وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، الذي كثَّف نشاطه في الأيام القليلة الماضية من أجل عقد مؤتمر جنيف الموعود، يحاول أن يحصل على تنازلات تؤدي في الأخير إلى حل سياسي للأزمة والمأساة السورية، في مشوار طويل من المفاوضات. وهي مهمة نبيلة لولا أن الوزير كيري لن يحصل على الحل الذي يتمناه، ويتمناه معظم دول العالم، بوقف القتال هناك. فالإصرار على تهميش دور المعارضة السورية الوطنية الحقيقية، وأي قبول باستمرار بشار الأسد في الحكم، لن يجلب سوى الفشل، حتى وإن تم التوقيع على اتفاق مبدئي في المفاوضات المقبلة.
والنقطة التي يجب ألا ينساها هؤلاء، لن يكون هناك حل مقبول للشعب السوري ما لم تؤيده دول الخليج وتركيا. لن يستطيع وزيرا خارجية الولايات المتحدة وروسيا فرض حل من دون دعم وترويج له من قبل هذه الدول، لأنها الوحيدة التي يوثق بوعودها عند غالبية السوريين في الداخل والخارج، بحكم تضامنها والتزامها معهم منذ بداية محنتهم. وبالتالي مفتاح الحل موجود في الخليج وتركيا، وليس في جنيف. وفي الوقت نفسه هذه الدول لا يعقل أن تقبل بتوقيع اتفاق، والدفاع عنه، يبقي الأسد رئيسًا. أمر لن يرضى به أحد في معظم العالم العربي، الذي يعتبر الأسد أعظم مجرم عرفته المنطقة. هذا بالنسبة لمشاعر ملايين الناس الغاضبة هنا. أما من حيث الحسابات السياسية للحكومات فإن دول الخليج تعرف أنه من قبيل الانتحار لها أن تترك سوريا أيضًا للنظام الإيراني الذي يتمدد في منطقتها مثل السرطان.
وربما، من المفيد أيضًا تذكير الوزير كيري كيف تبدو الصورة من الجانب العربي. الولايات المتحدة ترفع العقوبات عن إيران، وتعطيها دفعة أولى خمسين مليار دولار. وتتعاون معها عسكريًا في العراق. وتغمض عينيها عن إدارتها للميليشيات من أنحاء العالم للقتال في سوريا. ولا تكتفي بالتعامل مع نظام الأسد، بل تسكت عن تزوير الإيرانيين هوية المعارضة السورية، التي تريد فرض قائمة شخصيات ومنظمات تدعي أنها معارضة، وهي جزء من النظام السوري؛ أي من خلالها.. الأسد يفاوض نفسه!
لم نعرف في تاريخ حوار الأزمات أن يقرر طرف على الطرف الآخر من الطاولة من يمثلهم!
وحتى لو ساقوا المعارضة مرغمة إلى النهر فإنهم لن يستطيعوا أن يجبروها على أن تشرب منه. ولو وقَّعت اتفاقًا يقضي بتشكيل حكومة مشتركة مزورة، كما يأمل الإيرانيون، فإن هذه الحكومة لن يسمح لها بجمع القمامة؛ أي لن يعترف أحد بشرعيتها، فما بالنا في وقف القتال وجمع السلاح وعودة اللاجئين، وإجراء مصالحات متعددة.
السوريون قد يقبلون بحكومة مشتركة مع نظام يكرهونه حبًا في السلام، لكن لا يعقل أن يطلب منهم أيضًا القبول بأن يستمر في حكمهم بالذي قتل أكثر من ثلث إنسان. وأستبعد أن ترضى بهذا الحل حكومات الخليج وتركيا التي تعرف أن هذا الحل سيرفع من وتيرة الحروب في المنطقة.
عبدالرحمن الراشد
صحيفة الشرق الأوسط