ترامب… نتنياهو زيارة وملفات ساخنة

ترامب… نتنياهو زيارة وملفات ساخنة

تتجه أنظار صانعي القرار السياسي الدولي والإقليمي إلى الأهداف الاستراتيجية والغايات الميدانية التي تنطلق منها نتائج الزيارة المرتقبة التي سيقوم بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى البيت الأبيض ولقائه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الرابع من شباط 2025، وهو أول رئيس وزراء ومسؤول سياسي دولي كبير يصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد تسلُّم ترامب مقاليد الإدارة السياسية في واشنطن.

ستكون الزيارة عبارة عن إعداد خطة واسعة ومنهج وسلوك يتعلق بالسياسة المشتركة في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، وتعتمد في بعض محاورها على النتائج التي سيتوصل إليها المبعوث الخاص للرئيس ترامب للمنطقة (ستيف ويتكوف) في زيارته للعاصمة السعودية (الرياض) ولقائه مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والأبعاد الميدانية لالتزام بنيامين نتنياهو ببنود الصفقة الخاصة بوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والانسحاب من منطقتي نتساريم وفيلادلفيا.

من أهم القضايا التي سيتم مناقشتها هي الصفحة الميدانية المتعلقة بالمرحلة المقبلة من تنفيذ اتفاق وقف النار في غزة، والاتفاق على أن مستقبل الإدارة فيها سيكون بعيدًا عن التواجد السياسي والإداري لحركة حماس، وهو ما يتلاءم مع موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بإنهاء السيطرة الكلية لحماس كمنظمة مسلحة ذات نفوذ مدني وسياسي وعسكري، وهو ما يتوافق مع رؤية الرئيس ترامب في وقف القتال وعدم رؤية حماس في غزة.
وهذا ما يمكن الاستدلال عليه من اللقاء الذي تم بين (حسين الشيخ) أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في الرياض، حيث تحدث للمبعوث الأمريكي (ويتكوف) عن الرؤية الفلسطينية للحل السياسي القائم على حل الدولتين، والآليات الممكنة لتحقيقه.
وهذا اللقاء يمنح شرعية سياسية ميدانية ويدعم الرأي القائل بعودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، وهو ما يلقى تأييدًا عربيًا، لا سيما من المملكة العربية السعودية التي كانت وراء هذا اللقاء الثنائي.

يسعى الرئيس ترامب لتحقيق صفقة ربحية سياسية بإنهاء جولات تبادل الأسرى وإيقاف الحرب في غزة، لأنه يرى فيها نصرًا له مع بداية ولايته الثانية. كما يعمل على دعم موقفه بتقديم بعض العطايا والمكاسب لنتنياهو، مثل دعم وجوده في الحكومة الإسرائيلية اليمينية والوقوف معه سياسيًا، إضافة إلى إطلاق الموافقة على شحنة من القنابل والجرافات التي تأخرت منذ دخول القوات الإسرائيلية إلى منطقة رفح في شهر أيار 2024، والتي تُقدَّر بـ(130 جرافة من طراز كاتربيلر D9) وعدد كبير من قنابل JDAM التي تزن طنًا واحدًا، والتي تم إيقافها من قبل الرئيس جو بايدن، وهنا يعمل ترامب على تحديد رؤية نتنياهو بشأن معاودة الحرب في قطاع غزة.

إن الرئيس الأمريكي ترامب يعمل باتجاه إيجاد خطة عمل تتمثل في إنهاء الأحداث وتبعاتها في الأراضي الفلسطينية، وإقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بضرورة التعاون معه لإنفاذ اتفاق السلام الكبير الذي يسعى إليه، عبر تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية وتوسيع اتفاقية السلام مع أقطار عربية أخرى، وهو المسعى الذي يرغب فيه ترامب للحصول على جائزة نوبل للسلام، وتوضيح الحالة لنتنياهو بربط جميع المراحل والصفقات ببعضها.

وهذا يعني الاستماع إلى شروط الرياض المتعلقة بقيام دولة فلسطينية والانسحاب إلى حدود الخامس من حزيران 1967، وهو الموقف العربي الموحد الذي تم اتخاذه في القمة العربية التي عقدت في بيروت عام 2002، إضافة إلى تفكيك أي خلافات ثنائية وصولًا إلى إنهاء النزاع والصراع العربي الإسرائيلي.
ولكن ترامب سيعمل على وضع شرط أساسي يتعلق بإعمار شمال غزة بانطلاق سلام دائم في المنطقة، وهو بذلك يغازل اليمين الإسرائيلي في تل أبيب.

وسيأخذ لبنان أهمية استثنائية في اللقاء الثنائي، حيث سيتم التركيز على تثبيت تطبيق القرار الأممي 1701 بانسحاب حزب الله اللبناني إلى جنوب نهر الليطاني، وتنفيذ الاتفاق الذي صاغته الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا بموافقة عربية، والذي ينص على أنه لا حرب بعد اليوم بين إسرائيل وحزب الله، وأن أي تسويات ستكون عبر الدبلوماسية السياسية برعاية دولية.

وسيتم التركيز أيضًا على كيفية مواجهة إيران وأذرعها، حيث كانت هذه القضية من أولى ملامح السياسة الخارجية التي أعلنها ترامب فيما يتعلق بالسلوك والمنهج الإيراني. وهو يرى ضرورة استئناف العقوبات الاقتصادية والتصعيد العسكري تجاه طهران إذا لم تلتزم بمعايير العلاقات الدولية، وإيقاف تحركاتها وتدخلاتها وسعيها لتنفيذ مشروعها السياسي الإقليمي، إضافة إلى الحد من نشاطها في تطوير المفاعل النووي الإيراني وسعيها لامتلاك القنبلة الذرية، وإيقاف دعمها وتمويلها للميليشيات والفصائل المسلحة المرتبطة بالحرس الثوري. وهذا يتوافق مع الرؤية الميدانية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مواجهة إيران والتصدي لأي مساهمة في دعم وإسناد الميليشيات المسلحة، وإيقاف جميع نشاطاتها العسكرية، والحفاظ على التوازن الاستراتيجي والمصالح الدولية في مضيق هرمز والبحر الأحمر وخليج عدن، ومنع أي فعاليات أو مواجهات عسكرية تهدد التجارة الدولية والاقتصاد العالمي.

وسيكون المشهد السوري حاضرًا في اللقاء، بعدما أعلنت تل أبيب أنها تشعر بالقلق من انسحاب أمريكي من سوريا، حيث ترى أن هذه الخطوة سيكون لها تأثير على حلفائها من قوات سوريا الديمقراطية. وسبق للرئيس ترامب أن أعلن في حملته الانتخابية عن رغبته في تجنب التدخل الأمريكي في التطورات على الميدان السوري. ولكن مع تغير الأحداث في سوريا، جرت عدة محاولات أدت إلى لقاء رئيس الجمهورية السورية أحمد الشرع مع قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، وهناك دور دولي وإقليمي (أمريكي وفرنسي وتركي) لضمان أي اتفاق بين الحكومة السورية وقوات (قسد).

كما سيكون للولايات المتحدة الأمريكية دور رئيسي في إعادة العلاقات التركية الإسرائيلية إلى سابق عهدها، بعدما تضررت بسبب موقف الرئيس رجب طيب أردوغان من الأحداث التي جرت في السابع من تشرين الأول 2024 في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية، وذلك عبر ضغوط سياسية واقتصادية سيمارسها الرئيس ترامب على القيادة التركية، والتي ستكون مفتاحًا لحل المعضلة الرئيسية في علاقة أنقرة مع قسد.

زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي لواشنطن ستكون لها أبعادها الاستراتيجية، وستعكس الرؤية الميدانية لمعالجة وإيجاد الحلول السياسية لمعظم الأزمات والصراعات في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، كما ستحدد الكثير من المتغيرات والمستجدات الميدانية.

وحدة الدراسات الدولية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة