لا يشبه العقد الذي تمثل روسيا أحد طرفيه وبشار الأسد الطرف الآخر أي شكل من أشكال الاتفاقات الدولية، ذلك أنه في أحسن الأحوال اتفاق بين دولة وشخص، ولا ملمح للدولة الأخرى (سورية) في هذا الاتفاق إلا من حيث هي مساحات يمنحها بشار الأسد للطرف الروسي من دون تبرير واضح.
في الاتفاق، تظهر سورية كطرف ساكن منزوع ليس فقط من الحقوق، بل وحتى من الشكل الكياني للطرف الآخر في العقد، فلا هي منتج له مواصفات معينة وبناء عليها يتم تقييم ثمنه، ولا هي عقار يحدّد نص العقد حيزه وحدوده وطبيعة الانتفاع منه وما إذا كانت إيجاراً أو شراء، كما لا تظهر حتى صفة الجهة المالكة التي أبرمت العقد.
لقد ارتكزت روسيا على عنصر ضعيف في بنائها نص الاتفاق، وهو عنصر السيادة، وجوهر الضعف فيه أن بشار الأسد لا يمثل سيادة سورية وذلك لافتقاده عامل الشرعية في التمثيل، وإذا لم يكن ما يحصل في سورية بنظر روسيا أزمة شرعية، فماذا يكون؟ ثم إن هناك اعترافاً دولياً ممثلاً بأكثر من مئة وثلاثين دولة صوّتت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على نزع صفة الشرعية عن نظام بشار الأسد، وإذا كانت روسيا تستند إلى واقعة الانتخابات الصورية للأسد على أنها حيثية قانونية مكتملة العناصر، فهذا يعني أنها شريكة في الترتيبات كافة التي أوصلت الوضع في سورية إلى تلك المرحلة، وبالتالي شريكة سياسياً وقانونياً في المسؤولية عن جرائم الحرب التي ارتكبها الأسد وفريقه الأمني والعسكري، وذلك انطلاقاً من قاعدة أن الشراكة تكون في الغنم والغرم.
أما قضية الإرهاب التي ترد في فقرات الاتفاق كمبرر لهذا الاتفاق، فهي أيضاً محل خلاف، وذلك لوجود إجماع دولي منصوص عليه في القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، على تحديد مصادر الإرهاب والاعتراف بالثورة السورية، كما أن روسيا نفسها وباستضافتها المعارضة السورية، بخاصة الائتلاف الوطني، وادعائها التنسيق مع الذراع العسكرية للثورة السورية «الجيش الحر»، فهي تضع شرعية بشار الأسد محل تساؤل والتباس، الأمر الذي يجعل منه محلّ شك وعدم أهلية في صلاحية تمثيله سورية وإمكان عقد اتفاقات معه.
غازي دحمان
صحيفة الحياة اللدنية
الغريب أن روسيا باتفاقها مع بشار الأسد، تشطب غالبية الشعب السوري وتحوّلهم إلى إرهابيين من أولئك الذين يتيح نص اتفاقها مع بشار الأسد استهدافهم، علماً أنهم أساس شرعية أي نظام سياسي، والأساس الذي لا يملك أي نص اتفاق بين السلطة التي تمثلهم وبين أي طرف دولي آخر أي شرعية ما لم يكن رضاهم متوافراً، لكن الأغرب من ذلك أيضاً، أنه في الوقت الذي يتم تحديد بلوكات سكانية كاملة على أنها إرهابية بناء على اعتبارات سياسية، تتعاون روسيا في تنفيذ نص اتفاقها مع مكونات ميليشياوية قادمة من لبنان والعراق وأفغانستان لا تملك صفة الطرف الدولتي، كما أنها مكونات مصنّفة إرهابياً سواء بالقياس لممارساتها أو أن غالبيتها موضوعة في قوائم دولية كمنظمات إرهابية.
لا تظهر سورية الشعب والدولة في نص الاتفاق الروسي سوى ساحة للرماية والتدريب ومختبر لتجريب الأسلحة، وهو حق لا تملكه أي دولة في العصر الحديث على محمية أو حتى غابة حيوانات، وربما لا يتّسق هذا النمط من التعاقدات سوى مع منطق القراصنة المنقرض، والذي حاربته كل القوانين العصرية لما ينطوي عليه من استهتار بالقيم، فهل سيصمت العالم أمام هذا التراجع الخطير للقانون الدولي وحقوق الشعوب؟