عادت ليبيا إلى واجهة الاهتمام الأوروبي الأمريكي وبات التدخل العسكري مجدداً ليس مجرد تهديد لتنظيم «داعش» الإرهابي بل تأكيداً مقترناً بخطوات يرى مراقبون أنها ستكون سريعة.
على غرار إجماعهم للتدخل العسكري لإسقاط نظام القذافي تحت مظلة نصرة الشعب الليبي والخلاص من الديكتاتورية وإعادة بناء ليبيا الجديدة في ظل الديمقراطية والحرية والعدالة والكرامة لكن الحصاد كان مرّاً بإجهاض الثورة وانهيار الدولة وإشاعة الفوضى وبخاصة الفوضى المسلحة، فإن التحركات تأتي الآن في اتجاه إعادة التدخل العسكري ولكن وفق معادلة عجيبة.
الأوروبيون والأمريكيون يجمعون على ما باتت تمثله «داعش» من خطر على الأمن الأوروبي خاصة والدولي بوجه عام لكنهم غير متفقين في حسابات المكاسب وبخاصة الثروة النفطية ومن هذه النقطة كان القرار الأوروبي الأمريكي بوضع 6000 من القوات المسلحة المشتركة بكامل عتادهم القتالي للتدخل العسكري في ليبيا لكن موعد تنفيذ القرار لم يحدد لتبدأ التباينات وربما الخلافات علنية وعملية.
في العاصمة الإيطالية التقت 23 دولة من تحالف الحرب على الإرهاب الذي تقوده الولايات المتحدة ولم يصدر عن الاجتماع قرار بشأن البدء بالتدخل العسكري في ليبيا لكن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري حدد قضيتين تتعرضان لمخاطر «داعش»، الأولى أن سيطرة هذه الجماعة على حقول النفط سيؤدي إلى سلب الإرهابيين لمليارات الدولارات والثانية أن سيطرة «داعش» على الوضع الليبي سيحول هذا البلد إلى منطقة لخنق الحريات.
بعد ذلك بيوم أعلنت وزيرة الخارجية الإيطالية أن بلادها «مهتمة بإعادة الاستقرار إلى ليبيا وأنها على استعداد للتدخل إذا طلبت الحكومة الليبية».
بين الموقفين الأمريكي والإيطالي كان قرار الحكومة البريطانية إرسال 1000 جندي مزودين بالأسلحة النوعية إلى ليبيا واتخذت الحكومة البريطانية قرارها دون الرجوع إلى البرلمان، مستندة إلى القرار الأوروبي الأمريكي الآنف الذكر وادعت أن مهمة هذه القوات حماية الحقول النفطية وبخاصة المنشآت الكبيرة للنفط الليبي الواقعة بين سرت وبنغازي.
في القراءة الشاملة «لليقظة» الأمريكية تجاه ليبيا يعيد مراقبون الأمور إلى أسباب عديدة:
أولاً: الخوف الأوروبي والأمريكي من أن تتحول ليبيا إلى بيئة وقاعدة استقطاب وإعداد للجماعات الإرهابية وإعادة تسويقها إلى البلدان الأخرى، وستكون أوروبا ليس فقط في مرمى الجماعات الإرهابية بل أيضاً التغلغل داخل أوروبا معتمدة على إمكاناتها المالية الكبيرة وقدرتها على استقطاب العناصر في البيئات الفقيرة.
ثانياً: القلق من أن تؤدي التداعيات جراء سيطرة «داعش» على مناطق واسعة من ليبيا إلى انفجار حالة نزوح كبيرة باتجاه أوروبا التي أدى نزوح أعداد هائلة إليها من سوريا والعراق النزوح إلى أزمات أوروبية متعددة علاوة على أزمة حياة النازحين وهي ما بين صعبة ومأساوية.
ثالثاً: في مقابل هذه المخاوف بل في القلب منها هناك الثروة النفطية الليبية، والإشكالية في هذا الأمر أن الغرب في سياسته تجاه هذه الثروة تطغى عليها نزعة المطامع والشراهة.
مواجهة الإرهاب طالما كان في اتجاه واضح لا يعتبر تدخلاً بل يقوم على شراكة إذا كانت محكومة بمنظومة العلاقات الدولية، وهي بالتالي مفتوحة باتجاه أفق القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية.
هنا التساؤل: طالما قاد التدخل لإسقاط نظام القذافي إلى ما باتت عليه ليبيا من أوضاع كارثية، لماذا لا تتجه الدول الغربية إلى خطوات بديلة تحاشياً لتكرار التجربة الفاشلة وهذه متوفرة ومن شأنها ضمان المصالح والأمن والاستقرار في هذا البلد الذي يمثل أهمية إقليمية وقارية ودولية.
إلى هذا كان الجيش الليبي الذي أعيد بناءه قد تصدى للجماعات الإرهابية ومثل قوة لإعادة بناء الدولة فلماذا يتعمد الغرب حرمان هذا الجيش من الأسلحة اللازمة كي ينهض بمهمة مواجهة التنظيمات الإرهابية ويعيد لليبيا عافيتها كدولة بديلاً للفوضى؟
الأهم من ذلك، أليس من حق الدول المجاورة لليبيا أن تكون هي الأولى بمعالجة الشأن الليبي، لأنها على ارتباط مباشر به و بمجمل القضايا وأهمها الأمنية؟
ومن المناسب الآن التساؤل: ما الذي يبقى للحكومة الليبية إذا كانت الأطراف الغربية تتخذ قرارات مصيرية في الشأن الليبي مع أن مبدأ الاستقلال والسيادة يمنحها هي حق اتخاذ القرار وليس غيرها؟
هاشم عبدالعزيز
صحيفة الخليج