المعارك تشتد في الأيام الأخيرة حول حقول النفط الرئيسية في ليبيا، بين ملامح الدولة والجيش الليبيين الباحثين عن بسط الأمن في البلاد، وبين تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية الذي يتعاظم يوما بعد يوم في البلاد. ولكن اللافت في المسألة هو أن داعش، كتنظيم لم يعد مرتبطا فقط بالعراق وسوريا، بل أصبح ينتشر في المناطق العربية الغنية بالنفط، وبات مسيطرا على العديد من الحقول النفطية. فقد بدأ التنظيم منذ أكثر من سنة في تأسيس تجارة كاملة بالنفط لدول الجوار مثل تركيا، وهو ما تبحث عنه “الدولة الإسلامية” في ليبيا الآن.
فقد صرح متشدد من الدولة الإسلامية يدعى أبوعبدالرحمن الليبي في فيديو نشر على موقع تابع للتنظيم المتشدد “اليوم ميناء السدرة وراس لانوف وغدا ميناء البريقة وبعدها ميناء طبرق والسرير وجالو والكفرة”، ويعكس هذا التصريح أن الهدف الأساسي في هذه المرحلة هو السيطرة على حقول النفط والموانئ التي من خلالها يتم بيعه.
تحركات ما يسمى بالدولة الإسلامية الحثيثة في اتجاه السيطرة على مصادر الثروة المالية السريعة والمربحة تؤشر على أن تكتيكات الانتشار لهذا التنظيم في الوطن العربي ترتكز إلى المناطق الحساسة والغنية بالمواد الباطنية والتي لا يوجد فيها حضور قوي للدولة، تماما كالعراق وسوريا وليبيا.
ولئن أشر ذلك على أن داعش يعاني من انحسار مالي وحالة إفلاس وشيكة نتيجة الحصار الدولي على المنابع المالية التي تموله، (وتدل على ذلك الوثيقة الصادرة عما يسمى بيت مال المسلمين لداعش يعلن فيها خفض رواتب جهادييه إلى النصف مبررا ذلك بنصوص دينية)، إلا أن محاولات استهداف المناطق النفطية تؤكد نزوع هذه الجماعات إلى إطار “التمكين” المالي واللوجستي للوصول إلى الأهداف الأيديولوجية المرسومة في أدبيات الإسلام الحركي، وهو تركيز “الخلافة الإسلامية”.
محاولات استهداف المناطق النفطية تؤكد نزوع هذه الجماعات إلى إطار التمكين لإقامة خلافتهم
السيطرة على حقول النفط كانت في البداية تهم الحقول الواقعة شمال شرق سوريا، والتي مكنت التنظيم من كسب ثروة مالية كبيرة في تجارة النفط وتهريبه عبر الحدود إلى تركيا، حسب تسريبات صادرة عن الاستخبارات الروسية، وقد أكدت التقارير الاستخباراتية أن العديد من الشاحنات الكبيرة المخصصة لنقل النفط الخام تقوم برحلات منتظمة من تركيا إلى داخل الأراضي السورية على الحدود الشمالية لنقل النفط والدفع مقابله أموالا وأسلحة. وتقول العديد من التقارير إن التناغم الذي وجد سريعا بين تنظيم إرهابي كتنظيم الدولة الإسلامية، والأجهزة التركية، إنما مصدره تناغم أيديولوجي في تحفيز أيديولوجية الخلافة الإسلامية وعودة الحلم الإمبراطوري العثماني إلى المنطقة العربية للسيطرة عليها، وذلك عبر البوق الأيديولوجي الدعائي الذي يسمى داعش. لكن ما تخفيه هذه الشعارات، هو أن المقصود من الدعم المتبادل هو الحصول على النفط بسعر زهيد وتمويل داعش للقيام بحرب بالوكالة.
أما في العراق، فقد مكنت السيطرة على محافظتي صلاح الدين والموصل من التقدم نحو بيجي العام الماضي، وتعرف منطقة بيجي باحتضانها واحدة من أكبر مصافي النفط في منطقة الشرق الأوسط، نظرا لطاقة استيعابها العالية للنفط وتكريرها له. وتعتبر مثل هذه الأهداف محبذة بالنسبة للتنظيم الجهادي، نظرا لإمكانية استفادته منها للحصول على المال والسلاح والامتداد في مجالات جغرافية أوسع.
ويقول عضو لجنة النفط والطاقة النيابية العراقية رزاق محيبس إن بيع النفط المهرب مازال مصدراً مهما من مصادر التمويل لتنظيم “داعش” في العراق وسوريا إلى جانب عمليات الخطف والسلب والنهب وسرقة الآثار وبيعها.
صحيفة العرب اللندنية