اياد العناز
وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الرابع من شباط 2025 على مذكرة رئاسية تعيد فرض سياسة صارمة على إيران بهدف منعها من امتلاك سلاح نووي والحد من صادراتها النفطية، في توجه وسلوك ميداني لتنفيذ سياسة ( الضغط الأقصى).
جاء توقيع المذكرة قبل اجتماع ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والذي قال عنها ( أن إيران لا يمكن أن تمتلك سلاحًا نوويًا وأن الولايات المتحدة الأمريكية لها الحق في منع بيع النفط الإيراني إلى دول أخرى)،متهمًا الرئيس السابق جو بايدن بعدم تطبيقه العقوبات الاقتصادية بشكلها الحازم، مما مكن إيران بالحصول على الموارد المالية التي عملت فيها على تطوير أسلحتها النووية ودعم مليشياتها وادواتها المسلحة في الشرق الأوسط.
ومنحت المذكرة الإدارة الأمريكية وزارة الخزانة بفرض أقصى العقوبات على إيران بخفض صادراتها إلى مرحلة الصفر، ووضع آليات تنفيذية تستهدف جميع الجهات التي تنتهك شروط وأدوات العقوبات بكل انواعها، ويسمح قانون وقف استقبال النفط الإيراني، الذي لم تطبقه إدارة الرئيس بايدن، اتخاذ تدابير فاعلة على الموانئ والمصافي الأجنبية التي تعالج النفط المصدر من إيران كونها تشكل انتهاكًا للعقوبات الاقتصادية.
وأشار الرئيس ترامب إلى أنه يفضل توقيع اتفاق نووي جديد مع إيران والتحقق من مدى جديتها في عدم التوسع بإنتاج الأسلحة النووية، وهذا ما يمكن أن نراه على الواقع الميداني اذا ما أجريت لقاءًا مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان.
أثارت سياسة الضغط الأقصى اهتمامًا بالغًا في الأوساط السياسية الإيرانية فمنها من ذهب إلى عدم اجراء اي حوار أو تفاوض مع الإدارة الأميركية لعدم مصداقيتها وانسحابها السابق من اتفاقية العمل الشاملة المشتركة في آيار 2018 والتصعيد الاعلامي وإثارة الرأي العام حول المواقف الأمريكية والتي تحاول إيران استثمارها في تهدئة الأوضاع الداخلية.
وهناك الرأي الذي تبنته الهيكلية السياسية الإيرانية ومنها ما جاء في حديث محمد جواد ظريف بضرورة التفاوض مع الرئيس ترامب والتبرؤ من عمليات طوفان الأقصى بقوله ( طهران وواشنطن كانتا على وشك التفاوض المباشر، ولكن أوقفت عملية حماس كل المسار) ودعوة وزير الخارجية ( عباس عراقجي) إلى ضرورة تجنب الولايات المتحدة الأمريكية لسياسة الضغط القصوى والالتزام بتوجيه المرشد الأعلى علي خامنئي بالسماح بالمفاوضات وليس حظرها ولكن الانتباه منها، وهي النصيحة التي قدمها للرئيس بزشكيان في أي تفاوض وحوار قادم مع الإدارة الأميركية.
يسعى الرئيس ترامب من سياسته مع إيران إلى دفعها لتوقيع اتفاق جديد يتعلق ببرنامجها النووي مع تنازلات سياسية ترتبط بمشروعها في منطقة الشرق الأوسط وتوسعها في برامجها الخاصة بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، أو أن تشن الولايات المتحدة الأمريكية هجمات عسكرية تنهي بها النظام وتفقده قوته وإمكانياته في التصدي والمواجهة، وهو الأمر الذي قال عنه ترامب ( لا يجوز لإيران أن تمتلك سلاحًا نوويًا وان حدث ذلك فسيكون أمرًا مؤسفًا).
ويمكن أن تتجه الإدارة الأمريكية إلى حوار وتفاوض مع إيران لتحقيق منجز إقليمي يحسب للرئيس ترامب بتوقيع اتفاق نووي جديد، فإيران من أهدافها الاستراتيجية الحفاظ على نظامها ومنع حالة الانزلاق السياسي أو المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية واعتماد مبدأ الحكمة والصبر والتروي في أي مفاوضات أو لقاءات قادمة أن تحققت، مقابل رفع العقوبات عنها والتخفيف من معاناتها في حل أزمتها الاقتصادية والاجتماعية الداخلية ومواجهتها لأبناء الشعوب الإيرانية، فامتناع طهران عن القبول بالشروط الإيرانية والحوار حولها قد يعرضها إلى ضربة عسكرية إسرائيلية وبدعم أمريكي واضح.
وأمام إيران عدة خطوات سياسية فاعلة يمكن أن تتخذها في الحفاظ على نظامها السياسي ومنع أي حالة مع التصادم مع إدارة الرئيس ترامب، إذا ما اتخذت خطوات جادة نحو إنهاء العمليات والمواجهات التي تقوم بها جماعة الحوثيين في البحر الأحمر وخليج عدن والامتناع عن دعمها وإسنادها، ومنع أي تحركات جانبية لحزب الله في فتح أي جبهات قتالية أو تمدد داخل الجنوب اللبناني والتنفيذ المباشر لقرار مجلس الأمن الدولي 1701، وإيجاد خطوات جادة في العراق بالحد من العمليات والنشاطات للفصائل المسلحة المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني وجعل السلاح بيد الحكومة العراقية، والكف عن التدخل بالشؤون الداخلية للاقطار العربية وإيقاف مشروعها السياسي الإقليمي، هذه الخطوات قد تقنع الرئيس ترامب بالعودة للحلول السلمية الدبلوماسية وإيقاف أي إجراءات تجاه إيران.
ويعلم الرئيس ترامب إن سياسة سلفه بايدن قد حققت لإيران إيرادات مالية بلغت (53) مليار دولار في عام 2023 و(54) مليار دولار في عام 2024،نتيجة عدم التنفيذ الدقيق للعقوبات والسماح لها تصدير نفطها إلى الصين وبيعه لجهات أخرى، وفقًا لتقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية،وهو الأمر الذي أدى إلى زيادة دعمها للمليشيات المسلحة وتفعيل جهودها في تطوير برنامجها النووي وزيادة نسبة تخصيب اليورانيوم وتخزين وإنتاج الطرود المركزية، والذي تحدث عنه المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية ( رافائيل كروسي) لوكالة رويتر في شهر كانون الأول 2024 قائلًا ( أن إيران تسرع عمليات تخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء بنسبة 60٪ وهو ما يقترب من المستوى اللازم لصنع الأسلحة والبالغ 90٪ تقريبًا).
ان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيكون أكثر تشددًا في علاقته مع إيران بالعمل على تقليص نفوذها وتقييد دعمها للحوثيين، وسيكون دعمه لحلفائة في المنطقة أكثر حضورًا وسيفرض على طهران صفقة جديدة بشروط فاعلة بهدف تحقيق تسويات سياسية والتوصل إلى اتفاقيات تخدم المصالح الأمريكية.
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة