التفاؤل للمستقبل: كيف رأت النخبة مشهد عام 2015

التفاؤل للمستقبل: كيف رأت النخبة مشهد عام 2015

794

مع بدايات العام الجديد تبدو صورة العالم مختلطة بأجواء الشتاء وتغير المناخ، والسحب المتراكمة السوداء، والعواصف المدمرة، والغموض وعدم الوضوح الذي يغشي العالم وما يحدث فيه من اضطراب، وتضارب المصالح، وتشابك القضايا بحيث يصعب على المحلل – حتى الإستراتيجي – أن يسبر أغوار تلك القضايا، وينظر إليها كظاهرة منفصلة عن مجريات التوجهات والسياسات بين الدول، وعبر القارات، فالاقتصاد والسياسة والاجتماع والعقائد والمذاهب … إلخ، فكل ذلك يغلي في قدر واحد فتتدافع الذرات وتختلط من خلال هذه الأجواء يحاول المحللون النظر، فتختلف الرؤى، وتتعدد التقديرات وتتصادم وتتقاطع، ولكن في النهاية يوجد حد أدنى من الاتفاق فيما يجري فوق السطح، وما يختفي تحت الطموحات والتطلعات.
وفي لقاء موسع في رحاب المركز العربي للدراسات والبحوث تحلق العديد من الخبراء والإستراتيجيين حول المفكر الإستراتيجي الكبير السيد يسين حيث طرح سيادته على السادة الحضور – بمناسبة انتهاء العام 2015 – تساؤلا أساسيًا هو كالتالي:
ما أهم الأحداث التي مرت في عام 2015؛ موزعة على المستوى الدولي والإقليمي والمصري؟
وأتفق على أن تكون أهمية تلك الأحداث والقضايا مرتبطة بمدى دلالتها، وعمق وتنوع تداعياتها الحالية والمستقبلية، وحجم المفاجأة في ظهورها، وكذلك مدى شموليتها.
وفي هذه الحدود تعرض – دون ذكر أسماء – لأهم تلك الأحداث والقضايا وفقًا للمعاير سالفة الذكر .. مع مراعاة تداخلها بين السياقات الثلاثة: دولية وإقليمية ومصرية.
لقناعاتنا إنه في ظل الظروف الدولية القائمة والمتشابكة المصالح فإن ما هو دولي ينطوي على ما هو إقليمي، وما هو إقليمي يتأثر بالضرورة بما هو محلي، وما هو دولي له تداعياته على كل من المستويين الإقليمي والمحلي، الأمر الذي يقودنا إلى اتخاذ مسلكًا، غير تجزيئي في معالجة تلك القضايا. وعلى هذا الأساس فإننا سوف نعرض أهم القضايا التي توافق الخبراء على أولويتها وأهميتها، وتشعب تداعياتها على كل السياقات فظواهر مثل الإرهاب والتغير المناخي، والاتجاه قدمًا نحو القطبية الثنائية يعتبر تجسيدا لذلك، فكل منها يمثل ظاهرة عالمية لها تجلياتها الإقليمية والمحلية على أنها في التحليل النهائي تمثل جمّاع كل هذه التجليات. ولعل في مقدمة هذه القضايا ما يلي:
إن اتفاقية التغير المناخي تحقق، على حد تعبير “بان كي مون” الأمين العام للأمم المتحدة، “العدالة المناخية المنشودة” إلى حد كبير
أولا: مؤتمر التغير المناخي في باريس
يعتبر هذا المؤتمر أحد أكبر المؤتمرات الدولية التي تم تنظيمها بهذا الخصوص. ورغم عقده في أواخر عام 2015 (30 نوفمبر – 11 ديسمبر) إلا أن الإعداد له بدأ من فبراير من عام 2015 تحت مظله المجلس الدولي للعلم واليونسكو ومبادرة أرض المستقبل ودعم الحكومة الفرنسية. وقد تمخض عن اعتماد واتفاق عالمي يضع الإطار للانتقال إلى مجتمعات واقتصادات خفيفة الكربون وقادرة على مواجهة تغير المناخ من خلال احتواء “الاحترار المناخي” تحت درجة ونصف درجة أو درجتين مئويتين مقارنة بالعصر “ما قبل الصناعي”، إلى جانب التخفيف من آثار انبعاثات غازات الدفيئة ومساعدة الدول والشعوب على التكيف مع تغير المناخ القائم فعلًا حتى لا تحدث “عواقب كارثية” على البيئة والاقتصاد كالفيضانات المتكررة أو حالات الجفاف الشديد وغيرها.
لذا فإن هذا المؤتمر قد عالج وبنجاح شديد قضية المناخ والتغيرات التي يتوقعها العلماء نتيجة لزيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون باعتبارها من أخطر القضايا التي يواجهها المجتمع الدولي والإقليمي والمحلي على حد سواء، وليس أدل على خطورتها، وما سيترتب على إهمال أو إرجاء التعامل معها من أن تجتمع في هذا المؤتمر 195 دولة (حضر منها 150 رئيس دولة) في عاصمة النور باريس فهو اجتماع يمثل سكان المعمورة تقريبًا، وفيه بصورة خاصة تنازلت الدول الكبرى والمتقدمة (خاصة الصين وأمريكا ودول الاتحاد الأوربي) عن عنادها القديم وتجاوبها مع الواقع الجديد الذي ينذر بالخطر.
وكان من أهم نتائجه ما قررته الدول المتقدم من تقديم 100 مليار دولار للدول النامية في عام 2020، ودعم جهود استخدام “الطاقة الجديدة والمتجددة”، وتقييد استخدام “النفط الأحفوري”، ولعل هذا سيوجد هدفًا عالميًا تسعى لتحقيقه كل الدول كما أنه سوف يوجد روابط من التعاون العلمي والتكنولوجي، ونقل التكنولوجيا من الدول المتقدمة إلى الدول النامية وما يترتب على ذلك من نتائج، في المجالات الاقتصادية والتنموية، وستكون الإجراءات التي تتخذها الدول للحد من الغازات بمثابة “ثورة عالمية” لا تقل آثارها عن اكتشاف الطاقة والثورة الصناعية الثالثة حيث سيشجع على اللجوء إلى مصادر الطاقة المتجددة، ويغير من أساليب إدارة الغابات والأراضي الزراعية ويحقق الأمن الغذائي العالمي ويحمي العالم من الاضطرابات المناخية، ويقلل من ظاهرتي الفقر والإرهاب ضمن الثالوث الجهنمي: الإرهاب والفقر والمناخ.
وعلى المستوى الإقليمي والمحلي لعلنا نجد أن قارة أفريقيا تعد القارة الأكثر تأثرًا بالنتائج البيئية والاقتصادية والإنسانية والاجتماعية المتعلقة بالتغيرات المناخية وفي الوقت نفسه، تحوي القارة الأفريقية بالذات ديناميكية إيجابية لحلول والتغير في النماذج الاقتصادية مما يتعين أن يؤدي إلى المزج بين التنمية ومكافحة التغيرات المناخية. فمع اتساع رقعه التصحر في بلدان منطقة الساحل الأفريقي باتجاه الجنوب (لطول فترات الجفاف وتزايد الضغوط على الأراضي الزراعية والمراعي في هذه البلدان) أصبح من الأهمية بمكان الالتزام لإحياء مشروع “الحزام الأخضر” “من أثيوبيا إلى السنغال” بطول سبعة آلاف كيلو متر، وكذلك الأمر بخصوص حماية منطقة الساحل الشمالي في مصر ومستقبل التنمية المستدامة فيها.
إذن فإن هذه الاتفاقية تحقق – على حد تعبير “بان كي مون” الأمين العام للأمم المتحدة “العدالة المناخية المنشودة” إلى حد كبير.

ثانيا: الاتفاق النووي الغربي – الإيراني
تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية، وحلفاؤها أن الاتفاق الذي تم مع طهران بشأن مفاعلاتها النووية، ومحاولة دخولها “النادي النووي” انتصارًا للدبلوماسية الغربية، وهذا الاتفاق تم بدعم أساسي من الولايات المتحدة، بعد سنوات من المفاوضات والعقوبات التي طبقت على إيران، ولكنها كانت حريصة على استغلال الوقت لصالحها، لتقوية منشآتها، وزيادة قدرتها ووضع العالم أمام الأمر الواقع.
والاتفاق في مجمله الذي أعلنت عنه المفوضية العليا للسياسة الأوربية في الرابع عشر من يوليو 2015، لم يرض حلفاء أمريكا التقليديين، حيث إنه يسمح لطهران باستيراد وتصدير الأسلحة، ويرفع العقوبات. مما اضطر معه وزير الخارجية الأمريكية “جون كيري” إلى زيارة إسرائيل والمملكة العربية السعودية وغيرها، ليؤكد ويطمئن على أن الاتفاق لن يترتب عليه ضرر أو خطر على الدول المتوجسة من إيران.
وقد وجه فيما بعد رئيس إيران بتطوير الصواريخ الباليستية، لتكون أكثر كفاءة وقوة، مما دفع كثيرًا من الدول للاعتراض ولكنه أعلن أن الصورايخ الباليستية العادية ليست ضمن الاتفاق، والمحظور الصواريخ التي يمكن أن تحمل رءوسًا نووية. وأن الحظر الأممي على الأسلحة سيستمر لخمس سنوات، وكذلك يحظر بيع الصواريخ لمدة ثمانية سنوات. ومن هنا فالتصدير والاستيراد مقيدان. وأن روسيا سوف تشرف على تأمين الوقود النووي لإيران.
واللافت للنظر أن الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الغربية 5+1 تم برعاية أمريكية تامة، أقرب إلى المفاجأة للكثير، حيث إنه يتناقض مع مواقف أمريكا من إيران الذي دام عدة سنوات.
ويمكن فهم الموقف الأمريكي في ظل توجه أمريكا إلى الصين واليابان، والشرق الأقصى البعيد بعد أن فقد الشرق المتوسط أهميته بالنسبة لها إلى حد ما، مع استغنائها عن البترول بالإجراءات التي اتخذتها لتوفير الطاقة من مصادر متعددة، ولذا فمن المتوقع أن تبنى سياسة جديدة مع كوريا، وأن تدعم علاقاتها لضمان أكبر قدر من المصالح.
والموقف الأمريكي من إيران يثير كثيرًا من التساؤلات والاعتراضات وعلي رأس المعترضين بطبيعة الحال إسرائيل التي تلوم نفسها الآن على افتقادها المبادرة بضرب المفاعلات النووية الإيرانية في الوقت المناسب حيث أصبح من المستحيل الآن القيام بذلك.
وتحاول أمريكا استرضاء إسرائيل واللوبي اليهودي بالدعم المالي والعسكري لإسرائيل، ويظل الموقف الأمريكي غصة في حلق إسرائيل، على الرغم مما يشاع عن اتصالات سرية بين إيران وإسرائيل. فإسرائيل على جميع الوجوه لا تريد أن تكون واقعة تحت ضغط الخوف النووي، خاصة مع طموح إيران وصلابة مواقفها.
وقد أعلنت المملكة العربية السعودية عن رضاها عن التطمينات التي عرضها وزير الخارجية الأمريكية. وإن كانت دول الخليج حذرة بالنسبة لما تم من اتفاق. كما أن المملكة العربية السعودية نوهت بأن الأمر قد يدفع إلى سباق نووي في المنطقة خاصة مع أن السعودية ساهمت في تمويل البرنامج النووي الباكستاني.
التدخل العسكري الروسي في سوريا دعمًا للأسد بوصفه الحكومة الشرعية. أربك الجميع، وكل دولة في المنطقة أعادت صياغة وسائلها لتحقيق أهدافها
ثالثا: صعود الدور الروسي في الشرق الأوسط
من المفاجآت الدولية التي أثرت على مواقف دول المنطقة، والدول صاحبة الطموح ولها سند من تاريخها في المنطقة كفرنسا والولايات المتحدة وإنجلترا، التدخل الروسي العسكري في سورية وما ترتب عليه من تداعيات: فروسيا أرادت ألا تفقد وجودها في سورية وقاعدتها في طرطوس، وخروجها إلى المياه الدافئة. وأرادت أن ترد على التدخل الغربي في أوكرانيا، خاصة مع توجه الولايات المتحدة لبيع أسلحة إلى أوكرانيا، ومحاولاتها للسيطرة على الدول التي خرجت من عباءة الاتحاد السوفيتي. وخشيت أن يمتد الاتجاه الداعشي إلى الدول التي كان خاضعة لها والمجاورة لحدودها، مما ينذر باضطرابات تؤثر على رغبة روسيا في استكمال أدواتها لتستعيد مكانتها كقوة عظمى، ولا تخلي الساحة للولايات المتحدة.
وقد كان للموقف الروسي تداعيات هامة منها دفع فرنسا إلى التدخل لمحاربة داعش والتطرف الإرهابي في سوريا حتى لا تدع الفرصة للسيطرة الروسية، وفقد فرنسا لوجودها في سورية خاصة وأن الروس إذا استقر أمرهم في سوريا فسيمتد بالضرورة إلى لبنان.
وكذلك الروس بتدخلهم أثار الناتو بتشجيع من أمريكا على الأرجح فتجرأت تركيا بإسقاط الطائرة الروسية فوق سورية، وأصدر الناتو فورًا تصريحًا يدعم فيه تركيا ويبرر فعلتها. ولما كان الروس قاموا بضرب مئات الشاحنات التي ترسل لتركيا ويتم تمويل داعش بها للاستمرار في إرهابها للمنطقة، فقد وجدت تركيا مبررًا ذاتيًا “لإسقاط الطائرة الروسية” كعقاب معلن أو خفي للروس.
والذي دفع الأمريكان إلى تشجيع تركيا على فعلتها، أن الروس بمجرد دخولهم إلى سوريا قاموا بضرب الجيش الحر ضمن ما قصفوه بطائراتهم وصواريخهم، والمعلن أن الولايات المتحدة تسلح الجيش الحر باعتباره المقاومة المعتدلة، ولكن من المؤكد أن الموقف في سورية فيه تفاصيل وخفايا، فالجيش الحر لا شك يرحب بوجود داعش كقوة معه ضد بشار إلى حد ما، ولكن من قال بأن داعش إن تمكنت سيمكن السيطرة عليها. ومن الممكن من الناحية النظرية أن يتم بعض الاتصالات بين بشار وداعش في ذات الوقت.
في الوقت الذي أعلنت تركيا انضمامها إلى القوي المناهضة لداعش لتحقق مصالحها الخفية في ضرب الأكراد في شمال سوريا والعراق.
ويأتي “الدور السعودي” الذي لا يرحب بالروس في المنطقة، خاصة مع اتفاق روسيا وإيران في ذات وجهة النظر مع سوريا.
وقد تدعم السعودية الاتجاه الإسلامي المتشدد في سوريا أملا منها في إقصاء بشار عن مكانه، والمتحاربون كثيرًا ما يتبادلون الأسلحة.
ومن هنا نجد أن التدخل الروسي ستكون له آثار أكبر في المستقبل القريب، وواضح أن “الدب الروسي” يحرص خلال تحركه على أن يكون له غطاء شرعي، فهو تدخل بناء على طلب سورية، ويقصف بطائراته ضمن توجه عام مدعوم من الأمم المتحدة، ويحرص على تكوين صداقات في المنطقة كعلاقته بمصر التي ستقوى مع الأيام.
رابعا: الإعلان عن التحالف السني ضد الإرهاب
خرجت المملكة العربية السعودية على العالم في الخامس عشر من ديسمبر من العام 2015 بإعلان التحالف السني ضد الإرهاب، والذي انضم له 35 دولة، فيها أغلبية سنية، وهذا التحالف الذي فوجئ به الجميع رغم ظواهر رصدت له بعد تولي الملك سلمان الحكم، وأثار هذا التحالف كثيرًا من الأسئلة والشكوك، خاصة بين الدول العربية رغم انضمامها له.
ومن الأسئلة المطروحة التي لم تتحدد إجابة واضحة لها في الإعلان الصادر: ما العلاقة بين التحالف الجديد، والتحالف الدولي ضد الإرهاب؟ وما مدى تأثير هذا التحالف على التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية في اليمن؟ وهل هو تحالف ضد إيران والشيعة وفي ذلك تكثيف للصراع الطائفي والمذهبي؟ خاصة مع استبعاد إيران والعراق وسوريا من التحالف؟ وكيف تنظر المملكة العربية السعودية إلى جماعة الإخوان؟ والمعروف أن هناك عداء سابق بينهما؟ وما دور قطر وتركيا في هذا التحالف وهما داعمتان للإخوان؟
إن المنطقة العربية تشهد تغيرات كثيرة على الساحة بعضها مفهوم الغرض والآخر يكتنفه الغموض.
وعلى سبيل المثال فهناك تواصل تم بين المملكة العربية وروسيا، وروسيا متحالفة مع إيران، وتقصف بطيرانها الجماعات التي تؤيدها المملكة في سوريا، وكيف نميز الإرهابيين، وكل دولة لها رؤيتها الخاصة.
هل ما يحدث غموض ما قبل العاصفة؟
ولعل ما حدث في الأيام القليلة الماضية فيما يخص العلاقة المتوترة بين السعودية وإيران ترجح حدوث توترات وانشقاقات محتملة في هذا التحالف قد تقود إلى تداعيات خطيرة.

خامسًا: سد النهضة تخوفات وشكوك
لعله من المهم التأكيد على وجود مخاوف مصرية حقيقية من تداعيات على مصر عند إتمام بناء هذا السد. فهناك توقع بوجود عجز متزايد من إنتاجيه المياه الواصلة إلى مصر وخاصة مع غياب البدائل المحلية القادرة على معالجة هذا العجز المائي، حيث إن المتاح لمصر من مياه النيل وفقًا لاتفاقيات 1902، 1929، 1959 لا يزيد على 15 مليار متر مكعب ويتم الاعتماد على مصادر أخرى تصل إلى 5 مليارات متر مكعب (أمطار – آبار جوفية – رياح …..إلخ) ليبلغ حجم مجمل المتاح 60 مليار متر مكعب في حين أن الاستهلاكات المصرية تصل إلى نحو 77 مليار متر مكعب مما يمثل عجز قدره 17 مليار متر مكعب فالارتفاع بمخزون المياه خلف سد النهضة على 14 مليار متر مكعب إلى 74 مليار متر مكعب سوف يهدد مستقبل مصر تمامًا. ويجعلها رهينة لهذا السد، كما سيزيد من نسب الملوحة في المياه المخزنة خلف السد العالي، الأمر الذي يقتضي معالجات معقدة وزراعات خاصة ليس من السهل الاعتماد عليها باستمرار.
والإشكالية تتزايد مع عدم تعاطف الطرف السوداني مع مصر بداعي أن السد جاء لمصلحة السودان (كهربائيًا وتحويل نظام الري إلى نظام ري حديث، تقليل كمية بخر المياه، وتفادي الفيضانات الغامرة، ومحاولة الضغط على مصر لتقديم تنازلات بشأن حلايب وشلاتين …إلخ).
وهذا التحول الإقليمي الخطير ببناء السد يقتضي معالجة غير تقليدية في إدارة أزمة سد النهضة، وكذلك في إدارة المياه المتاحة حاليًا في مصر وسلوك المواطن المصري تجاهها.
إن إنجاز “الانتخابات البرلمانية” كان هو الحدث الأهم، حيث أن اكتمال خارطة الطريق من القضايا التي شغلت المجتمع بمعظم طوائفه وتوجهاته
سادسًا: إشكالية حرب اليمن وقيام تحالف عربي بقيادة السعودية
اتفقت آراء النخبة بنسبة تكاد تكون 100% على أن التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ضد اليمن أهم الأحداث بالنسبة لدلالته والتداعيات التي ستترتب عليه، ولا شك أن مواجهة الحوثيين في اليمن تكاد تكون حربًا مع إيران غير مباشرة، فإيران هي الداعم الرئيسي للحوثيين والمعزول صالح، ولا يمكن التغاضي عن المذهبية في هذه الحرب، فإيران (الشيعة) يتمددون في منطقة الخليج، ويثيرون القلاقل في البحرين، ولهم وجود غير منكور في معظم دول الخليج، والسعودية ترفع لواء السنة، وتحرص على حماية المملكة من التسلل الشيعي.
ولكن هناك تداخلات متقاطعة في الموقف في المنطقة، فعمان رفضت الدخول في التحالف، ومصر دعمت التحالف جوا رفضت المشاركة في تدخل بري، وقطر بحكم توجهها متوافقة مع إيران التي وفقت أوضاعها مع الولايات المتحدة، والولايات المتحدة في حاجة إلى إيران للمحافظة على مصالحها ولا ترغب في خسارة علاقاتها مع إيران، فهي عندما فرضت على إيران عقوبات جعلتها بموافقة أوربية وترحيب روسي حتى تبقى هي قادرة على التواصل مع إيران.
والتدخل العسكري الروسي في سوريا دعمًا للأسد بوصفه الحكومة الشرعية. أربك الجميع، وكل دولة في المنطقة تعيد صياغة وسائلها لتحقيق أهدافها، ومصر الداعم القوى للتحالف العربي في اليمن تقترب من روسيا بدرجة كبيرة، وتبتعد عن إيران بنفس الدرجة.
فالموقف من قرارات الأمم المتحدة بشأن اليمن توافق عليه العديد من دول العالم حتى روسيا وإن كانت تتعاطف مع الحوثيين وصالح، وكذلك عدد من الدول الأوربية كفرنسا تقف نفس الموقف، ومن هنا فالسحب متراكمة، والرؤية غائمة.

سابعا: رحلات السيسي ونجاح الدبلوماسية المصرية
لقد أدت ظاهرة الرحلات الرئاسية للرئيس السيسي، تلك التي جابت قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا، والتي بلغت نحو 28 رحلة رئاسية، إلى تدعيم المكانة السياسية والاقتصادية لمصر ولا سيما في قدرتها على عقد اتفاقيات اقتصادية كبري مع الكثير من دول العالم خاصة تلك التي أبدت شكوكًا حول ما حدث في 30 يونيو.
وكان من مظاهر هذا النجاح:
– تولي مصر مقعدها غير الدائم في مجلس الأمن ورغم أنه ليس بشيء كثير عليها إلا أن حدوثه يشكل اعترافًا ضمنيًا بمكانتها وبالنظام القائم.
– نجحت الدبلوماسية المصرية في إعادة الحوار الإستراتيجي المصري – الأمريكي الذي توقف قبل سنوات عديدة وتعهدت فيه أمريكا بإعادة المعونات لمصر كما كانت.
– النجاح “النسبي” لمؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي وخاصة فيما يخص الإخوة الخليجيين والعرب وإن كانت هناك حماسه ضعيفة من قبل المستثمرين الأجانب لا سيما الآسيويين منهم.
– تطوير العلاقات مع كل من:
o روسيا: وأهمية هذه العلاقات تحمل دلالة رمزية بالإشارة إلى وجود تلويح لأمريكا بوجود بديل آخر قادر على مواجهتها ويتزايد هذا بعقد اتفاقيات شراء السلاح الروسي وبناء المفاعلات النووية الأربعة في الضبعة وعقد اتفاقيات اقتصادية ضخمة مع مصر.
o الصين: فزيارات الرئيس إلى الصين قد أعادت العلاقات الصينية المصرية إلى صدارة الاهتمام وانتهت إلى نتائج بالغة الأهمية. وأهمها جعل مصر شريكًا مميزًا للتنين الصيني المتنامي، ورسم مسارات وإستراتيجيات واضحة للتعاون الإستراتيجي بينهما، كما تم التوقع على اتفاقيات مهمة في كل مجالات التنمية ولا سيما الاقتصادية والصناعية والتكنولوجية، كما رسمت آفاق لتطوير الاستثمارات الصينية في مصر وفتحت الأبواب نحو توسيع هذه الاستثمارات بشكل أعمق وأوسع بمشاركتها في تطوير مجمل منظومة السكك الحديدية في مصر، بنحو أربعة مليارات دولار ومشاركتها في التنمية الصناعية على ضفاف قناة السويس.
o فرنسا وألمانيا، فبالنسبة لفرنسا تم شراء الأسلحة المتقدمة وحاملة الطائرات مستيرال وتوطيد العلاقات الثقافية الممتدة بين مصر بينها وكذلك ألمانيا بتوقيع اتفاقية سيمنس الكبرى.
o إلى جانب تعميق العلاقات وتوثيقها مع اليونان وقبرص دعمًا للموقف المصري من قضايا الشرق الأوسط.

ثامنا: تراجع الاقتصاد المصري
يرى عالم السياسة الأمريكي جوزيف ناي في آخر أعماله، “أن سقوط روما لم يكن بفعل جحافل القبائل البربرية الغازية، ولكن بسبب الضعف الداخلي: اقتصاد بلا إنتاجية، ومجتمع متصدع بحرب ضروس”.
ومن هنا فإن التحدي الأكبر الذي تواجهه القيادة السياسية في مصر، هو مواجهة التباطؤ في النمو الاقتصادي. خاصة بعد أن استطاعت أن تنجح في تأمين الجبهة الداخلية من الإرهاب، واستكمال خارطة الطريق.
وتقرير التنافسية العالمي 2014/2015 يشير إلى تراجع ترتيب مصر في مؤشر التنافسية العالمي على مدار الخمسة أعوام الماضية (2010/2011 – 2014/2015) حيث كان ترتيب مصر (81) فأصبح (119) في عام 2014/2015.
كما انخفض ترتيب مصر في مجموعة مؤشرات “المتطلبات الأساسية” و”عوامل تطور الأعمال والابتكار” على الرغم من تحسن ترتيبها في “محفزات الكفاءة”.
وأشار التقرير إلى تدهور أداء مصر في معظم الركائز الاثنتي عشرة لمؤشر التنافسية العالمي، مما أدى لحصولها على نقاط أقل في هذه الركائز.
بل إنه على المستوى الإقليمي انخفض أداء مصر في معظم الركائز، بالمقارنة بدول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وإذا كانت الحكومة قد اتجهت إلى إصلاح البنية الأساسية، من إقامة الطرق، وتحسين وسائل الاتصال، وعلاج الضعف في الطاقة …. وكلها مؤشرات تساعد على تشجيع الاستثمار، وتدفق رءوس الأموال من الخارج، بالإضافة إلى تعديل القوانين، وحل المنازعات.. فكل هذا بلا شك مقدمة طيبة للاندفاع نحو نمو الاقتصاد. وإذا اتخذت الإجراءات اللازمة لتلافي نقاط الضعف فمن الممكن أن نتفاءل بتحسن الاقتصاد المصري خلال السنوات القليلة القادمة خاصة، بعد إنجاز قناة السويس الجديدة، والاكتشافات البترولية الأخيرة.
على أن شروط تحقيق هذا النمو الاقتصادي المستهدف يرتهن بالاهتمام والتأكيد على جودة التعليم العام، والعالي والتدريب، والارتفاع بجودة مؤسسات البحث العلمي، وتشجيع الشركات على زيادة الإنفاق على البحث والتطوير. ويتطلب ذلك في النهاية إصلاحات هيكلية واسعة المدى، كذلك يقتضي الأمر تدعيم قيمة العمل لدى الأجيال الناشئة في ظل تكريس لمفهوم الانتماء للوطن.
والأمل والمتوقع أن القيادة السياسية على وعي وإدراك كامل لكل ذلك، لأن السياسة الخارجية القوية، لن تستمر وتؤتي ثمارها بدون سياسة اقتصادية في الداخل.

تاسعا: الانتخابات البرلمانية
إن إنجاز “الانتخابات البرلمانية” بما تمثله من إتمام الحلقة الثالثة من خريطة الطريق يأتي في مقدمة الأحداث المحلية التي تمت خلال عام 2015 وقد كان هو الحدث الأهم، حيث أن قضية الانتخابات البرلمانية وإتمامها، واكتمال خارطة الطريق من القضايا التي شغلت المجتمع بمعظم طوائفه وتوجهاته، فقد ساد اعتقاد عند البعض بأن الانتخابات البرلمانية لن تتم خلال هذا العام، وربما كان هذا من الدعاية السوداء لأتباع النظم السابقة، أو لتشكك البعض نتيجة عدم رضا عام على أسلوب الانتخابات، والانتقادات الكبيرة التي تعرضت لها اللجنة العليا للانتخابات، أو لإرهاصات ما قد يشوبها من فوضي وإرهاب، كذلك الشك في جدوى وجود برلمان أساسًا عند البعض ليأسهم من الساحة السياسية، وما تعانيه من تشظٍّ وانقسامات، وتعدد الأحزاب وعدم استقرار الرؤية، ومحاولات البعض إفشال الانتخابات، بالإضافة إلى صراع الوصول إلى مقاعد المجلس من بعض التيارات.
ولا شك أن الأمر تم في النهاية من خلال انتخابات نظيفة وحرة وشفافة رغم ما شابها أحيانًا من مخالفات لا ترقى للطعن فيها ككل، مثل استخدام المال السياسي لتوجيه الناخبين أو استغلال الدين.
وهناك تيار كبير عزف عن التوجه للانتخابات حيث دخلت وجوه كثيرة لا تعرف عنها جماهير الناخبين المعرفة التي تجعلهم يتوجهون إلى الصناديق بحماس، بالإضافة إلى ضعف الأحزاب وعدم قدرتها على صياغة فكر واضح، وتكوين كوادر علمية فاعلة في داخل المجتمع.
ومن المهم الإشارة إلى أن وسائل الإعلام ساعدت بصورة كبيرة في تشتيت الرأي العام، وخلق انقسامات وصراعات كان من شأنها انصراف الشباب عن الانخراط في المنظومة السياسية بصورة جادة.
ولا بد من التأكيد على أن قضية الانتخابات واكتمال خارطة الطريق، تشير إلى الرغبة الحقيقية للمجتمع المصري في الاستقرار بالدرجة الأولى لما يراه من تفسخ وانقسامات، وصراعات في الدول المحيطة به، فبإتمام الانتخابات تبدأ الدولة مسيرتها على أساس مؤسسات ديمقراطية فاعلة تعطي قوة اندفاع في المستقبل لبناء اقتصاد قوى، وقيام الدولة بالدور الوطني والقومي والدولي المنوط بها باعتبارها الأكثر تأثيرًا في أسخن منطقة في العالم وهي منطقة المتوسط.
والطبيعي أن تحاط الانتخابات بمعارك وصراعات، فهناك تيارات مختلفة في المجتمع لكل منها توجه خاص، فأتباع الحزب الوطني المنحل يملكون المال ولهم موقف خاص ومصالح في المجتمع ويخافون أن تمس مصالحهم، والإخوان المسلمون الذين يعتبرون “واهمين” أن الشرعية لهم وكذا المتعاطفون معهم، يريدون أن يحققوا أغلبية لمحاولة تكدير صفو القادة السياسيين والحكومة، وإذ عجزوا عن الوصول إلى ما يريدون فلا بأس في منطقهم من تقويض البناء كله على رأس العباد، بالتفجيرات والشائعات وإثارة الفوضى.
وبجانب هؤلاء وهؤلاء النشطاء السياسيين والأحزاب وكل يحارب في جبهته ضد الآخرين، وقلة من يحاربون من أجل الوطن.
ومن هنا تتضارب الآراء في مدى إمكانية أن يحقق هذا البرلمان أهدافه في خدمة الوطن.

د. ضياء الدين زاهر

المركز العربي للبحوث والدراسات