الزيارة الروسية… الثوابت والأهداف

الزيارة الروسية… الثوابت والأهداف

اياد العناز

أعطت الأحداث السياسية في منطقة الشرق الأوسط بعد سقوط النظام الأسدي وفرار رئيسه إلى حليفه الاستراتيجي الروسي، أبعادًا ميدانية ومواقف سياسية وآراء متباينة حول كيفية تعامل القيادة الحالية للإدارة الانتقالية السورية مع الدولة الروسية، وإلى أين ستذهب العلاقات بينهما؟ هل إلى حالة الانسداد أم إلى رؤية جديدة تأخذ بنظر الاعتبار التطورات والمتغيرات التي حصلت في المشهد السوري؟

كانت زيارة نائب وزير الخارجية الروسي “ميخائيل بوغدانوف” والمبعوث الخاص للرئيس فلاديمير بوتين إلى سوريا (ألكسندر لافرينتييف) في 28 كانون الثاني 2025 إلى العاصمة دمشق، في أول زيارة لوفد روسي بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، جوابًا شافيًا للعديد من الأسئلة التي طُرحت، وحلًا للعديد من التوقعات والاستنتاجات التي ذهب إليها كثير من الكُتّاب الصحفيين والمحللين السياسيين.

تهدف القيادة الروسية من هذه الزيارة إلى الاطمئنان ميدانيًا على قاعدتها الجوية في حميميم والبحرية في طرطوس، والاطلاع المباشر على الرؤية السياسية والآفاق المستقبلية لعلاقتها مع الإدارة الانتقالية، والاستماع إلى قيادتها حول رؤيتها لطبيعة العلاقات بين سوريا وروسيا ومدى آفاق التعاون بينهما، خاصة بعد الحديث الذي أدلى به قائد الإدارة ” أحمد الشرع ” لقناة العربية في منتصف كانون الأول 2024، حيث قال: هناك مصالح استراتيجية عميقة بين روسيا وسوريا، والسلاح السوري كله روسي، وكثير من محطات الطاقة تُدار بخبرات روسية، ولا نريد أن تخرج روسيا من سوريا بالشكل الذي يهواه البعض” .

أعطت هذه المقولة رؤية سياسية فاحصة ونظرة ميدانية حريصة على مستقبل العلاقات السورية مع الدول المؤثرة في القرار الدولي، رغم مواقفها وارتباطاتها الوثيقة بالنظام السياسي السوري السابق.

ورغم أن زيارة الوفد الروسي تُعتبر أول زيارة لهم إلى سوريا بعد التغيير السياسي بسيطرة هيئة تحرير الشام وتشكيلها حكومة انتقالية، إلا أن كلام رئيس الوفد الروسي جاء مكملًا للنواحي الإيجابية التي رافقت حديث الشرع حول العلاقة مع روسيا.

حيث أشار بوغدانوف إلى أن:
روسيا حريصة على وحدة واستقلال وسلامة الأراضي السورية، وتحقيق الوفاق والسلم الاجتماعي في البلاد.

سبقت الزيارة حدثان مهمان:

الأول قرار الإدارة الانتقالية بإلغاء اتفاقية مرفأ طرطوس مع الشركة الروسية.

والثاني القرار السياسي الأوروبي برفع العقوبات عن قطاعي الطاقة والنقل في سوريا.

كما سبقتها زيارة وزير خارجية بيلاروسيا (ماكسيم ريزينكوف) إلى دمشق ولقاؤه رئيس الإدارة الانتقالية في 23 كانون الثاني 2025، حيث بحثا الوضع الدولي والصراعات الإقليمية.

وأعلن الوفد البيلاروسي عن تقديم 50 حافلة من نوع “ماز” هدية للشعب السوري.

لا يمكن لزيارة الوفد البيلاروسي أن تتم دون موافقة أو تنسيق مع الحكومة الروسية، بل وعبر موافقتها، حيث مهدت هذه الزيارة للقاء نائب وزير الخارجية الروسي في سوريا.

ولهذا، فإن للزيارة الروسية أبعادها السياسية والعسكرية والاقتصادية، نظرًا لخصوصية الوجود العسكري الروسي على الأراضي السورية، والدعم الكبير الذي قدمته موسكو للنظام الأسدي، بما في ذلك مواجهتها لفصائل المعارضة السورية عبر القصف الجوي والمدفعي لمواقعها وأماكن تواجدها.

سعى الوفد الروسي إلى تحديد الوضع الميداني المتعلق بمستقبل القواعد العسكرية في طرطوس وحميميم، وإيجاد صيغة قانونية تعاقدية لوضعها القانوني، نظرًا لحرص روسيا على التمسك بها.

وتعد طرطوس المركز اللوجستي البحري الروسي الوحيد في البحر الأبيض المتوسط، في حين تعد حميميم قاعدة إمداد رئيسية للقوات الروسية في منطقة المتوسط وشمال إفريقيا.

وكانت روسيا قد حصلت سابقًا على عقد مدته 47 عامًا من النظام السابق لبقاء قواعدها على الأراضي السورية، وأي عملية لإغلاقها ستكون ضربة كبيرة وانكسارًا واضحًا لطموحات موسكو في الحفاظ على موطئ قدم عسكري في الشرق الأوسط.

وسيكون هناك دعم روسي كبير ومباشر في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية وقطاع الطاقة، في حال تمت الموافقة على بقاء القواعد الروسية.

أما إذا لم تتم الموافقة، فستعمل روسيا على تأمين خروج آمن لقواتها الجوية والبحرية، مع إجراء مفاوضات بشأن المعدات والآليات المرتبطة بالقاعدتين، إضافة إلى اعتماد مبدأ الحوار فيما يخص الاستثمارات الاقتصادية الروسية في سوريا.

جاء موقف القيادة السورية متلائمًا مع مشاعر أبناء الشعب السوري، الذين لا يزالون يشعرون بالألم والوجع بسبب الدعم السياسي الروسي للنظام الأسدي.

وقد أشارت القيادة خلال اجتماعها مع بوغدانوف إلى أن:
” استعادة العلاقات يجب أن تعالج أخطاء الماضي، وتحترم إرادة الشعب السوري، وتخدم مصالحه” مع اعتماد آليات للبحث في العدالة الانتقالية تضمن المساءلة وتحقيق العدالة لضحايا النظام الأسدي.

أثارت هذه الزيارة العديد من التساؤلات حول ما تردد عن مطالبة الشرع للوفد الروسي بتسليم بشار الأسد ومساعديه المقربين خلال المحادثات التي جرت بينهما، وهو ما لم يفصح الروس عنه بأي رأي أو موقف.
ومن الجوانب الرئيسية الأخرى التي لم يصدر موقف صريح من الكرملين بشأنها، مطالبات الإدارة الانتقالية السورية بالتعويضات والاعتراف بالأخطاء التي ارتكبتها القوات العسكرية الروسية أثناء وجودها في سوريا، ويبدو أن موسكو ليست مستعدة للاعتراف بهذه الأخطاء، إذ إن الاتفاق الوحيد الذي جرى التوصل إليه هو مواصلة المناقشات واللقاءات من أجل السعي لإبرام اتفاقيات حول الأمور ذات العلاقة بين الدولتين.

التسارع الروسي في الحرص على لقاء القيادة السورية الجديدة واستمرار قنوات الاتصال بينهما جاء بالتزامن مع إعادة الإدارة الانتقالية للعلاقات مع أوكرانيا، والاتفاق على شراكة استراتيجية بين دمشق وكييف، بعد الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيغا إلى العاصمة السورية دمشق في 30 كانون الأول 2024.

وأعلن خلالها عن مبادرة الرئيس الأوكراني زيلينسكي لتقديم 500 طن من دقيق القمح هدية للشعب السوري، في إطار مبادرة “الحبوب من أوكرانيا” الإنسانية بالتعاون مع برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة.

وتبقى الرؤية السياسية والأهداف الميدانية والمصالح العليا هي ما تبحث عنه الإدارة الانتقالية السورية، عبر المعادلة السياسية التي تنتهجها، والتي تراعي فيها مصلحة الشعب السوري أولًا، مع الالتزام بمبدأ الإعمار والبناء والإصلاح، والبحث عن جميع السبل والوسائل للتغلب على الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي عانى منها السوريون طيلة ستة عقود من حكم عائلة الأسد في الشام.

وحدة الدراسات الدولية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة