الرياض… عاصمة العرب والتوافق الدولي

الرياض… عاصمة العرب والتوافق الدولي

نجحت المملكة العربية السعودية في عقد اجتماع مشترك بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية يوم الثامن عشر من شباط 2025 بحضور سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي، ونظيره الأمريكي وماركو روبيو، في مبادرة سياسية عربية مهمة في وقت يمر به العالم بأزمات سياسية واقتصادية وتحولات في المواقف الأمريكية بعد اعتلاء الرئيس دونالد ترامب كرسي الرئاسة الأمريكية لولاية ثانية، ودعوته لإنهاء النزاعات والصراعات العسكرية التي تجتاح العالم ومنها الحرب الروسية الأوكرانية.
جاء الاجتماع الثنائي في عاصمة القرار العربي الرسمي (الرياض) ليعطي دلالة واضحة على الدور الريادي الذي تضطلع به القيادة السعودية في ترسيخ الموقف العربي وإعطاء رمزية كبيرة لمشروع عربي تقوده في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، ولتكون أداة فاعلة في تحديد المفاعيل الدولية التي تساهم وتعزز الموقف العربي من القضية الفلسطينية، ومستقبل الصراع العربي الإسرائيلي، وتمنح الآفاق المستقبلية لدور دولي يكون للأمة العربية دور رئيسي فيه عند أي متغيرات ميدانية وحوارات ومفاوضات دولية وإقليمية.
وتأتي المباحثات في إطار الدور السياسي الذي تعمل عليه المملكة العربية السعودية في تعزيز الأمن والسلام وترسيخ مبدأ الحوار كحالة أساسية في حل جميع الأزمات التي تحيط بالعالم وتقريب وجهات النظر وإرساء مبادئ التعاون والاتفاق وصولاً لعلاقات سياسية قائمة على تحقيق المصالح العليا لشعوب العالم، وبما يؤسس لمرحلة مهمة من إنهاء الخلافات، وبناء عالم خالٍ من النزاعات الثنائية، والاتجاه نحو العمل بوتائر متصاعدة في تحقيق التنمية المستدامة والارتقاء بالاقتصاد العالمي.
حققت روسيا هدفا رئيسيًا من الاجتماع الثنائي مع الولايات المتحدة الأمريكية، تمثل في عودة التمثيل الدبلوماسي بين موسكو وواشنطن إلى مستويات أعلى بعد أن أصيبت العلاقة بين البلدين بعديد من المنزلقات، وطرد متبادل لدبلوماسيين سياسيين، ثم عودة روسيا إلى المحيط الدولي وفك العزلة السياسية عنها والتي أعطت ثمارها في توجه إيجابي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإطلاق سراح المعلم الأمريكي “مارك فوغل” والذي كان له أثره الطيب لدى الرئيس ترامب وبداية لطريق عودة العلاقات بين الدولتين.
ونتائج اللقاء تساهم في تعزيز البنية الاقتصادية العالمية بتأهيل روسيا للعودة لدورها الريادي في تعزيز النمو والتنمية العالمية وفق معايير وأهداف تخدم الجميع.
وقبل بدء المحادثات في الرياض وصف رئيس صندوق الثروة السيادي الروسي “كيريل دميترييف” ترامب بأنه حلال المشاكل، ومن المهم للغاية أن نفهم أن الشركات الأميركية خسرت نحو 300 مليار دولار بسبب مغادرتها روسيا.
من جانبه.. أشاد وزير الخارجية الأمريكي بالدور الكبير للقيادة السعودية بقوله (إن السعودية تؤدي دورًا لا غنى عنه في جمع الأطراف معًا لإجراء هذه المحادثات، ونقدر بشدة شراكتنا معها ونثق بأنها ستواصل دعم الجهود بكل السبل الممكنة).
أثبتت الوقائع السياسية أن الدور الاستراتيجي للرياض أصبح في حالة من التصاعد والاهتمام الدولي وتأثيره على المشهد السياسي والاقتصادي العالمي وله القدرة على المساهمة في تفكيك جميع الحلقات التي أصابت الصراعات الدولية والإقليمية، وطبيعة السياسة السعودية التي تقوم على حماية المصالح العليا وعدم التدخل بالشؤون الداخلية لبلدان العالم ومبدأ الحفاظ على الحياد الإيجابي، الأمر الذي أدى بالنتيجة إلى ترسيخ علاقتها مع دول العالم ومنها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية، إضافة إلى العلاقة الشخصية الوثيقة بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين.
إن بناء الشخصية السياسية العربية وإعادة التأثير الفعلي للنظام العربي وتعزيز المشروع العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية، سيعطي ثماره ونتائجه الإيجابية بتدعيم الموقف السليم للقيادة السعودية التي كانت من أولى الدول العربية التي رفضت المشروع الأمريكي الذي تقدم به الرئيس ترامب بشأن تهجير أهل غزة، وأكدت على ثباتها من قيام الدولة الفلسطينية وعبرت عنه بأنه (راسخ وثابت ولا يتزعزع، وليس محل تفاوض أو مزايدات وأن هذا الموقف واضح وصريح لا يحتمل التأويل وأن دورها لن تتوقف عن العمل الدؤوب في سبيل قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وأن المملكة لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل دون ذلك).