اختتم حزب الشعب الجمهوري مؤتمره، وحدث تغيير تسميته إلى “مؤتمر الأخوة والديمقراطية والتغيير “. لكن تغيير الاسم كان شكليا فقط لأن قائمة انتخابات مجلس الحزب كانت مليئة بالثغرات، ورئاسة الحزب كانت مقتصرة على كليجدار أوغلو فقط، كما أضيف 29 نائبا فقط لمجلس الحزب، بحيث ينتظر زعماء الحزب أياما عصيبة.
علاوة على ذلك، نرى أن المؤتمر لم يقدّم أي تجديد ولم يتفاعل إيجابيا مع تركيا؛ “نفس الخطبة ونفس الخطيب”.
عدّد كليجدار أوغلو أول خمسة بنود من لائحة حزب الشعب الجمهوري، ولم يطرح أي نقد بنّاء، ولا رؤية واضحة عن تركيا، حيث أنه لم يستطع حتى وضع هدف لحزبه.
ما الذي احتواه مؤتمر حزب الشعب الجمهوري؟
تضمّن المؤتمر الإساءة لرئيس الجمهورية أردوغان، وللفئة الشعبية التي انتخبته، والتصفيق للانقلاب الذي قام به “كنعان افرن”.
شهدت منذ أن بدأت العمل في مهنتي هذه أيام “داميرال وأجاويد” و”أربكان وتركش”، وكل الأحداث السياسية منذ عهد “تورجوت أوزال”، و”مسعود يلماز” و”تانسو تشللر” و”دنيز بايكال”، وكذلك من تبعهم “تورجوت سونالب” و”نجدت جلب”، إلاّ أنني لم أشهد أبدا مثيلا لإساءة كليجدار أوغلو،
حتّى أنه تم التعرّض للأزواج والأبناء والأعراض في الجدل السياسي، الذي تجاوز كلّ الحدود.
وهكذا تحطّم مفهوم “المعارضة الإيجابية “، وحلّ مكانها سياسة السب والشتم.
كان ينتقد أردوغان لأنه ذكر عبارة “الشرف والعرض”، التي أدلى بها رئيس الجمهورية في قسمه والتي نصّها؛ “أقسم بشرفي وعرضي أمام الأمة التركية العظيمة” الموجود في المادّة 81 من الدستور. كما أن القدماء كانوا يقولون “إن الإنسان كأسلوبه في الكلام “.
رئيس الجمهورية هو رمز لوحدة وعظمة الجمهورية التركية. حينما انتقد “سليمان داميرال” رئيس الجمهورية، “تورجت اوزال” بسبب تأييده للاحتلال الأمريكي للعراق، خلال حرب الخليج الأولى، متّهما إياه بتورّطه في خيانة الدولة، قام “تورجت اوزل” برفع دعوى ضده قيمتها 500 مليون ليرة، وخسرها داميرال، واضطر لدفع عشرة مليون ليرة تعويضا له. وبعد ذلك، وضّح أنه سعيد لأنه خسر القضية، وأثبت أن رئيس الجمهورية التركية لم يكن خائنا.
دعوى قضائية ضد كليجدار أوغلو
كما نسج رجب طيب أردوغان على منوال تورجت أوازل ، وقام برفع دعوى ضد كليجدار اوغلو قيمتها 100 ألف ليرة، وسوف نرى ما الذي سيقوله كليجدار أوغلو عند انتهاء القضية.
أهان نائب رئيس حزب الوطن الأم “أكرم باك دميرلي” الرئيس، ونعته بالكاذب، والمفتري، وذو العقل صغير، وبأنه غير ضليع بالسياسة” فحُكم عليه بغرامة قيمتها 83 ألف دولار كتعويض لداميرال، رغم أنه لم يتعرّض لا لعرضه ولا لشرفه.
أتعجب لماذا يعادي حزب الشعب الجمهوري دائما الزعماء الذين يحبهم الشعب، مثل “مندريس” الذي لم يكتفوا بالانقلاب عليه بل عذبوه وأهانوه وأعدموه، ولم يكفهم الإعدام بل طالبوا بقيمة الحبل الذي أعدم به.
كانوا يصفون “مندريس” بأنه ديكتاتور، ومن كان يتخيل أن يوصف رئيس الوزراء بذلك رغم أنه وصل إلى منصبه عبر الانتخابات، ثم انقلبوا عليه وأعدموه.
حكم “عصمت اينينو” وحزب الشعب الديمقراطي تركيا بعقلية الحزب الواحد طيلة 27 سنة، وكان كل المحافظين ورؤساء المناطق من الحزب الديمقراطي. كان أعضاء مجلس النواب يترشحون عن المناطق التي لم يذهبوا إليها أبدا، حتى أن رؤساء محكمة الاستقلال كانوا من أعضاء الحزب الجمهوري في مجلس النواب.
يعتبر الحزب الذي تورّط في “مجزرة درسيم”، ومحاكم الاستقلال وأحكام الإعدام، أن “مندريس” الذي يعتبر أحد رموز الديمقراطية هو ديكتاتور.
كان “تورجوت أوزال” ثائرا حقيقيا وزعيما للتغيير بإلغائه للمواد 141،142 و163 من الدستور، وفتحه للنقاش حول قضية الأكراد، وإنهائه لحالة الطوارئ، وتخليصه تركيا من الكثير من المحظورات، ورغم ذلك اتخذ الحزب الجمهوري من “أوزال” عدوا واعتبروه ديكتاتورا.
على خطى المجدّدين
اتّبع أردوغان الخطوط العريضة التي رسمها “مندريس” و”أوزال” “وأربكان”، وكان مساهما بشكل كبير في التغيير والتحول والتطور الذي حقّقته تركيا مثل التخلّص من وصاية العسكر، والسعي للدخول في الاتحاد الأوروبي، وإلغاء قانون منع الحجاب، وحل قضية الأكراد، والسماح للمحجبات بعضوية مجلس النواب، ودخول مجلس الوزراء، إدخال دروس القرآن الكريم ضمن المنهج الدراسي، وإلغاء التعليم الإلزامي ثمان سنوات في 28 فبراير ، والقضاء على “مخطط أماسيا”، وإلغاء المادة 35 للخدمة الداخلية للقوات التركية الخاصة التي كانت تمثل غطاءً قانونيا للانقلابات، ومحاسبة الانقلابين.
إن عقلية الحزب الجمهوري لا تحب ما يحبه الشعب، وتعادي ما تؤمن به الأمة.
اليوم، ظهر جليّا ما اتفق عليه كليجدار أوغلو مع “بهجلي” و”دميرطاش” وما سبب عدائهم لأردوغان.
أصبح أردوغان الزعيم الذي نهض بقيم هذا الشعب، والذي أظهر الزعامة التي افتقدها الشعب منذ أيام الدولة العثمانية حتى الآن، وأمل تركيا والأمة الإسلامية بأسرها، والصوت الجسور للعالم الإسلامي الذي عاش كل أنواع الظلم والاستعمار، وعلى سبيل المثال؛ يوسف من غزة، ومحمد من البوسنة، ويعقوب من أنقرة، يعرفون أن هناك زعيم يُدعى أردوغان سيسمع نداءهم ويتبنى قضاياهم. وهذا ما يعطيه القوة والأمل، ولهذا السبب هو يجسّد الزعامة الحقيقية.
لا تنطلق العداوة لأردوغان من المنافسة السياسية فحسب، بل هي عداوة غير مباشرة لما حقّقه من إنجازات للشعب وللأمة الإسلامية من قيم. إنهم يتحاملون على أردوغان لأنهم يعلمون أن فشل هذه المهمة العظيمة يكمن في سقوطه وتعثره، فخطّطوا لإسقاطه لهذا السبب في أحداث 17-25 ديسمبر/كانون الاول، وفي “أحداث غيزي”، وفي أزمة منظمة الاستخبارات القومية في 7 فبراير وكذلك في إنذار 27 ابريل.
عبدالقادر سلفي
تركيا بوست