العراق يعيش أقسى أزماته

العراق يعيش أقسى أزماته

Iraq-economy

لاشك ان المرحلة الحالية هي الاصعب في تاريخ العراق اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا ، وهي مرحلة مرعبة بحق اذا ما تأملنا الحقائق والارقام التي تشير الى الوضع الحالي بكل مجالاته .
وقد عانى العراق من دخول قوات الاحتلال الاميركي لأراضيه عام 2003م، من الاهمال والهدر نتيجة غياب السياسة والادارة الرشيدة التي ادت الى ضياع جزء كبير من ثروات مورد البلاد الهامة للخزينة العراقية.
العراق اليوم يواجه اقسى الظروف وأضنكها ، فالسياسة قاصرة ، والاقتصاد منهار ،والوضع الاجتماعي حدث ولا حرج ؛ فهناك النازحين ومآسيهم والمضطهدين وآلامهم والقتلى وصرخات الثكلى ، كلها اجتمعت في بلد مزقته الحروب الطائفية والتدخلات الخارجية وإيدي الارهاب .
الحديث عن الاقتصاد العراقي يطول ، وهو من اكبر التحديات التي تعصف بالبلاد ، و بطبيعة الحال السبب عوامل تتعلق ببنية الاقتصاد العراقي على سبيل المثال لا الحصر ؛ فالريعية والاعتماد على النفط في الموازنة، وضعف العمل المصرفي ، وغياب الشفافية ، والتدخل الحكومي في القطاع الخاص ، وغيرها الكثير من العراقيل التي شكلت عقبة حقيقية في وجه اي تقدم او تطور للاقتصاد العراقي .
الأزمة الإقتصادية والمالية في العراق هي الاشرس في تاريخه ، فالأرقام والبيانات الاقتصادية مرعبة ، وتثير تساؤلات ملحة حول مدى قدرة هذا البلد النفطي على الصمود ، فالعراق الذي يعتبر في المرتبة الثانية على مستوى الاحتياط العالمي للنفط و يشكل النفط المورد الوحيد له من العملة الصعبة ، وهو الذي يعتمد على واردات النفط بأكثر من 95% من ايراداته ، وحتى هذا المصدر الوحيد (النفط) بات اليوم يتلقى صدمات عنيفة هوت بأسعاره الى مستويات أثارت الهلع والخوف في شتى بقاع الدنيا ، ومع ذلك مازال العراق يسير بنفس السياسة الاقتصادية ، رغم التحذيرات المتكررة من الخبراء والاقتصاديين من الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للبلاد ، الا ان غياب الرؤية المستقبلية والانشغال بالشأن السياسي والامني ، حال دون الالتفات لهذه التحذيرات ، فكانت النتيجة اليوم ان العراق يواجه ازمة مالية خانقة دفعت به الى طلب المساعدة الخارجية ، وهو البلد النفطي بامتياز .
وتشير تقارير الى  وزارة المالية العراقية أعلنت  ان حجم قروض البنك الدولي في عام 2015 المقدمة الى العراق بلغت نحو 1.900 مليون دولار، و أن هذه القروض توزعت على مشاريع الأعمار والغاز والبنى التحتية وإعادة أعمار المناطق المحررة من سيطرة تنظيم “داعش”.
لو انتقلنا بالحديث عن الموازنة العامة سنتفاجئ بأن مجموع الدين الداخلي والخارجي بلغ ٤ .82 مليار دولار ضمنه ٢٦ مليار دولار دين داخلي ، فيما تبلغ ايرادات النفط بعد حسم قسط الشركات ٣٨ مليار دولار اي بعجز أكثر من خمسة مليارات دولار.
وهنا نعود الى طبيعة جولات التراخيص التي تقضي بان تأخذ الشركات مستحقاتها اما نقدا او استبدالها بالنفط ، وبالتالي تتراكم مستحقات هذه الشركات ، وهو ما اشار اليه رئيس الوزراء حيدر العبادي ووزير النفط عادل عبد المهدي بأن الحكومة الحالية ورثت عن سابقتها مديونية تتجاوز 23 مليار دولار ، وذلك بسبب تجمع الاستثمارات ، وعليه بدأت الحكومة بتسديد مستحقات تقدربـ4 مليارات دولار كل فصل حيث يتم ترحيل جزء من هذه المستحقات الى العام الذي يليه مما يراكم من الديون على الدولة العراقية.
وتشير التقارير الى ان مجموع ما تم بيعة في مزاد العملة خلال عام ٢٠١٥ يبلغ ٤٤ مليار دولار ، اما بالنسبة لعدد الشركات الخاسرة هو 113 شركة مقابل 44 رابحة”، ويضيف التقرير الى أن الحكومة العراقية تدفع نحو 2.700ترليون دينار لموظفي هذه الشركات”، في حين لجأت الحكومة الى الاقتراض من المصارف لتغطية قروض الشركات العامة بقيمة ٨ ، ٨ ترليون دينار.
المصادر تشير الى ان الكمية المباعة للمصارف من تاريخ الثالث من شهر يناير كانون الثاني الى العاشر منه 785.222.144 دولاراً، في حين كانت الكمية المباعة من تاريخ الرابع من يناير كانون الثاني الى العاشر منه عام 2015 هي 620.371 مليون دولار “.
الحديث عن الظروف الامنية التي تمر بها البلاد من الحرب على الارهاب مقلق ايضا ، واحتلال بعض المحافظات من قبل جماعة تنظيم “داعش” ،وسرقة المصارف الحكومية والاهلية والمؤسسات والاستيلاء عليها في تلك المحافظات أفقد الخزينة ايضا مصدر مهم وأدى الى خسارة كبيرة لتلك البنوك وزبائنها .
ايضا العراق اليوم خسر الاستثمار الاجنبي بسبب اوضاعه الامنية وغياب التخطيط الاقتصادي وغياب الرؤية الاستثمارية ما ادى الى تراجع الايرادات الناتجة عن رأس المال والاستثمارات الاجنبية ، وبات العراق اليوم بيئة طاردة للاستثمار ومرتعا لتدخلات دول مجاورة مثل ايران .
التدخل في عمل المصارف فقد انعكس ذلك على حدود السيولة مما اوصلها في بعض المصارف الى حدودها الدنيا مما سيعرض بعضها الى الافلاس والانهيار المالي اضافة الى ان ذلك سيؤدي الى التأثير على الوضع الاقتصادي والنشاط التمويلي والاستثماري خلال المرحلة الراهنة .
اما فيما يخص ملف الفساد ، فالعراق اليوم متخم بقضايا الفساد وبالرغم من الوعود الحكومية المستمرة ، الا ان ظاهرة الفساد في العراق متغلغلة في كل نواحي الدولة ، وتعم تشهد أسبوعيا تظاهرات حاشدة احتجاجا على الفساد المستشري في المؤسسات الحكومية، وللمطالبة بمحاسبة المختلسين والمفسدين وتنفيذ الإصلاحات الحكومية.
وتشير تقارير الى ان العراق سيشهد ارتفاعا في معدلات الفقر والبطالة خلال 2016، وقد تتجاوز النسبة الـ30 في المئة ، بسبب سياسية التقشف المالي التي تبنتها الحكومة، والتي تسببت في توقف تنفيذ مئات المشاريع في مختلف المحافظات، بسبب تدني أسعار النفط في الأسواق العالمية.
وقد لجأت الحكومة إلى رفع ضرائب المبيعات على السلع المستوردة، بهدف تعزيز الايرادات المالية، ولتقليل آثار الازمة المالية، التي تتعرض لها البلاد، نتيجة تدني اسعار النفط في الأسواق العالمية.
الاوضاع في الاقليم
في اقليم كردستان العراق الوضع لا يقل خطورة عنه في بغداد ، فالإقليم يعاني من أزمة رواتب موظفيه بينها رواتب أفراد القوات المسلحة وقوات البيشمركة التي تقاتل تنظيم “داعش” ، وهناك المشاكل العالقة بين بغداد وأربيل بشأن ملفات النفط والموازنة والحرب ضد تنظيم “داعش” وإيواء اكثر من مليون ونصف نازح ولاجئ.
الوضع المالي للإقليم غير مستقر ، وبسبب الأزمة المالية التي يعاني منها الإقليم، تشير مصادر الى ان الاقليم قد يعجز عن دفع الرواتب في مقبل الايام ، حيث تشير مصادر الى ان رواتب الموظفين ستوزع بحسب ايرادات النفط ، وهو ماقد يصل بالأمر الى دفع هذه الرواتب مرة واحدة سنويا ، وهنا تشير مصادر الى ان الموظفين بلا روتب منذ 5 شهور ،والبنك المركزي فارغ ، يرافق ذلك مديونية ضخمة تصل الى 21 مليار دولار .
ولو تأملنا في عائدات النفط للإقليم سنكتشف انها عاجزة عن تلبية متطلبات الحكومة ، ورغم ان سعر برميل النفط في الاسواق العالمية يباع بـ28 دولارا، الا ان برميل نفط اقليم كوردستان يباع باقل من هذا السعر بـ10 دولارات. ، فعائدات النفط بعد تسديد ضمان الشركات النفطية والانبوب النفطي مع تركيا لن يتبقى منها شيء .
لكن التساؤل هل ستستطيع الحكومة دفع رواتب موظفيها؟ وهل سيكون هناك تأخير كبير مستقبلا كما هو الحال الان في دفع الرواتب ؟ هذا التساؤلات تأتي من النظرة الى اسعار النفط التي تتهاوى يوميا ، وهو ما يزيد من صعوبات الوضع المالي ويضع تحديات كبرى امام حكومة الاقليم في الايام المقبلة .
انهيار اسعار النفط وتراجع الايرادات ، وانتشار الفساد المالي والإداري ، وانتشار الفقر ، ومسألة اللاجئين والنازحين ، وقضايا كثيرة ، كلها ستكون تحدي وضغط هائل على حكومتي المركز والاقليم ، وستفرض عليهم واقع قاسي في مواجهة الازمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وهنا نشير الى احتمالية خروج احتجاجات شعبية تعم البلاد ، قد تكون البداية من السليمانية و البصرة ،وقد تنتشر الى باقي المحافظات بسبب الوضع الراهن .
وهنا لابد من التساؤل ، اذا استطاعت حكومة الاقليم ان تقدم لمواطنيها جرعة حول مستقبل الاوضاع في ظل الازمة المالية الحالية ، فماذا ستكون الجرعة التي ستقنع بها حكومة بغداد المواطنين في مقبل الايام .

عامر العمران

وحدة الدراسات الاقتصادية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية