مرّ عامٌ على المملكة العربية السعودية منذ ودّعت ملكًا عظيمًا هو الملك عبد الله بن عبد العزيز، رحمه الله، وتولي ملكٍ عظيم لزمام السلطة في البلاد هو الملك سلمان بن عبد العزيز ملك الحزم والإنجازات، والسعوديون والعرب يعرفون قدر الراحل الكبير ورجاله الأوفياء، ويعقدون الآمال الكبرى على خادم الحرمين الشريفين وولي عهده وولي ولي العهد الحاملين للشرعية السياسية، والشباب القائد الذي يتفتق فتوة في التطلع للمستقبل وترسيخ الاستقرار السياسي وتعزيز اللحمة الوطنية وبسط الأمن وتحقيق الطموحات للشعب وللعرب والمسلمين وللعالم أجمع.
عامٌ أول مرّ سريعًا متخمًا بالإنجازات والمشاريع متلهفًا للمزيد، بعزمٍ لا يكلّ وشعلة شبابٍ وتوهجٍ لا تنطفئ، وتعزيزٍ قوي لدور السعودية في المنطقة والعالم، بحيث صار العالم يترقب جديد السعودية ومشاريعها وتحالفاتها وتعاملها مع التحديات.
عامٌ قال للجميع إن السعودية وقيادتها السياسية قادرة على إثبات أن السعودية رقمٌ صعبٌ في كل معادلات القوة الإقليمية والدولية، وهي مع الصعوبات التي تفرضها التحديات القائمة قادرة على افتراع نهجها الخاص وسبيلها الفريد لحماية المصالح ورعاية الشعب والنفاذ للإنجاز.
دوليًا، كان تحديًا كبيرًا أن يكون الحليف الأقوى في العالم يتبع سياسة انسحابية وانعزالية مضرة وخلقت الكثير من الفراغ السياسي في المنطقة والعالم، ملأه آخرون من روسيا التي أوجدت لها موطئ قدمٍ راسخة في سوريا عبر قاعدتين عسكريتين وأصبح لها وجودٌ غير مسبوقٍ في المنطقة بهذه الكيفية، إلى إيران التي تمددت وأخذت العراق على طبقٍ من ذهبٍ بعد الانسحاب الأميركي المتعجل ولبنان على طبقٍ من إرهاب وسوريا على طبقٍ من طائفية مريرة ودموية غير مسبوقة، وكاد اليمن يكون لقمة سائغة لولا انتفاضة السعودية السياسية وعاصفة الحزم التي أمر بها العاهل السعودي وعززها بإعادة الأمل.
ومما زاد التحدّي قوة وشراسة أن أسعار النفط شهدت انخفاضًا تاريخيًا والاقتصاد السعودي يعاني من تأخرٍ في الإصلاح والتطوير وتنويع مصادر الدخل، ولكن العقول النافذة والمشاريع الواعية والإدارة الحديثة وحماسة الشباب وحكمة الشيوخ استطاعت بكل براعة تجاوز التحديات بالإصلاح والتطوير والتغيير، وأصبح مشروع «التحول الوطني» عنوانًا لمرحلة جديدة في السعودية.
عامٌ من التحالفات العسكرية الكبرى والمؤثرة؛ تحالفٌ عربي تقوده السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ويجمع عشر دولٍ عربية لإنقاذ اليمن ودحر أذناب إيران من ميليشيات الحوثي وأتباع المخلوع صالح ودعم الشرعية في اليمن والدفاع عن حقوق الشعب اليمني تحت غطاء من المشروعية السياسية الدولية وقرار مجلس الأمن 2216.
وتحالفٌ ثانٍ للدول المسلمة للحرب على الإرهاب مكونٍ من أكثر من خمس وثلاثين دولة مسلمة، لم تزل آلياته وطرائق عمله تحت التطوير والإنشاء، وقد استبعدت منه إيران وحلفاؤها، ولقد هزمت سرعة الشباب الواعي خبرة شيوخ طهران فحاروا في أمرهم وبعد هزيمتهم في اليمن وعجزهم في سوريا الذي أجبرتهم عليه السياسات السعودية الواعية والمتقدمة، تخبطوا في مواقفهم، وأخذوا يخسرون المرة تلو الأخرى، حتى كانت الضربة الموجعة حين عنّ لهم أن يتجرأوا على السعودية وتصوروا أن من حقهم اختراق سيادتها والتهجم على مقارها الدبلوماسية، فكان الجواب مجلجلاً، بقطع العلاقات الدبلوماسية ووضع إيران في خانة الضعف والدفاع، حيث توالت المواقف العربية والإسلامية بل والدولية المؤيدة للسعودية والمهاجمة لإيران.
لقد وجدت إيران نفسها في موقف الضعيف، فاعتذرت، وسعت للتوضيح والشرح، ولكن أحدًا لا يثق بإيران، وبات مفروضًا عليها أن تصنع الكثير لتثبت نفسها كدولة طبيعية لا دولة ثورية مصدرة للطائفية والإرهاب، وهو ما يقتضي منها أن تغير جلدها بالكامل ليتقبلها العالم.
وداخليًا، حافظت السعودية على ريادتها وقيادتها للحرب على الإرهاب، فانتصرت عليه وحجّمته وإن لم ينتهِ تمامًا ولكنه رجع من خانة المبادر لخانة المندس الغادر الذي يتلمس طريقه في الظلام، وأعادت تشكيل بنية الحكومة بالكامل، بإلغاء الكثير من المجالس واعتماد العمل الحكومي على مجلسين هما مجلس السياسة والأمن ومجلس الاقتصاد والتنمية، وتمت إعادة هيكلة الكثير من المؤسسات، وألزمت الوزارات ببرامج معلنة وأهدافٍ كبرى يجب أن تتحقق في السنوات الخمس القادمة.
عامٌ في مواجهة الإرهاب بالخطوة الأخيرة، وهي تنفيذ العدالة الناجزة، وإقامة الحدّ والتعزير في الإرهابيين السبعة والأربعين الذي صدرت بحقهم أحكامٌ نهائية، سنة وشيعة، وهي المواجهة المستحقة، وهي مواجهة ممتدة في دول الخليج حيث قامت دولة الإمارات بالأمر عينه من قبل ومن بعد، وأصدرت الكويت أحكامًا مماثلة ضد خلايا الإرهاب الشيعي التي فجع بها الكويتيون لضخامة حجمها وقوة تدريبها وعمالتها الصريحة لإيران.
بالسياسات المحكمة، والتحالفات المتجددة، والوعي المتقدم، والقرار الصارم، والحزم والعزم، وحسن الإدارة، والعمل الدؤوب كانت السعودية جاهزة في عامٍ لمواجهة كافة التحديات، لا برد الفعل فحسب بل بالفعل وقيادة المنطقة وحيازة التأثير وامتلاك المبادرة، ووضع المكانة الكبرى في العالم موضع الفعل والتأثير، وعلى الخصوم أن يحصوا خسائرهم ويقبلوا بالشروط الجديدة التي وضعتها السعودية إقليميًا ودوليًا.
التخطيط الاستراتيجي المحكم، مع سرعة التنفيذ وإحكامه، مع رقابة القيادة الدائمة والإرادة الصلبة.. كل ذلك يجعل من الصعب على الخصوم مواجهة التحديات، ويدفعهم للتناقض والتردد، ويجرفهم للاعتذار والتراجع، ويجعل من الصعب على المسؤول التهرب من مسؤولياته أو التكاسل عن واجباته. إنه بكل بساطة عامٌ أظهر الحزم والعزم وإرادة التنمية والتطوير وفرض الهيبة والمكانة عنوانًا عريضًا يسجله التاريخ ويشهد به الواقع.
في ظل ظاهرة العداء للسعودية في الكثير من وسائل الإعلام والمؤسسات الغربية، وفي زمن الخصام الإقليمي الشرس، وفي وقت تفشي التفاهة والغوغاء، يصبح الثناء الواعي والإشادة الواقعية بالوطن ومنجزاته واجبًا وطنيًا، ويصبح شرح ذلك وتوضيحه وتفصيله مهمة نبيلة حتى يعي الجميع اللحظة التاريخية التي نعيشها وسبل النجاح والانتصار.
ليس من غرض هذا السياق ادعاء الكمال أو طرحه كمنجزٍ وطنيٍ، ولكن الحقيقة أن السعي له بات حثيثًا وجادًا، وهناك مواضع نقصٍ يجب أن تستكمل ومشاريع يجب أن تبنى ورؤى ينبغي أن تنفذ، بنفس النهج الجديد وذات الطريقة الفاعلة وعين الإبداع المتميز، والتي لم تصل إليها المشاريع المعلنة حتى اليوم.
أخيرًا، عامٌ أول مضى من حكم الملك سلمان والقيادة السعودية الجديدة وكأنه أعوامٌ، وسنة مرّت وكأنها سنواتٌ، والفرحة الكبرى بطرق التفكير والعمل والإدارة القادرة على الاستمرار وتحقيق المنجزات.
عبدالله بن بجاد العتيبي
صحيفة الشرق الأوسط