نشرت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية يوم الثلاثاء الماضي مقالاً بعنوان «هل ارتكبت السعودية جرائم حرب في اليمن؟» نشرته الـ«بي بي سي» العربية مترجمًا.
المقال استشهد بمنظمتين دوليتين هما «أطباء بلا حدود» و«منظمة العفو الدولية» التي علقت على تقرير «الإندبندنت»: «إن الهجمات التي يقوم بها التحالف ترقى إلى جرائم حرب».
«الإندبندنت» و«بي بي سي» و«أطباء بلا حدود» و«الأمنستي» أربع من القوى الناعمة التي أعلنت كوندوليزا رايس أن مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يهدف لإسقاط الدول القائمة وخلق تقسيمات جديدة بدلاً منها «مشروع لن تقوده الجيوش بل ستقوده (القوى الناعمة)» إعلام ومنظمات مدنية!!
كان لازمًا علينا منذ ذلك الحين امتلاك زمام الأمور وأن تكون لدينا كدول مجلس التعاون «قوى ناعمة» وطنية تعرف كيف تتعاطى بحرفية ومهنية مع عالم تماهت فيه الحدود السيادية لتتمكن من التصدي لأي محاولة اختراق أجنبية.
أصبح لازمًا على دول الخليج والدول العربية كمصر واليمن الإقرار بأن موضوع «حقوق الإنسان» الذي وظفته صحيفة «الإندبندنت» سيعد مدخلاً ومفتاحًا وجسرًا ومنفذًا مغريًا للدول التي لديها مصالح عندنا تعجز أن تنالها منا بالطرق (السلمية) فتستخدم هذا الملف للضغط علينا وابتزازنا، لذا فإن أعدوا لهم ما استطعتم لا بد أن يشمل، إضافة إلى إعداد الجيوش، إعداد ما يسمى بالقوى الناعمة وفتح المجال لمنظمات مدنية وطنية تمثلنا كشعوب خليجية وعربية لتواجه هذه الهجمات الشرسة علينا والتي تسلط سيف الملف الحقوقي على رقابنا لا خدمة لتلك الحقوق إنما لابتزازنا ولفتح باب التدخلات الدولية في بلداننا.
فتلك المنظمات والمؤسسات الدولية التي يستعين بها المشروع تتخذ من الملف الحقوقي قميصًا لعثمان مرة بادعاءات التعذيب ومرة بادعاءات الاتجار بالبشر ومرة بادعاءات الإساءة للعمالة الأجنبية ومرة بادعاءات القمع وإباحة الإعدام و… و… و… و… إلخ. أداة ابتزاز وضغط نخشاها أحيانًا فنخضع لها أو نتحايل عليها – إلى حين – وما ذلك إلا لأننا دول لم نستعد استعدادًا ونتهيأ بشكل احترافي لسد هذا المنفذ والاستقرار بأوضاعه وما زال التعاطي مع هذا الملف خاضعًا لرد فعل اللحظة ويكون تعاطيًا دفاعيًا يأتي لاحقًا دائمًا بعد وقوع الفأس في الرأس.
رغم علمنا بأن الكثير من تلك المنظمات فقد مصداقيته كـ«هيومان رايتس ووتش» التي تأسست وتتبع الأجندة الأميركية الاستخباراتية، و«الأمنستي» التي تتبع الخارجية البريطانية و«الفيدرالية الدولية» التي تتبع فرنسا ومعها بعض الدول الأوروبية، إلا أنه لا بد من الإقرار بأن تلك المنظمات لها ثقلها وتأثيرها على قرارات منظمات ومجالس الأمم المتحدة، ولم تعد التقارير الرسمية الخليجية أو العربية التي تعدها الحكومات كافية للتصدي لهذه المنظمات، إذ لا يفل الحديد غير الحديد كما يقال، ولا يقف في وجه هذه المنظمات إلا مؤسسات مدنية مهنية احترافية وطنية تتأسس وتبنى بشكل سليم ومستقل عن المسار الرسمي، مؤسسات مهنية تصدر تقاريرها بشكل مهني لها مساحة من الحرية لانتقاد أداء الحكومات ولكنها في نهاية المطاف ترفض أن تكون أداة في يد المنظمات الدولية ومنفذًا وثغرة تسمح لها بالتدخل الدولي، تمامًا كما فعلت «الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان» التي وقفت وساعدت المملكة العربية السعودية في مجلس حقوق الإنسان حين رفضت المقترح الأوروبي الذي قدمته هولندا لتشكيل لجنة دولية لتقصي الحقائق في اليمن، وساندت الفيدرالية العربية مقترح المملكة العربية السعودية بالاكتفاء بلجنة تقصي حقائق وطنية يمنية، فكان لوجودها كفيدرالية جامعة لمنظمات حقوقية أهلية وقع أكبر في التأثير على القرار من أي حراك رسمي.
بالإضافة إلى اللقاءات مع ممثلي الدول أقامت الفيدرالية مؤتمرًا واعتصامًا ومعرضًا للصور يبين الجرائم الحوثية فكان ضغطًا مدروسًا وموجهًا في محله.
ولم يكن للفيدرالية العربية أن تحصد الأصوات لصالح حفظ السيادة اليمنية لولا أنها عملت بشكل احترافي وله ثقله ومصداقيته بشهادات الخبرة التي نالها أعضاؤها من مؤسسات معترف بها رغم أنها حديثة التأسيس والتكوين ولم يمض على تدشينها سوى 8 أشهر فقط.
هذا النوع من الإعداد والاستعداد والتأهيل للقوى الناعمة هو ما نحتاجه للمرحلة القادمة، فمن يتربص بنا ساهم في تأسيس منظمات محلية لها أجندات سياسية لا يعنيها موضوع حقوق الإنسان إلا بقدر ما يخدم هذا الملف أهدافها السياسية، وارتضت أن تتحالف مع أعداء وطنها وقبلت باختراق سيادته، فاعتمدتها تلك المنظمات الدولية ممثلاً لشعوبنا!
على الحكومات الخليجية التوقف عن الاكتفاء بممثليها الرسميين من وزراء ودبلوماسيين البعض منهم يتخذ من العمل الدبلوماسي موقعًا للاستقبال والتوديع، ومن يعمل باجتهاد فإن صوته غير مسموع في تلك المحافل، على العكس من المنظمات المدنية التي لتقاريرها الموازية صدى ووقع أكثر تأثيرًا.
لن يهدأ ولم ينتهِ بعد هدف مشروع الشرق الأوسط وتقسيم المنطقة، وإسقاط الدول هدف ما زال قائمًا والتحالف مع الجماعات الدينية ما زال مستمرًا وبعد أيام سنطالب بمراجعة تقرير مملكة البحرين الدوري ولا ندري مدى استعداد البحرين لهذا اليوم، كما سنطالب بعرض نتائج تحقيق اللجنة الوطنية اليمنية لتقصي الحقائق بعد أيام أيضًا والتي لا ندري إلى أين وصلت وهل عملت بجدية استعدادًا لهذا اليوم أم لا؟ ومثلها سنرى ضغطًا على الإمارات.
جميعنا مستهدفون دون استثناء، فهل أعددنا قوانا الناعمة لتلك المواجهات الميدانية؟
سوسن الشاعر
نقلا عن الشرق الاوسط