نجح السعوديون في قطع الطريق عليها وإجبار المتمردين الحوثيين المرتبطين بها على التراجع بعد أن سيطروا على اليمن.
ولجأت الميليشيات الشيعية التابعة لإيران إلى محاولة تخفيف الضغط على طهران. فقد هاجم أمس حزب الله اللبناني دورية إسرائيلية في مزارع شبعا بعد صمت استمر طويلا على استهداف إسرائيلي متواصل لقيادات ومواقع تابعة للحزب مما يوحي بأن الهدف من الهجوم هو استعادة مصداقية سياسية ونفسية حققها الحزب عربيا واستثمار العواطف والشعارات القديمة بعد أن كشفت الحرب في سوريا طائفية الحزب وارتهانه لإيران.
لكن محللين يرون أن استثمار العواطف لا يستطيع أن يغطي على الحقائق على الأرض، خاصة أن إيران عملت على تضخيم إعدام رجل دين متورط في قضايا تمس الأمن القومي للسعودية، فيما هي تتولى وباستمرار إعدام الكثير من خصومها وبعضهم دون محاكمات عبر توجيه اتهامات مماثلة.
واعتبر السفير البريطاني السابق لدى السعودية جون جينكينز أن إيران أعدمت أكثر بكثير من أولئك الذين أعدمتهم المملكة.
وقال في حديث لبي.بي.سي إن الذين تم تنفيذ الإعدام بحقهم هم سعوديون إما حملوا السلاح ضد الدولة، أو دعوا إلى انفصال المنطقة الشرقية، أو تنازلوا عن الولاء للدولة السعودية، و”بالنسبة للسعوديين التنصل من الولاء للدولة خطورته تضاهي حمل السلاح”.
وأوضح أن الهدف من عمليات الإعدام هو إرسال إشارة إلى إيران والولايات المتحدة، مفادها “نحن نرفض التدخل الإيراني في شؤوننا، وسوف نقضي على كل عميل داخل بلادنا يدعو إلى فقدان الأمل في المملكة”.
صحيفة العرب اللندنية