معمر فيصل خولي
وللمرة الثالثة على التوالي، جدد دونالد ترامب طلبه في التهجير القسري لأبناء غزة إلى مصر والأردن ليس كما يصرح من أجل اعادة اعمار غزة وجعلها بيئة قابلة للعيش الكريم، فالدافع الحقيقي وراء هذا التهجير ربما يأتي في سياق مشاريع التنافس الاقتصادي على الشرق الأوسط بين الولايات المتحدة الأمريكية والذي يمثله ” الممر الهندي” الذي يقابله مشروع طريق الحرير الصيني.
من المعروف أن دونالد ترامب ينتمي إلى طيف سياسي أمريكي داعم بشكل مطلق لمخططات إسرائيل في فلسطين. لذلك فتصريحاته المستفزة للحقوق الفلسطينية لا تأتي من فراغ أو ” زلة لسان” وإنما تكون تصريحات مدروسة بعناية، هدفها التهجير العرقي لفلسطيني غزة.
والدليل على ذلك في اختياره لأعضاء إدارته وخاصة فيما يتعلق بالشرق الأوسط، أعضاء مؤيدين بشكل مطلق لمخططات إسرائيل في فلسطين التاريخية، وهؤلاء هم : مارك روبيو وزير الخارجية، بيت هيجسيث وزير الدفاع، مايكل والتز مستشار الأمن القومي، إليز ستيفانيك، السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة، مايك هوكابي سفير الولايات المتحدة الأمريكية في إسرائيل، سبيستيان غوركا، نائب مساعد الرئيس والمسؤول عن مكافحة الإرهاب.
ومن خارج الإدارة الأمريكية الحالية تأتي مريم أديلسون أرملة الملياردير شيلدون أديسلون، التي ورثت عن زوجها النهج السياسي في الدعم المطلق لإسرائيل، ففي عام 2016م قدمت مريم أديلسون لترامب في أثناء حملته الانتخابية الرئاسية الأولى مبلغًا من المال يتراوح ما بين 20 إلى 40 مليون دولار مقابل نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، واعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، وقد فعل ذلك في كانون الأول/ ديسمبر عام 2017م. ولم تكتف مريم أديلسون بذلك، ففي حملته الانتخابية الرئاسية الثانية، أعلنت أديلسون في آيار/ مايو العام الفائت، أنها ستقدم أكثر من 100 مليون دولار لحملة ترامب إذا وعد بضم الضفة الغربية لإسرائيل ففي هذا السياق ماذا يعني تهجير فلسطيني غزة إلى مصر والأردن؟ وماذا يعني أيضًا الاعتراف الأمريكي بالمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية كمقدمة لضمها لها؟
هذا يعني أن دونالد ترامب يسعى أن يحول الأفكار السياسية التي يؤمن بها إلى قرارات سياسية بالغة الأهمية في السياسية الخارجية الأمريكية فيما يتعلق بالاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، فالتهجير يعني نهاية مشروع أو حلم حل الدولتين، وضم الضفة الغربية يعني محو الهوية الفلسطينية، وإنشاء هوية جديدة بعيدة عن أرض فلسطين التاريخية، وهذا أمر صعب قبوله وإن لم يكن مستحيلًا.
وهذا يعني أن أيضًا أن مشروع السلام الذي رعته الولايات المتحدة الأمريكية بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل منذ مؤتمر مدريد في تشرين الأول/ أكتوبر عام 1991م، وحتى يومنا هذا، لم يكن في يوم من الأيام سوى لتصفية القضية الفلسطينية من قبل الراعي غير النزيه والمنحاز تمامًا للرؤية الإسرائيلية.
ولكن السؤال الذي يطرح في هذا السياق: هل ستقف الأمم المتحدة بكل أجهزتها الرئيسة موقف المتفرج من هذه التصفية؟ أم ستكون لها كلمتها في انصاف الشعب الفلسطيني الذي يرزح منذ عقود تحت الاحتلال الاسرائيلي؟ وهذا ما أكدت عليه قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بفلسطين.
إزاء ما يخطط له أمريكيا وإسرائيليا لما تبقى من فلسطين التاريخية في غزة والضفة الغربية فإنه يقع على عاتق الجماعة الدولية من دول كبرى ومنظمات إقليمية وتكتلات اقتصادية وسياسية كالاتحاد الأوروبي والبريكس مسؤولية تاريخية، للوقوف ضد أي مخطط تهجير في غزة وضم في الضفة الغربية، وأن يكون هناك موقفًا موحدًا يمثل رفض دولي لما يحاك لهما، هذا الرفض مبني على أنهما أراض فلسطينية احتلتها إسرائيل في حرب حزيران/ يونيو عام 1967م فلا تصريحات ترامب بشأن غزة ولا خطط اسرائيل بشأنها، وشأن الضفة الغربية بوسعها إلغاء هذه الحقيقة. فغزة عربية فلسطينية إلى الأبد.
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة