إذا كنت في مخيم وتعتاش على 13 دولارًا فقط أكيد ستسعى للهجرة، هذا هو حال اللاجئين السوريين وهذا ما قاله الوزير البريطاني السابق ديفيد ميليباند في ندوته في منتدى دافوس. وأكمل وجهة نظره بأنه لا يعني أن الحل في زيادة الإنفاق على اللاجئين بل السعي لحل يعيدهم إلى ديارهم، بوقف قصف بيت من بقي في سوريا بالبراميل المتفجرة من قبل النظام، ومن قصف المقاتلات الروسية، ومن اعتداءات تنظيم داعش. وحتى في بلد مثل النمسا يصرف ثمانمائة وخمسين يورو للاجئ كل شهر، يعرف أنه لن يستطيع تقليص تداعيات انهيار اللاجئين عليه. والثمن لا يحتسب بالدولارات بل أعظم من ذلك، حيث الأوضاع والمجتمعات والأنظمة السياسية.
ما لم توقف هذه المجازر، سيظل الملايين من السوريين يبحثون عن مأوى آمن. اثنا عشر مليون سوري تركوا بيوتهم هربًا، وبقي اثنا عشر مليونا آخرون، ولا يزال كل يوم يغادر المئات منازلهم فرارًا من القتل والجوع والبرد، والبقية حياتهم معلقة في مخيمات أوضاعها غير إنسانية. هذه قضية لن تتبخر لأن هناك بضعة سياسيين طبخوا حلاً يرضي إيران وروسيا في فيينا أو جنيف.
الأموال الضخمة التي تنفق على الأمن والرعاية للاجئين السوريين في المنطقة وأوروبا والعالم، كان يمكن توفيرها لو أن المجتمع الدولي تدخل ضد نظام بشار الأسد في السنوات الخمس الدامية الماضية، لكنه لم يفعل وهذه هي النتيجة الطبيعية للحروب. وكل مرة ننتقد عدم تحرك المجتمع الدولي يعتقد البعض أن التحرك هو إرسال جيوش إلى سوريا، في حين أن كل المطلوب وقتها السماح للسوريين بشراء أسلحة دفاعية تمكنهم من وقف قصف الطائرات. على مدى سنوات قام النظام السوري باستهداف المدن من أجل إخراج مئات الآلاف من الناس، في سياسة واضحة تهدف إلى تطهيرٍ مَس الملايين من الناس.
المجتمع الدولي رفض التدخل العسكري، ورفض بيع سلاح يحول دون القصف الجوي مثل صواريخ أرض جو، ومنع الدول التي تملكها أن تمنحها أو تبيعها للجيش الحر السوري. بعد هذا الموقف المتخاذل من الطبيعي جدًا أن تتسع دائرة الأزمة، وتصبح مشكلة لدول المنطقة وأوروبا التي تقع فقط عبر البحر الأبيض المتوسط، ولا يفصل سوريا عن أوروبا سوى دولة واحدة هي تركيا. وهكذا اتسعت الدائرة، ففي الأردن مليونا لاجئ، ومليون في لبنان، ومليونا لاجئ في تركيا، ومليون في القارة الأوروبية. والبقية تائهون في الجوار الكردي والعراقي وداخل سوريا نفسها.
أزمة اللاجئين السورية في الأردن ولبنان وألمانيا وبقية دول العالم لم تنتهِ، ولا نعرف بعد ما ستؤول إليه، طالما أن الحديث والعمل في معظمه حول تنظيم داعش، الذي هو نتيجة لمأساة سوريا ونتيجة لإهمال التعاطي معها منذ البداية. وبغض النظر عما يفعله النظام والروس والإيرانيون، لا نرى أملاً في حل سياسي رغم كل ما يقال من أن المسافة صارت أقصر بين الفرقاء في الكواليس.
عبدالرحمن الراشد
صحيفة الشرق الأوسط