الاقتصادية عن إيران تدخّل الأخيرة في الشأن الداخلي لبلادهم، من خلال امتلاكها المزيد من القدرات المادية للضغط اقتصاديا على حكومة بغداد والتحكّم بمواقفها وقراراتها، وللترفيع من حجم دعمها بالمال والسلاح للميليشيات الشيعية، فضلا عن دعمها للأحزاب الدينية التي يمتزج نفوذها بنفوذ تلك التشكيلات الطائفية المسلّحة.
وما يضاعف خشية هؤلاء أن عملية رفع العقوبات تلك تأتي مصحوبة بحالة من الوفاق بين طهران وواشنطن لا يستبعد أن تمهّد الطريق لاعتراف أميركي بنفوذ إيران في العراق والتسليم به كأمر واقع في إطار تقاسم الأدوار والمنافع.
ونفت السفارة الأميركية في بغداد أمس سعي واشنطن لتجميد دور الحشد الشعبي في عمليات استعادة المناطق الواقعة في قبضة تنظيم داعش.
ونقلت صحيفة “الجورنال” التي تصدر في بغداد عن مستشار في السفارة الأميركية قوله إن “الولايات المتحدة تتعامل مع الحكومة العراقية وتقدم الدعم والإسناد لها وليس لديها أي اعتراض على مشاركة الحشد الشعبي أو أي طرف آخر في معارك التحرير”.
ومن جهتها تنتظر الميليشيات الشيعية في العراق أن يساهم رفع العقوبات عن إيران في إنهاء أزمتها المالية الخانقة الناجمة عن تضخم أعداد أفرادها المنتمين للحشد الشعبي وكثرة متطلباتها، ما وضعها في مواجهة مع حكومة بغداد بشأن حصّتها من الموازنة المتأثرة بشدّة من معضلة تهاوي أسعار النفط.
وتلقت القوى السياسية والتشكيلات الشيعية المسلّحة رفع العقوبات عن إيران بترحيب شديد معتبرة أنّ ذلك ينطوي على “نصر سياسي كبير” لداعمتها الأساسية.
وهنأ أمس النائب قاسم الأعرجي، رئيس كتلة بدر النيابية والتي تستند إلى ميليشيا مسلّحة تحمل نفس الاسم بقيادة هادي العامري، إيران برفع الحظر الاقتصادي عنها، مؤكدا “أن إيران دولة محورية لاستقرار المنطقة”.
كما أثنى الأعرجي في بيان على “حكمة المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية وحكمة الحكومة” اللتين أوصلتا إلى رفع العقوبات الاقتصادية ونجاح المفاوضات مع الدول الكبرى.
وقدم الأعرجي التهاني إلى المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي والحكومة الإيرانية والشعب الإيراني “بمناسبة نجاح مفاوضات شاقة وطويلة ورفع العقوبات الاقتصادية عن إيران”.
وأكد في بيانه أن “صبر الجارة إيران جنب شعوب المنطقة فتنة كبيرة وحروبا مدمرة كان الغرب وإسرائيل وبعض دول الجوار تخطط لها لسنين طويلة”.
وأضاف أن “الجمهورية الإسلامية وقفت إلى جانب العراق وهي تعمل باستمرار من أجل استقرار دول الجوار على العكس من بعض الدول الشقيقة”.
وشهدت الأشهر الماضية جدلا حادّا بين حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي وقادة الميليشيات الشيعية المشكّلة للحشد الشعبي المطالبين بالترفيع في المبلغ المخصص للحشد المشارك في الحرب ضد داعش والذي أصبح بمثابة جيش رديف ما يرتّب على الدولة المنهكة أصلا مصاريف باهظة.
وفي ذات سياق الترحيب برفع العقوبات عن إيران، وصفت فردوس العوادي النائبة عن ائتلاف دولة القانون بقيادة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، رفع العقوبات عن إيران بأنه “انتصار لإرادة الشعوب الحرة على إرادة الظالمين”، قائلة في بيان “هذه النتيجة تعبر عن قوة المفاوض الإيراني الذي تمسّك بقضيته وسار بها إلى بر الانتصار الكبير”.
ودخل الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى حيز التنفيذ مساء السبت بإعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنجاز طهران لالتزاماتها، مما دفع الاتحاد الأوروبي إلى الكشف عن رفع المجتمع الدولي العقوبات الاقتصادية والمالية المرتبطة ببرنامج طهران النووي.
ومن شأن تلقّي القوى السياسية والتشكيلات الشيعية المسلّحة في العراق لمزيد من الدّعم الإيراني أن يكرّس اختلال التوازن القائم في البلد منذ سنة 2003 والذي أفضى إلى سيطرة الأحزاب الدينية الشيعية على مواقع القرار في الدولة العراقية في مقابل تهميش أبناء الطائفة السنية الأمر الذي أحدث شرخا اجتماعيا عميقا في العراق بات يشكّل عائقا أمام تعافي العراق سياسيا وأمنيا واقتصاديا.
ومن جهة أخرى أدّى دعم إيران للميليشيات بالمال والسلاح وتوفيرها الغطاء السياسي لقادتها إلى تغوّلها وانفلاتها من رقابة الدولة، وهو ما كان له انعكاس مباشر على مستوى الأمن في العراق خصوصا في ظل الحرب الدائرة ضدّ تنظيم داعش والتي باتت تتخذ ذريعة وغطاء لارتكاب جرائم كبرى في الكثير من المناطق العراقية آخرها قضاء المقدادية في محافظة ديالى والذي تعرّض سكانه خلال الأيام الماضية إلى حملة تقتيل ونهب وتمدير للممتلكات على أيدي عناصر من ميليشيات الحشد الشعبي الممسكة بأرض المحافظة منذ استعادتها من تنظيم داعش.
صحيفة العرب اللندنية