بعد قرار الإمارات بتخفيض المستوى الدبلوماسي مع إيران، وقطع عدة دول عربية علاقاتها مع طهران، قامت الأخيرة بإعداد دراسات مغلوطة خالفت في إحصائياتها ما تضمنته نفس الدراسات قبل القرار الإماراتي بهدف الترويج إلى فكرة أن دولة الإمارات العربية المتحدة ستتضرر في حال تم قطع العلاقات بين البلدين. وأشارت هذه الدراسات إلى بدائل يمكن لإيران أن تلجأ إليها في حال قررت دولة الإمارات معاقبة النظام الإيراني بسبب سلوكه العدائي تجاه البلدان العربية، وهذه الورقة تكشف حقيقة المتضرر من قطع العلاقات بين البلدين.
ويبدو أن الهاجس الإيراني من قيام الإمارات بقطع علاقتها مع إيران هو هاجس اقتصادي، إذ تم الكشف عن دراسة أعدتها جهات اقتصادية إيرانية تتضمن 2000 صفحة حول حجم التبادلات التجارية بين أبوظبي وطهران وإيجاد بدلائل تجاريين عن الإمارات واستبدال الموانئ الإماراتية بغيرها من التي من الممكن أن تسد مكانها، في حين تقرر قطع العلاقات بين البلدين.
وفي هذه الدراسة تم وضع ميناء “طرابزون” في تركيا ومسقط في عُمان كبدائل تجارية عن الإمارات، وتضمنت الدراسة سبل تنفيذ وتحقيق هذا الهدف، وأوضحت أن حجم التبادلات التجارية بين الإمارات وإيران بلغ أكثر من 14 مليار دولار، ويمكن تعويض هذه المبادلات التجارية عن طريق ميناء “طرابزون” التركي ومسقط العُماني، في حين أن كافة التقارير والدراسات التي صدرت من داخل إيران وخاصة من الجمارك الإيرانية قبل القرار الإماراتي بتخفيض العلاقات مع طهران، كانت تؤكد أن الإمارات أكبر مصدر لإيران وحجم التبادلات التجارية السنوية بين البلدين بلغ 30 مليار دولار، وهو ما يثبت عدم مصداقية هذه الدراسات، وأنها لغاية الحرب الإعلامية والاستهلاك المحلي.
من ناحية أخرى قال عضو غرفة التجارة في طهران يحيى آل سحاق: إنه تم إعداد دراسة من 2000 صفحة حول العلاقات مع الإمارات، وتم خلالها وضع بدائل تجارية عن الإمارات في حال تمّ تغيير العلاقات بين البلدين، وهذه البدائل هي عُمان وميناء تراملان في تركيا، وأضاف أن حجم التبادلات التجارية السنوية بين الإمارات وإيران أكثر من 10 مليار دولار، وأكد أن إيران أقل الخاسرين من قطع العلاقات مع الدول الخليجية، وأضاف إننا بكل بساطة يمكننا أن نستبدل موانئ عُمان بموانئ الإمارات في تجارة السلع ودخولها إلى إيران.
رغم عدم وجود إحصائيات متفق عليها حول حجم التبادلات التجارية بين الإمارات وإيران، إلا أنه من غير شكّ أن قطع العلاقات التجارية بين البلدين سيؤثر كثيرا على الجانب الإيراني، لأن التبادلات التجارية بين الإمارات وإيران حسب العديد من التقارير بلغ قرابة 30 مليار دولار سنويا، في حين بلغ إجمالي التجارة الخارجية الإماراتية نحو 400 مليار دولار، أي أن حجم التجارة الإماراتية مع إيران يشكل فقط ما نسبته 7.5 بالمئة من إجمالي تجارة الإمارات الخارجية.
بينما الإحصائيات المقدمة من الجمارك الإيرانية تفيد بأن دولة الإمارات العربية المتحدة هي أكثر دول العالم تصديرا إلى إيران، وتشكل صادراتها إلى إيران ما يقارب 29 بالمئة من إجمالي مستوردات إيران، وأن حجم صادرات الإمارات إلى إيران خلال أوّل شهرين من العام الإيراني 1393 (من 21 مارس إلى 20 مايو) وصل إلى أكثر من مليون و950 ألف طن، بقيمة 2 مليارات و225 مليون دولار.
وفي دراسة أخرى أظهرت أن الإمارات خلال فصل الربيع من عام 2014 كانت أكبر الدول المصدرة لإيران، إذ شكلت ما نسبته 27 بالمئة من مجموع الواردات الإيرانية، وبلغ حجم الصادرات الإماراتية لإيران في الشهور الثلاث الأولى من عام 2014 ما يقارب 2 مليون و600 ألف طن بقيمة 3 مليار و367 مليون دولار، ووفقا للتقارير المقدمة من الجمرك بخصوص حجم التبادلات التجارية لإيران خلال الخمس شهور الأولى من نفس العام (2014)، بلغ حجم التبادلات 41 مليارا و620 مليون دولار، بينما بلغ حجم الصادرات 19 مليارا و639 مليونا و21 مليارا 981 مليونا حجم الواردات، وأهم الدول المصدرة للبضائع لإيران كانت على الترتيب التالي: الإمارات، والصين، والهند، وكوريا الجنوبية وتركيا.
هذا يعني أن حاجة إيران إلى الإمارات أربعة أضعاف حاجة الإمارات إلى إيران، ومن السهل أن تجد الإمارات البديل التجاري لإيران لأن نسبة تجارتها معها فقط 7.5 بالمئة من إجمالي تجارتها الخارجية، بينما تعتمد إيران على الإمارات في استيراد البضائع خاصة السلع الضرورية بما نسبته 29 بالمئة من إجمالي الواردات الإيرانية، بينما سيصعب على إيران إيجاد بديل تجاري للإمارات، وذلك لأسباب عدة أهمها الارتفاع المستمر في حاجتها للبضائع القادمة من الإمارات، وكذلك التسهيلات التي تتم عن طريق ميناء جبل علي العملاق بدبي والذي يعتبر من أكبر موانئ العالم ويمتاز ببنية تحتية متقدمة، كما أن موانئ الإمارات هي الأقرب لإيران والأقل تكلفة بالنسبة إليها في عملية استيراد البضائع.
لذا فإن إيران لن تبدأ بقطع العلاقات التجارية مع الإمارات مطلقا. وهذه الدراسات أعدّت فيما لو قامت الإمارات بقطع علاقاتها مع طهران، فوضعت هذه الدراسة بدائل لتفادي أكبر قدر من الخسائر، فنظرت إلى سلطنة عُمان، وهي تعلم أن عُمان لا تمتلك البنية التحتية المتقدمة التي تتمتع بها الإمارات فيما يخص الموانئ والتجارة وتسهيل عبور السلع والمنتجات، أما بالنسبة إلى تركيا فمن المستبعد أن تستطيع أن تسد مكان الإمارات في التبادلات التجارية الإيرانية، وخاصة في ظل ارتفاع حدة التوترات والنزاعات السياسية والقومية بين البلدين.
بناء على ما سبق، في حال تم قطع العلاقات بين البلدين فإن الإمارات ستخسر ما نسبته 5 إلى 10 بالمئة فقط من تجارتها الخارجية وإعادة تصديرها، ولكن سيؤثر هذا أيضا على تكدس ما نسبته 10 بالمئة من البضائع المقرر إرسالها إلى إيران، وهي خسارة لا تكاد تذكر، ويمكن تفاديها بكل سهولة عن طريق إيجاد مستورد آخر بديل عن إيران. بينما ستخسر إيران ما نسبته 29 بالمئة من إجمالي تجارتها الخارجية، كما أن وقف استيرادها للبضائع من الإمارات سيؤدي بطبيعة الحال إلى تضخم وارتفاع في الأسعار، وإيران حاليا تعاني تضخما اقتصاديا وارتفاعا غير مسبوق للأسعار، وهو ما سيزيد الركود الاقتصادي الإيراني بشكل أكبر والذي سينعكس أيضا على كافة النواحي الاجتماعية.
وعليه فإن إيران لن تبدأ بقطع العلاقات التجارية مع الإمارات، وفي حال فعلت ذلك فإنها ستكون هي الطرف الخاسر، واعتمادها على موانئ عُمان وتركيا لن يكون مجديا لها، بينما إذا بادرت الإمارات بقطع العلاقات كخطوة تأديبية وعقابية لإيران، فلن يؤثر هذا على الاقتصاد الإماراتي، بل يمكن أن يكون تهديدا آخر يزيد من ركود الاقتصاد الإيراني الذي يعاني حاليا الأمرّين.
من المؤكد حاليا وفي ظل تواجد النظام الإيراني الحالي واستمراره في سياساته تجاه دول المنطقة، وجود إصرار عربي على وضع حد له، وخاصة أن النظام الإيراني لن يصحّح سلوكه على أرض الواقع بأيّ حالة من الأحوال، ومن الممكن أن تسير العلاقات الإماراتية مع إيران إلى الأسوأ وربما ستصل إلى القطيعة، لذا من المفضل وضع خطط وبرامج لبدء معاقبة النظام الإيراني اقتصاديا لإصراره على سلوكه العدائي تجاه شعوب المنطقة.
د. سالم حميد
نقلا عن صحيفة العرب