تحت عنوان: «مسيرة أسعار النفط»، كتبت مقالاً في هذا الحيز، نشرته «الحياة» في 8/7/2008. وقبل أن أقتطف جزءاً منه اليوم، أشير إلى أن الأسعار التي وردت في ذلك المقال تم تعديلها من دولارات (بأسعار 1997) إلى دولارات (بأسعار 2015). ومما جاء في ذلك المقال:
«تم اكتشاف النفط بصفته مصدراً للطاقة عام 1858 في منطقة أُونتاريو في كندا، وفي ولاية بنسلفانيا الأميركية عام 1859، حين وصلت كمية إنتاج عدد صغير من الآبار إلى 25 برميلاً يومياً من البئر الواحدة. وكان إنتاج 25 برميلاً يعتبر إنتاجاً تجارياً كبيراً مجزياً لمن يحالفه الحظ، ويستطيع الإنتاج بذلك المستوى.
وبعد ذلك بنحو 12 سنة وصل سعر البرميل الواحد إلى مبلغ 4.65 دولار، أو 58.53 دولار بالقيمة الشرائية للدولار عام 2015، أي بالقيمة الشرائية للدولار بعد أكثر من مئة وخمسين عاماً من اكتشافه واستخدامه بصورة تجارية. ثم سرعان ما هبطت الأسعار إلى 13.56 بدولارات 2015، أو 0.52 بدولارات 1892، بعد اكتشاف حقل كان يعتبر كبيراً في ذلك الوقت في شمال شرقي ولاية أوكلاهوما الأميركية (*1) عام 1892. وهو هبوط كبير من أكثر من أربعة دولارات ونصف دولار إلى نحو نصف دولار وسنْتين اثنين بدولارات ذلك الوقت.
ثم عادت الأسعار إلى الارتفاع في عام 1895 لأسباب سياسية ليس هذا مكان بحثها فوصلت إلى 1.15 دولار، أو ما يعادل 16.49 أيضاً بالقيمة الشرائية للدولار عام 2015. وما لبثت أكثر من عشر سنوات عند هذا المستوى، فعادت وهبطت إلى 11.15 دولار بسعر عام 2015 أي ما يعادل 0.63 بالقيمة الشرائية للدولار عام 1905. واستمر الحال بين صعود وهبوط بين تلك المستويات إلى عام 1974، حين وصل سعر البرميل الى 6.39 دولارات بالقيمة الشرائية للدولار عام 1974 بعد حرب أكتوبر 1973. وهو ما يعادل 108.51 بدولارات 2015».
ولكن السؤال ليس ما حدث منذ نحو قرنين، وإنما ماذا سيحدث في المستقبل القريب؟
وكل من يزعم أنه يعرف المستوى الذي ستصل إليه أسعار النفط في يوم نشر هذا المقال أو بعد ذلك ببضعة أشهر، فإنه يهرف بما لا يعرف، حتى لو كان بيت خبرة، أو كان أستاذاً في قسم الاقتصاد في جامعة هارفارد، ويعتبر متخصصاً في «اقتصاديات البترول».
إن الذي يحدد سعر النفط، مثل أي سلعة أخرى، هو الكميات المعروضة، والكميات المطلوبة، والكميات «المتوقع» وصولها إلى المستهلكين بأنواعهم كافة، والكميات «المتوقع» طلبها.
ويتعذر تحديد كمية كل ما يمكن عرضه، لأن منتجي النفط كثيرون وتتعارض مصالحهم. وهم حتماً ليسوا الدول الأعضاء في «أوبك» وروسيا والولايات المتحدة الأميركية فقط، وإنما دول أخرى قليلة الإنتاج، ولكنها مجتمعة لها تأثيرها. أما «المتوقع» عرضه، فليس فقط الطاقة الإنتاجية لكل منتج، وإنما أيضاً العوامل الأمنية التي تحيط بممرات تصدير النفط، كالمشكلات الأمنية والإنسانية، وإرهاب «داعش»، وإرهاب النظام السوري وأعوانه من الميليشيات، التي ترتكب المجازر في سورية، بل وفي بعض مناطق العراق.
وكلما هبطت أسعار النفط بنسبة كبيرة أو صغيرة على حد سواء، أتانا من يطالب بخفض إنتاج دول الخليج العربية، وخاصة السعودية، أي خفض المعروض لتحقيق ارتفاع الأسعار.
ومن الواضح أن المستفيد من خفض الإنتاج، لو تم، لن يكون عرب الخليج العربي.
وإضافة إلى الدول التي تطالب دوماً منذ أكثر من 50 سنة بخفض الإنتاج، وهي لا تفعل، وإنما تريد غيرها أن يخفضوا إنتاجهم، خصوصاً السعودية، ينضم إليهم، على الأقل حينما تتدنى الأسعار، كبار المضاربين في أسواق البترول الآجلة من سماسرة أفراد، ومن منشآت مالية مختلفة الأحجام.
علي بن طلال الجهني
صحيفة الحياة اللندنية