يشكل انخراط المرأة في التنظيمات الإرهابية والمتطرفة خطرا يتجاوز مجرد القيام بالعمليات الانتحارية والاستخباراتية، من جمع المعلومات والمراقبة والاتصال وتجنيد إرهابيين جدد، إلى تربية وتنشئة أجيال من الإرهابيين والمتطرفين، وقد لعبت النساء دورا بارزا في مجمل تاريخ التنظيمات والجماعات المتطرفة والإرهابية قديمها وجديدها، وقد تطور هذا الدور وازدادت خطورته خلال السنوات الأخيرة. دوافع وأسباب هذا الانخراط النسائي واتساعه وخطورته كانت محور مشاركة الباحثة التونسية د.بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية والأمنية والعسكرية وأستاذة علم الاجتماع، التي شاركت بها في مؤتمر “صناعة التطرف قراءة في تدابير المواجهة” الذي عقد مؤخرا بمكتبة الإسكندرية.
أكدت قعلول أن ظاهرة النساء الجهاديات بدأت من أفريقيا وتكثفت في الشرق الأوسط، وأن استقطاب النساء أصبح استراتيجية لبناء مستقبلي للمجتمع الإرهابي وكذلك لتنفيذ العمليات الإرهابية، وقالت إن “التكوين النفسي والعقلي والاجتماعي بالتحديد للمرأة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، يجعلها تتأثر عاطفيا ووجدانيا بالظروف التي تحيط بها، وتضعها أيضا في جو حماسي واندفاعي تغيب فيه أحيانا القدرة على ضبط النفس والتصرف بوعي للتمييز بين القناعات المبنية على الفهم والتدقيق وبين محاولات الاستغلال الكثيرة التي تتعرض لها المرأة.
بالإضافة إلى طبيعة التربية التي تتلقاها المرأة بتوجيه ومرجعية ذكورية متسلطة، وطبيعة البيئة التي تعيش في محيطها والنظرة الدونية للمرأة التي ساهمت في خلق إحساس خاص تجاه المشاركة في مثل هذه العمليات بكافة أشكالها، حيث اعتبرتها الصورة التي تعيد إليها ثقتها وتجعلها تحس بأنها تستطيع التأثير على الأحداث من حولها وتحولها من مرأة قابعة في بيت تتلقى الأوامر إلى عنصر لاعب ومؤثر”.
الدمغجة الدينية والاستغلال
ورأت أن فكر التيارات المتطرفة استغل هذه النظرة للمرأة، وسهل عليهم مهمتهم في استدراجها، وجعلها أداة من أدواتهم، وقالت “قد تكون طبيعة مجتمعاتنا التي تعتبر المرأة عنصرا بعيدا عن الشبهات وغير فعال في الأدوار العامة وخاصة الدور الذي يتطلب منها المجازفة وركوب المخاطر شجعت الجماعات الإرهابية على استقطاب النساء للمشاركة في تنفيذ عمليات انتحارية أو عمليات استخباراتية، أو ترصد أهداف للقيام بعمليات إرهابية، وفي مهام أخرى تقدم فيها لعناصر المجموعة خدمات جنسية اتخذت تسميات مختلفة. وفي الكثير من الأحيان تم استخدامها للترويج للفكر الإرهابي في محيطها، وبين أقاربها وأهلها وزميلاتها في العمل. وإذا كانت إمرأة ناشطة على الإنترنت فيتم توجيهها لتبث فكر الجماعة على مواقع التواصل الاجتماعي وتستخدم خبرتها واطلاعها في الدعاية لأفكار منظميها”.
وأضافت أن المرأة المنتمية إلى هذه الجماعات ساهمت في تقديم خدمة كبرى، هي جمع الأموال واستغلال سذاجة بعض النساء وحبهن لأعمال الخير، خاصة إذا كانت الأموال ستقدم إلى يتيم أو أرملة أو صاحب ضائقة مالية، أما الفكرة التي يتم من خلالها استدراج المرأة في الأعمال المتطرفة غير الثواب والأجر، فهي التكفير عن الذنوب وجعل هذه المساهمات التي تقدمها للحركات الإرهابية هي الطريق إلى محو الذنوب والفوز بالآخرة، وهذا ما يعبر عنه بالدمغجة الدينية، ذلك أن أغلب المجندات في الجماعات الإرهابية نشأن في بيئة سلفية وتم توظيفهن تحت التهديد وغسيل الدماغ، والكثيرات منهن زوجات لعناصر في التنظيم بتشجيع من الأب أو الأخ المتعــاطف مع الفكر التكفيري.
وحول دوافع انضمام المرأة للتنظيمات الإرهابية قالت قعلول “أولا أغلب المنخرطات لديهن رغبة في الهروب من واقعهن والبحث عن الذات، ثانيا ضعف الشخصية والميل إلى ممارسة السلطة، وملامح الشخصية المضطربة نفسانيا واجتماعيا، ثالثا وجود نزعة العنف والتعذيب والانتقام، رابعا ضعف التحصيل العلمي، خامسا صغر السن وسهولة التأثير وخاصة عند المراهقات، سادسا أغلب المنخرطات تأثرن عبر الإنترنت، وسابعا العنوسة”.
وأشارت إلى أن استراتيجية التنظيمات الإرهابية مع عنصر المرأة تغيرت منذ أن أعلن أيمن الظواهري أنه لا مكان للمرأة داخل التنظيم وخاصة ميدانيا، لأن لها مهام في الصفوف الخلفية ومهام تقليدية لا غير، أما مع تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” فأصبح الحديث علنا عن دور المرأة المجاهدة وأدوارها داخل التنظيم، حيث وعى التنظيم بأن الوصول إلى المرأة ووسائل تجنيدها أقل تكلفة من تجنيد الرجل، والمرأة أكثر فداحة من حيث النتائج.
الخطورة الحقيقية تكمن في قدرة الجماعات الإرهابية على تجنيد مناصرات من النساء لها أو منفذات لأجندتها، فتجنيد المرأة إرهابيا يعني تزايد نسبة تجنيد نصف المجتمع أضعاف ما يحققه تجنيد الرجل لجماعة إرهابية، في ظل خصوصية المرأة وسهولة تحركها وتخفيها بسبب ثقافة وعادات مجتمعاتنا، والتي تجد فيها المرأة من الإمكانات والخيارات للوصول بها إلى الأهداف أكثر من الرجل”.
أدوار المرأة داخل التنظيم
وحددت بدرة قعلول أدوار المرأة داخل التنظيمات الإرهابية، في الأمومة، وهي وظيفة نفسية لتعزيز الروح والأفكار المتطرفة من خلال زرعها في الجيل الصاعد لخلق جيل جديد من الإرهابيين. والتجنيد يعتمد بشكل أكبر على الرجال، حيث أن القيادة وصناعة القرار مازالتا في أيدي الرجال داخل التنظيمات الإرهابية، ولكن هذا لا يغفل الدور الذي تلعبه النساء في التجنيد أو التسهيل لعملية التجنيد لغيرهن من النساء، وحتى للرجال والشباب.
أما الأدوار التي تلعبها المرأة داخل التنظيم نفسه، فهي أولا حفظ الأمن أو الشرطة النسائية: فعندما يغادر الرجال ـ للغزوات ـ فإن هناك من النساء من يتولين حفظ الأمن والسهر على النظام في الأحياء، ومنهن الشرطة النسائية والتي تتولى كل قضايا المرأة وتجاوزاتهن تتكفل بها المرأة. ثانيا التمريض والطب: على أثر التجربة الأفغانية وتجهيل المرأة، فالمرأة لا يكشف عليها إلا الرجل لهذا أعطيت للمرأة كذلك هذا الدور. ثالثا التعليم والذي تتولى فيه تقديم التعليم الشرعي للمرأة والمرأة تدرس المرأة وذلك لمنع الاختلاط وكذلك لإعطاء صورة جديدة للتنظيم وبأنه لا يجهل المرأة بل يسعى لتعليمها حسب التشاريع الدينية.
ولفتت قعلول إلى أن قضية استخدام المرأة في الأعمال العسكرية موضع جدل بين الجهاديين بين فتاوى وفتاوى مضادة تقنن دخول النساء إلى التنظيمات المسماة الجهادية أو تحريمها، وأنه على الرغم من اعتراف تنظيم القاعدة في عام 2005 باستخدام النساء كانتحاريات وذلك من قبل أبومصعب الزرقاوي زعيم التنظيم في العراق، وأن هناك دورا كبيرا وتوسعيا للمرأة المنتمية للقاعدة، فإن استخدامها للسلاح كان متحفظا عليه بشكل كبير. لكن نساء القاعدة يلعبن دورا بارزا في التنظيم بل يعتبر هذا الدور سمة أساسية للقاعدة، وقد سلط يوسف آل أيري أول أمير للقاعدة في جزيرة العرب الضوء على أهمية دور المرأة في التنظيم وكتب رسالة مفتوحة بعنوان “دور المرأة في الجهاد ضد العدو”، وقال فيها إن المرأة إذا كانت مقتنعة بشيء فلا بد أن تقتنع بأنها أكبر مصدر للقوة للرجل “الجهادي”.
وتوقفت قعلول عند عدد من نساء القاعدة مثل ندى القحطاني ووفاء آل الشهري وأروى البغدادي وهايلة القصير، ووصفت الأخيرة بأنها سيدة نساء القاعدة حيث كانت شخصية رئيسية للتنظيم من حيث تأمين التمويل وتأمين المجندين الجدد بما فيهم الأعضاء الذين سيذهبون في وقت لاحق لتنفيذ هجمات انتحارية.
سوريا نقطة تحول
ورأت قعلول أن سوريا نقطة تحول نوعي في دور المرأة بشكل لافت، بل إنها دفعت تنظيمات مثل القاعدة للتخلي عن أفكارها في تحريم وجود المرأة كمقاتل، ودفع الصراع داخل سوريا جبهة النصرة المنتمية للقاعدة إلى تكوين كتائب نسائية عسكرية خاصة.
وقالت “منذ اندلاع الحرب في سوريا وبروز التنظيم الإرهابي الداعشي، يأتي الدور العسكري لنساء القاعدة مخالفا لفتاوى رجال التنظيم مثل يوسف العييري الذي أصدر بيانا قال فيه “نحن لا نريد منك أن تدخلي أرض المعركة لما فيه من تبذل وفتنة” إلا أن مجموعة من النسوة خرجن ببيان تحت اسم “رفيقات الجنان” لمساندة موقف الإرهابية “ندى القحطاني” التي قررت السفر للقتال في سوريا وقلن “إن نفير المرأة المسلمة إلى الشام إنما هو شأن خاص ولها الحرية في الإقبال على ذلك طالما كان دون معصية”. ويعتبر هذا خطوة كبيرة وتغييرا جذريا في التنظيم الإرهابي الأكبر على الساحة الدولية “داعش”.
وعددت قعلول ممارسات الكتائب النسائية الداعشية الوحشية والقوانين التي تفرضها داعش، وتوقفت عند أبرز هذه الكتائب مثل كتيبة الخنساء التي تقودها إمرأة تونسية تدعى أم ريان، وتأسست عام 2014 وتتكون عناصرها من الجنسيات التونسية والأوروبية والشيشانية وغيرها، وبدأت كمجموعة احتسابية مهمتها الانتشار في شوارع وأسواق مدينة الرقة وتدخل البيوت للاحتساب على النساء، ثم تطورت إلى إقامة الحدود والعقاب كالجلد والسجن وكذلك التعذيب، ثم أصبحت جزءا من الكتائب المشاركة في القتال والعمليات العسكرية وتدريب المجموعات النسائية على حمل السلاح، وذلك بالإضافة إلى عملها الأساسي، كما للكتيبة مشاركات فاعلة ضمن منصات الإنترنت.
محمد الحمامصي
صحيفة العرب اللندنية