فرضت قضية إعدام المعارض الشيعي السعودي نمر النمر نفسها على الأحداث في العراق هذا الاسبوع وذلك من خلال ردود الأفعال المتشنجة والعنيفة من قبل القوى الشيعية مقابل اعتبار القوى السنية القضية شأنا داخليا للسعودية لا يجوز التدخل فيه وفق الدستور العراقي. وأثارت بعض ردود الأفعال مخاوف من اتخاذ قضية إعدام النمر مبررا لتصعيد الشحن الطائفي وما ترتب عليه من هجمات للفصائل المسلحة على العديد من المساجد في مدن عدة، ما دعا رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى توجيه الأجهزة الأمنية لملاحقة العناصر التي تثير الشغب والفتن مستغلة حادثة النمر.
وعكست التظاهرات التي نظمتها القوى والأحزاب والميليشيات الشيعية في مدن عدة ومطالبها بغلق السفارة السعودية التي أعيد فتحها مؤخرا بعد قطيعة 25 عاما، إضافة إلى المطالبات باعدام المعتقلين السعوديين في السجون العراقية، حقيقة معروفة للشارع العراقي وهي ان مواقف تلك القوى هي انعكاس للموقف الإيراني في استغلال أي مناسبة للهجوم على السعودية، باعتبارها الخصم العقائدي اللدود لنظام الملالي في إيران.
ووفرت هذه المناسبة فرصة لتعزيز نفوذ إيران في العراق وغيره من خلال تحرك الأحزاب والميليشيات ورجال الدين نحو مزيد من التحشيد الطائفي، وإظهار إيران نفسها بمثابة الراعي لشيعة العالم والمدافع عنهم.
إلا أن الحكمة التي تدعيها حكومة إيران قد خانتها هذه المرة، عندما أطلقت العنان لعناصر الحرس الثوري لمهاجمة السفارة والملحقية السعودية في مدينتين وفي الوقت نفسه لتعيد إلى ذاكرة العالم حادثة اقتحام حرسها للسفارة الأمريكية في طهران عقب ثورة خميني على الشاه، ما أثار العالم ضدها وانتقدها من قبل مجلس الأمن وشجع العديد من الدول العربية على قطع العلاقة بإيران وخفض العلاقات الاقتصادية وغيرها.
ورغم ادعاء حكومة العبادي رفض الاعتداءات على السفارة السعودية في إيران مع إدانة إعدام النمر ومحاولة التماشي مع رد الفعل العربي الواسع في قطع العلاقات مع إيران من خلال الادعاء بالاستعداد للتوسط بين السعودية وإيران، فإن هذا المسعى لن يجدِي على ما يبدو لان جميع الحكومات العربية تعلم بطبيعة التحالف العقائدي بين حكومتي العراق وإيران وانحيازها إلى مواقفها في كل الأحداث، إلا ان الحكومة العراقية وجدت نفسها محرجة أمام الأصوات التي تطالبها باتخاذ موقف يعبر عن مصلحة العراق وليس التحالف الوطني الشيعي وخاصة بعد وقوف الجامعة العربية مع العراق في قضية التدخل التركي مؤخرا وبالتالي فهي ملزمة باتخاذ موقف مناسب مع مواقف الدول العربية. وجاءت زيارة ابراهيم الجعفري وزير الخارجية ورئيس التحالف الوطني الشيعي، إلى طهران لتنسيق المواقف قبل انعقاد اجتماع مجلس الجامعة العربية لمناقشة الرد على الاعتداءات على السفارة السعودية في إيران، وذلك من أجل محاولة تهدئة التوتر بين الطرفين الذي ستكون له ردود أفعال وتصعيد طائفي مؤثر على أوضاع العراق المشغول بالتحديات الأمنية والاقتصادية.
وأمنيا، شهدت هذه الأيام حملة هجمات يائسة وواسعة لتنظيم «الدولة» في عدة جبهات من الأنبار في أطراف الرمادي والثرثار وحديثة وتكريت وفي بعشيقة والخازر في الموصل وبأكثر من 50 سيارة مفخخة إضافة إلى الانتحاريين والقصف البعيد. ويبدو أن التنظيم يسعى لرفع معنويات مقاتليه واظهار أنه ما زال يملك المبادرة في شن الهجمات وخاصة بعد تمكن القوات العراقية من استعادة معظم مدينة الرمادي ومركزها. وقد لوحظ تزايد عمليات الانزالات الجوية المشتركة بين قوات عراقية والبيشمركه مع قوة خاصة أمريكية على مواقع تنظيم «الدولة» في كركوك والموصل، ما يعتبر اسلوبا جديدا بدأت القوات الأمريكية في اتباعه في مواجهة التنظيم لاضعاف معنوياته واعتقال بعض عناصره والحصول على المعلومات، كما أعلنت الولايات المتحدة موافقة الحكومة العراقية على تدريب المستشارين الأمريكيين لأكثر من 20 ألفا من أبناء الأنبار والموصل من أجل اعدادهم لمحاربة التنظيم في الأنبار والموصل.
واقتصاديا، أثارت تصريحات وزير المالية هوشيار زيباري قبل أيام هلع ومخاوف ملايين الموظفين والمتقاعدين، عندما أعلن عن احتمال عجز الحكومة عن توفير الرواتب لموظفيها حتى شهر نيسان/أبريل المقبل إذا استمر انخفاض أسعار النفط عالميا. وقد اعتبر سياسيون ونواب هذه التصريحات غير مناسبة وتثير مخاوف المواطنين بمستقبل مالي سيء وما يترتب على ذلك من آثار اقتصادية على السوق عموما.
وفي كل الأحوال، فإن تصريحات زيباري كشفت حقيقة الأزمة المالية التي تحاول الحكومة العراقية مواجهتها بأساليب لا يبدو أنها ستكون موفقة لكونها لا تعالج أساس المشكلة وتتفادى الاصطدام بحيتان الفساد، وبالتالي فهي أساليب تعكس الفشل والهدر في المال العام الذي يئن تحت وطأته العراق منذ سنوات.
مصطفى العبيدي
صحيفة القدس العربي