تتجه أسعار النفط إلى الارتفاع في التعاملات باستمرار منذ بضعة أيام، عقب خسائر حادة، إلا أن ضعف العوامل الأساسية للسوق مع استمرار مستويات الإنتاج أعلى من الطلب العالمي تقيّد مكاسب الارتفاع وفوائده، في حين تلوّح الأزمة الأخيرة بين السعودية وإيران بانتعاش أكبر للأسعار.
وغداة قرار الرياض قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، رداً على إحراق متظاهرين السفارة والقنصلية السعوديتين في إيران عقب إعدام المملكة رجل الدين السعودي الشيعي نمر النمر، قفزت عقود النفط إلى نحو 4% أثناء تعاملات الاثنين، مسجلة أعلى مستوياتها في ثلاثة أسابيع.
ومع تأزم العلاقات بين البلدين، تخلت أسعار الخام عن مكاسبها وأغلقت على انخفاض، بعد بيانات ضعيفة للتصنيع في آسيا والولايات المتحدة أثارت توقعات قاتمة للطلب.
– تفاقم المشكلة
بنك إيه إن زد، ذكر أن التوترات بين السعودية وإيران ستفاقم بشكل أكبر مشكلة وفرة المعروض في 2016، مؤكداً أنها ستقلل احتمالات أي تعاون بين المنتجين الرئيسيين فيما يتعلق بإنتاج النفط مع عودة إيران إلى السوق العالمية حال رفع العقوبات عنها.
ووفقاً لاستطلاع أجرته “رويترز”، فإن من المرجح أن يبلغ متوسط أسعار برنت والخام الأمريكي نحو 50 دولاراً للبرميل العام الجاري، مع عدم قدرة نمو محدود للطلب على استيعاب الزيادة في المعروض، في حين يجري تداول النفط حالياً عند أسعار تقل بمقدار الثلثين عن أعلى مستوياتها المرتفعة التي سجلتها في منتصف 2014.
ورغم اتجاه الأسعار نحو الارتفاع، يتوقع أن تظل أسعار الخام متدنية بسبب وفرة العرض، وهو العامل الذي أدى إلى هبوط أسعار النفط من 100 دولار في يونيو/ حزيران 2014 إلى ما دون الأربعين دولاراً خلال الأسابيع الماضية، حيث يرى المحلل لدى “آي جي ماركتس” في سنغافورة، برنارد آو، أن الأسواق الآسيوية تتفاعل مع المخاوف من أن تؤدي التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط إلى تهديد إمدادات النفط.
ويرى مراقبون أن الانخفاض الحاد في أسعار النفط قد يؤثر سلباً على سياسة إيران، وتراجع نفوذها في المنطقة، حيث أن استعمال سلاح النفط والاستمرار في العقوبات الاقتصادية ضد طهران سيضعف موقفها في الملفات الداخلية مثل التنمية والإصلاح؛ أو قد يرغمها على بعض التنازلات حول الملفات الإقليمية.
– العقوبات الغربية
وخلال السنوات العشر الماضية، وظفت طهران ورقة النفط للخروج من حلبة العقوبات الاقتصادية الغربية؛ وذلك لأن أسعار النفط لم تخرج عن متوسط سعر 100 دولار للبرميل، إلا أن التراجع المفاجئ للخام أحدث صدمة للعالم، خصوصاً إيران وروسيا، بعد أن هوى سعر برميل النفط دون الـ40 دولاراً، وربما ينبئ ذلك بأزمة اقتصادية سياسية عالمية تلوح معالمها في الأفق.
ورغم الوعود الذي أطلقها الرئيس الإيراني، حسن روحاني، في حملته للانتخابات الرئاسية، التي تبلورت حول مجموعة من الشعارات الاقتصادية والوعود الانتخابية، إلا أن الأمور لم تتغير بالنسبة للاقتصاد الإيراني، لا سيما بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على توقيع الاتفاق النووي مع الدول العظمى، الذي رافقته حملة إعلامية قادتها الحكومة لإقناع مواطنيها بأن سنين الحرمان والحصار قد ولت بلا عودة.
– نمو سلبي
وتعتمد طهران اعتماداً كبيراً على الصادرات النفطية، في حين أدت العقوبات الاقتصادية الغربية والأمريكية المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي إلى انخفاض الواردات النفطية الأوروبية من إيران من 52.4 مليون طن في عام 1995 إلى 6.5 ملايين طن في عام 2012.
وفي الوقت نفسه، تعاني إيران من التضخم بنسبة 39% والبطالة 17% والفقر 20% من السكان، ومن معدلات نمو سلبية -1.7% وفق إحصائيات عام 2013، واختلالات اقتصادية أخرى كثيرة، لذلك يرى مراقبون أن هبوط أسعار النفط سيقود إلى تفاقم الأزمة ومن ثم إلى تقهقر دورها في المنطقة العربية عامة وسوريا خاصة، وحتى يكون هذا الهبوط مؤثراً يتعين أن تنخفض الأسعار إلى دون الحد الأدنى الذي ارتكزت عليه تقديرات ميزانيتها وهو 100 دولار تقريباً، وهذا ما حدث فعلاً.
– السعودية وحرب الأسعار
صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، ذكرت في وقت سابق أن السعودية تقف وراء انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية، في حين يشير مراقبون إلى احتمالية وجود دور للسعودية في انخفاض أسعار النفط، للضغط على شركات النفط الصخري لوقف طاقتها وقدرتها الإنتاجية ممّا يضطر هذه الشركات إلى الخروج من السوق النفطية، ورغم المجازفة والمخاطر، فقد اتخذت المملكة موقفاً محسوباً بدقة، بدعمها انخفاض أسعار النفط إلى نحو 80 دولاراً للبرميل؛ لأن دعمها (الرياض) لانخفاض أسعار النفط، يُسبب مشاكل لغريمتيها روسيا وإيران، وفقاً لـ”فايننشال تايمز”.
ياسين السليمان
موقع خليج أونلاين