ارتبط التاريخ المعاصر لإيران بمسار سياسي غير إيجابي اتجاه محيط جوارها الإقليمي العربي، فقد مارست هذه الدولة التي نتقاسم معها تراث وقيم الإسلام، دور شرطي منطقة الخليج طوال حكم الشاه، وكانت تخدم المصالح الأمريكية خدمة يندر أن نجد لها مثيلاً في الوفاء والتفاني، وتحوّلت بعد سقوط الشاه إلى مصدر لثورة عنوانها الأبرز العمل على زعزعة استقرار المنطقة والسعي إلى تشجيع جماعات الإسلام السياسي، كما فعلت ذلك في مصر والجزائر والعراق، وكما تمارسه الآن في البحرين واليمن.
ويمكن القول إن إيران قد انتقلت خلال العقود القليلة الماضية من تطرف إلى تطرف آخر، أي من حكم تغريبي عنوانه الأكبر الذوبان في قيم الحضارة الغربية، إلى حكم نموذج الإسلام السياسي الذي يسيطر فيه رجال الدين على السلطة، ويجعلون السلطة التنفيذية التي يختارها الشعب، تحت وصاية رجل دين يفرضه أقرانه من النخبة المُهيمنة على المرجعية الدينية، بعيداً عن رقابة وسيادة الشعب الذي هو مصدر كل السلطات في المجتمعات الديمقراطية.
ونستطيع أن نزعم في هذا السياق أن المثل العربي الدارج الذي يقول: الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده، يصحّ بشكل كبير على العلاقات الأمريكية – الإيرانية، فالكراهية العمياء التي أبدتها القيادة الإيرانية في مرحلة ما بعد الثورة تجاه واشنطن، تفصح عن وجود وشائج محبة كبيرة بين الجانبين، فلا يكره بقوة إلا من يحب بقوة ويسعى إلى الفناء في حب معشوقه. ويصدق ذلك بشكل كبير على العلاقة بين هاتين الدولتين اللتين يمتزج لديهما الحب بالكراهية، فقد حاولت إيران أن تشاغب أمريكا بشأن ملفات عدة من أبرزها ملف الشرق الأوسط والصراع العربي – «الإسرائيلي»، الذي سعت طهران من خلاله إلى أن تكون ملكية أكثر من الملك؛ وأرادت أن تزايد على البلدان العربية في صراعها مع العدو الصهيوني، رغم أن دول الطوق العربي رحبت، في مناسبات عدة، بالدعم الذي يمكن أن تقدمه القوى الإقليمية من أجل المساعدة على حسم هذا الصراع الوجودي الذي تحوّل مع مرور السنين إلى مواجهة مفتوحة ما بين الحضارتين العربية – الإسلامية والحضارة المسيحية – اليهودية. وبالتالي فإن المشكلة لم تكن متعلقة في يوم من الأيام بدعم المقاومة الفلسطينية والعربية في مواجهة العدوان والغطرسة «الإسرائيليتين»، وإنما كانت، ولا تزال متصلة بشكل وثيق بالتوظيف السياسي والأيديولوجي لهذا الدعم، الذي يتعارض في أحايين كثيرة مع مبادئ سيادة واستقلالية الدول، وبخاصة عندما تلجأ إيران إلى دعم الأحزاب على حساب السلطات الشرعية في الدول الوطنية.
إن الدول العربية تطمح في كل الأحوال إلى تأسيس علاقات متوازنة مع الجار الإيراني الذي تجمعها معه علاقات تاريخية متميزة، يصعب تجاوزها أو القفز عليها، فالعرب ما زالوا ينتظرون تلك اللحظة التاريخية التي تقتنع فيها طهران بضرورة لعب دور إيجابي ومحايد في علاقاتها مع دول الخليج والعراق، وتوقف بذلك تدخلها في الشؤون الداخلية للدول العربية وتتقبل بمفاوضات جدية تفضي إلى إعادة الجزر الإماراتية المحتلة إلى سيادة أصحابها الشرعيين. ونعتقد في هذه العجالة أن إيران تسيء من خلال سياستها الخارجية الحالية غير الودية، إلى كل المواطنين الشيعة في الوطن العربي، لأنها تنصِّب نفسها كوصي على التشيّع في العالمين العربي والإسلامي، وتمنع نتيجة لهذا السلوك المندفع وغير المتوازن، قسماً كبيراً من الشيعة العرب من أن يكونوا مواطنين عاديين في دولهم الوطنية، التي تأسست في الأصل بناءً على أسس حديثة، تؤمن بقيم المواطنة المشتركة بعيداً عن التقسيمات الطائفية التي تسيء إلى كل أطياف المجتمع على اختلاف انتماءاتهم الطائفية والمذهبية.
ويتمنى العرب في السياق نفسه، أن يُسهم قرار رفع العقوبات الاقتصادية على الجار الإيراني في إقناع القيادة الإيرانية بضرورة تبني سياسة أكثر إيجابية تعتمد على التعاون في حل أزمات المنطقة المزمنة، عوض الدفاع عن سياسية خارجية قائمة على المحاور والنفوذ، ولاسيما بعد التصريحات الإيرانية الأخيرة التي تشير من خلالها بعض القيادات إلى دورها في ما تسميه «صناعة القرار» في 4 دول عربية مستقلة وذات سيادة.
ونستطيع القول إنه، وباستثناء الملف السوري الشديد التعقيد الذي بات يتجاوز، في المرحلة الراهنة، المحيط الإقليمي، وبخاصة بعد أن تحوّل إلى قضية دولية ذات رهان استراتيجي كبير ترعاها الأمم المتحدة والدول الكبرى؛ فإن الدول العربية تأمل أن توقف طهران أعمالها العدائية في اليمن وتدخلها المثير للجدل في اللعبة السياسية الداخلية للعراق، من أجل التوصل إلى وضع لبنات جديدة لعلاقات عربية – إيرانية جديدة قائمة على الاحترام المتبادل، وتجنّب الانخراط في إثارة الفتن في البحرين والتطاول على السعودية.
لا مندوحة من الاعتراف في الأخير بأن الدول العربية من المحيط إلى الخليج ليست لها أية عداوة مع الشعب الإيراني الشقيق، ولكن مشكلتها ومشكلة الشعب الإيراني نفسه، ستظل مع معضلة الإسلام السياسي، الذي سيطر على السلطة في طهران واحتجز الثورة الشعبية التي قامت في الأصل ضد القمع والفساد، ووضع قواعد لعبة سياسية خطرة وطائفية تفتقد التعقل والعقلانية، لعبة يرى الكثيرون أنها تعتمد على دبلوماسية المغامرة وسياسة تصدير الثورة. وذلك في اعتقادنا هو ديدن الإسلام السياسي الذي يعتقد أصحابه ومروجوه أنهم مطالبون بإصلاح الكون والتحكم في رقاب البلاد والعباد، مع العمل على ملء هذه الأرض «عدلاً» بعد أن ملئت ظلماً وجوراً، وينسون أو يتناسون أنه ليس هناك جور أكثر من جور الطغيان الطائفي، وليس هناك ظلم أفظع من الظلم القائم على الاستبداد باسم الدين.
ويمكن القول إن إيران قد انتقلت خلال العقود القليلة الماضية من تطرف إلى تطرف آخر، أي من حكم تغريبي عنوانه الأكبر الذوبان في قيم الحضارة الغربية، إلى حكم نموذج الإسلام السياسي الذي يسيطر فيه رجال الدين على السلطة، ويجعلون السلطة التنفيذية التي يختارها الشعب، تحت وصاية رجل دين يفرضه أقرانه من النخبة المُهيمنة على المرجعية الدينية، بعيداً عن رقابة وسيادة الشعب الذي هو مصدر كل السلطات في المجتمعات الديمقراطية.
ونستطيع أن نزعم في هذا السياق أن المثل العربي الدارج الذي يقول: الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده، يصحّ بشكل كبير على العلاقات الأمريكية – الإيرانية، فالكراهية العمياء التي أبدتها القيادة الإيرانية في مرحلة ما بعد الثورة تجاه واشنطن، تفصح عن وجود وشائج محبة كبيرة بين الجانبين، فلا يكره بقوة إلا من يحب بقوة ويسعى إلى الفناء في حب معشوقه. ويصدق ذلك بشكل كبير على العلاقة بين هاتين الدولتين اللتين يمتزج لديهما الحب بالكراهية، فقد حاولت إيران أن تشاغب أمريكا بشأن ملفات عدة من أبرزها ملف الشرق الأوسط والصراع العربي – «الإسرائيلي»، الذي سعت طهران من خلاله إلى أن تكون ملكية أكثر من الملك؛ وأرادت أن تزايد على البلدان العربية في صراعها مع العدو الصهيوني، رغم أن دول الطوق العربي رحبت، في مناسبات عدة، بالدعم الذي يمكن أن تقدمه القوى الإقليمية من أجل المساعدة على حسم هذا الصراع الوجودي الذي تحوّل مع مرور السنين إلى مواجهة مفتوحة ما بين الحضارتين العربية – الإسلامية والحضارة المسيحية – اليهودية. وبالتالي فإن المشكلة لم تكن متعلقة في يوم من الأيام بدعم المقاومة الفلسطينية والعربية في مواجهة العدوان والغطرسة «الإسرائيليتين»، وإنما كانت، ولا تزال متصلة بشكل وثيق بالتوظيف السياسي والأيديولوجي لهذا الدعم، الذي يتعارض في أحايين كثيرة مع مبادئ سيادة واستقلالية الدول، وبخاصة عندما تلجأ إيران إلى دعم الأحزاب على حساب السلطات الشرعية في الدول الوطنية.
إن الدول العربية تطمح في كل الأحوال إلى تأسيس علاقات متوازنة مع الجار الإيراني الذي تجمعها معه علاقات تاريخية متميزة، يصعب تجاوزها أو القفز عليها، فالعرب ما زالوا ينتظرون تلك اللحظة التاريخية التي تقتنع فيها طهران بضرورة لعب دور إيجابي ومحايد في علاقاتها مع دول الخليج والعراق، وتوقف بذلك تدخلها في الشؤون الداخلية للدول العربية وتتقبل بمفاوضات جدية تفضي إلى إعادة الجزر الإماراتية المحتلة إلى سيادة أصحابها الشرعيين. ونعتقد في هذه العجالة أن إيران تسيء من خلال سياستها الخارجية الحالية غير الودية، إلى كل المواطنين الشيعة في الوطن العربي، لأنها تنصِّب نفسها كوصي على التشيّع في العالمين العربي والإسلامي، وتمنع نتيجة لهذا السلوك المندفع وغير المتوازن، قسماً كبيراً من الشيعة العرب من أن يكونوا مواطنين عاديين في دولهم الوطنية، التي تأسست في الأصل بناءً على أسس حديثة، تؤمن بقيم المواطنة المشتركة بعيداً عن التقسيمات الطائفية التي تسيء إلى كل أطياف المجتمع على اختلاف انتماءاتهم الطائفية والمذهبية.
ويتمنى العرب في السياق نفسه، أن يُسهم قرار رفع العقوبات الاقتصادية على الجار الإيراني في إقناع القيادة الإيرانية بضرورة تبني سياسة أكثر إيجابية تعتمد على التعاون في حل أزمات المنطقة المزمنة، عوض الدفاع عن سياسية خارجية قائمة على المحاور والنفوذ، ولاسيما بعد التصريحات الإيرانية الأخيرة التي تشير من خلالها بعض القيادات إلى دورها في ما تسميه «صناعة القرار» في 4 دول عربية مستقلة وذات سيادة.
ونستطيع القول إنه، وباستثناء الملف السوري الشديد التعقيد الذي بات يتجاوز، في المرحلة الراهنة، المحيط الإقليمي، وبخاصة بعد أن تحوّل إلى قضية دولية ذات رهان استراتيجي كبير ترعاها الأمم المتحدة والدول الكبرى؛ فإن الدول العربية تأمل أن توقف طهران أعمالها العدائية في اليمن وتدخلها المثير للجدل في اللعبة السياسية الداخلية للعراق، من أجل التوصل إلى وضع لبنات جديدة لعلاقات عربية – إيرانية جديدة قائمة على الاحترام المتبادل، وتجنّب الانخراط في إثارة الفتن في البحرين والتطاول على السعودية.
لا مندوحة من الاعتراف في الأخير بأن الدول العربية من المحيط إلى الخليج ليست لها أية عداوة مع الشعب الإيراني الشقيق، ولكن مشكلتها ومشكلة الشعب الإيراني نفسه، ستظل مع معضلة الإسلام السياسي، الذي سيطر على السلطة في طهران واحتجز الثورة الشعبية التي قامت في الأصل ضد القمع والفساد، ووضع قواعد لعبة سياسية خطرة وطائفية تفتقد التعقل والعقلانية، لعبة يرى الكثيرون أنها تعتمد على دبلوماسية المغامرة وسياسة تصدير الثورة. وذلك في اعتقادنا هو ديدن الإسلام السياسي الذي يعتقد أصحابه ومروجوه أنهم مطالبون بإصلاح الكون والتحكم في رقاب البلاد والعباد، مع العمل على ملء هذه الأرض «عدلاً» بعد أن ملئت ظلماً وجوراً، وينسون أو يتناسون أنه ليس هناك جور أكثر من جور الطغيان الطائفي، وليس هناك ظلم أفظع من الظلم القائم على الاستبداد باسم الدين.
الحسين الزاوي
صحيفة الخليج