يتعرّض الجيش التركي لانتقادات عنيفة من أتاتوركيين كانوا يعتبرونه حاميَ العلمانية في البلاد والضامن الوحيد لإرث مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك.
وعلى رغم أن الأتاتوركيين انتقدوا سابقاً قادة في الجيش، معتبرين أنهم تخلّوا عن جنرالات وضباط اتُهمِوا «ظلماً» بالتخطيط لإطاحة حكومة حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، لكن الأمر أكثر خطورة الآن، إذ يتهمون الجيش بمحاباة الحكومة وأنصارها الإسلاميين في شكل يهدد الطابع العلماني للجيش وتركيا في آنٍ.
وأُثير هذا النقاش بعد برقية تعزية وجّهتها الوحدة الإعلامية في الجيش لعائلة الكاتب الإسلامي حسن قره قايا، رئيس تحرير صحيفة «العقد الجديد» الإسلامية المتشددة، والذي توفي في المدينة المنورة أثناء تغطيته زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للسعودية الأسبوع الماضي، ما اضطُر أردوغان لاختصار الزيارة والعودة ليشارك في مراسم دفن مَن اعتبره «صديقاً عزيزاً».
وعلى رغم أن الجيش كان بدأ خلال عهد قائده الجديد الجنرال خلوصي أكار، التعزية بكتّاب وصحافيين معارضين لسياساته، بينهم اليساري شتين ألطان، إلا أن زوبعة الانتقادات أثارتها عبارة وردت في برقية التعزية لعائلة قره قايا، الذي خصص مسيرته الصحافية للهجوم على الجيش وانتقاد سياساته العلمانية.
وأوردت صحيفة «العقد الجديد» أن البرقية أشارت إلى أن «قره قايا كان معروفاً بمواقفه الثابتة والقوية، في مواجهة الظلم والاستبداد». ودفع ذلك عشرات من الكتّاب والصحف الأتاتوركية إلى اتهام الجيش بـ «التخلي عن إرثه وسياساته، إلى درجة وصفها بالظلم والاستبداد».
وكانت الوصاية العسكرية التي فرضها الجيش على تركيا خلال ثمانينات القرن العشرين وتسعيناته، أدت إلى إغلاق صحيفة «العقد» التي كان قره قايا يرأس تحريرها، بحجة «محاربتها النظام العلماني وإساءتها إلى الجيش»، ما دفع القائمين عليها إلى تأسيس صحيفة «العقد الجديد».
أقارب لضباط في الجيش وأقارب لجنرالات توفوا أثناء محاكمتهم أخيراً لاتهامهم بالتخطيط لانقلاب، ثم بُرِّئوا بعد وفاتهم، وجّهوا رسائل تنتقد الجيش، وبعضهم اتصل غاضباً بالوحدة الإعلامية للمؤسسة العسكرية، مستفسراً ومنتقداً.
لكن صحيفة «العقد الجديد» نشرت توضيحاً بعد الضجة المُثارة، يفيد بأنها أضافت عبارة تصف قره قايا بأنه رجل «مواقفه ثابتة وقوية في مواجهة الظلم والاستبداد». ودفع ذلك الأتاتوركيين إلى مطالبة الجيش بنشر برقية التعزية الأصلية، مشككين بتلك التي نشرتها الصحيفة.
وكانت أقلام أتاتوركية شنّت حملة على الجيش، منذ إلغائه الاحتفالات برأس السنة، متذرعاً بمقتل عشرات من الجنود في المعارك مع «حزب العمال الكردستاني». واعتبر الأتاتوركيون أن الجيش يريد أن يحابي الحكومة والتيارات الإسلامية، التي شددت على أن تلك الاحتفالات «بدعة غربية».
في المقابل، أبدت أوساط ارتياحاً إلى مشروع قانون كشفه رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، يعدّل فترة الغداء أيام الجمعة لجميع موظفي المؤسسات الحكومية والخاصة، في شكل يتيح لمَن يرغب أداءَ صلاة الجمعة في وقتها، تليها استراحة غداء. لكن أوساطاً يسارية اعتبرت أن مشروع القانون يمهد لتطبيق الشريعة في تركيا.
يوسف الشريف
صحيفة الحياة اللندنية