كشف مراقبون ومحللون أن هزائم تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) في ساحات المعارك المختلفة في كل من سورية والعراق، تعتبر مؤشراً على أن جيش التنظيم يتعثر بسبب عوامل عدة منها مشاكله المالية والانشقاقات في صفوفه التي بدأت بالظهور أخيراً، إضافة إلى تراجع مخزون المقاتلين لديه.
وتمكنت مجموعات كردية وعربية مدعومة من الولايات المتحدة أخيراً، من السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي التي كانت خاضعة للتنظيم المتطرف في أجزاء من العراق وسورية، حيث أعلن التنظيم قيام «الخلافة» في العام 2014. وترتبط هذه الخسائر بالتقدم السريع الذي تحققه هذه الجماعات المدعومة أميركياً، ويقول المحللون إن مقاتلي «داعش» في هذه المناطق إما فروا إلى أماكن وجماعات متشددة أخرى، أو ماتوا في المعارك.
ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية عن يعقوب شابيرو، وهو خبير في شؤون «الدولة الإسلامية» وأستاذ العلوم السياسية في جامعة «برينسون» الأميركية، إن «هذا التقدم وخسارة داعش لأراض واسعة، تشير إلى أن التنظيم ليس باقياً ولا يتمدد مثلما يقول شعاره (باقية وتتمد)».
فقبل عام واحد فقط، كان ينظر إلى «الدولة الإسلامية» بوصفها القوة الساحقة والغنية، وأنه تنظيم يجذب آلاف المقاتلين المتحمسين، عندما اجتاحت مناطق واسعة في العراق وسورية بسرعة مذهلة ووحشية. ولكن في الأشهر الأخيرة انعكس هذا الزخم بشكل واضح.
ويقدر مسؤولون عسكريون أميركيون أن «داعش» خسر ما يصل إلى 40 في المئة من الأراضي التي سيطر عليها في العراق، وما يصل إلى 20 في المئة في سورية. وأن القوات الكردية والعربية تقدمت بشكل متسارع، بمساعدة الضربات الجوية من قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة.
من جهة ثانية، يقول محللون إن الغارات الجوية تسببت بضرر كبير للبنية التحتية للنفط لدى التنظيم، وهو (النفط) مصدر رئيس للدخل، وما يعزز ذلك، إضطرار التنظيم إلى فرض ضرائب على السكان، وخفض رواتب ومزايا المقاتلين لديه بنسب كبيرة.
ويرى المحللون بحسب «واشنطن بوست» أن «قلةً فقط يتوقعون هزيمة مفاجئة للتنظيم، المعروف بمرونته وقدرته على مفاجأة خصومه، إضافة إلى أنه ربما سيستمر باستغلال المظالم الطائفية التي ساعدته في كسب الولاءات، وهذه القضية التي جعلت من الصعب هزيمة التنظيم بالشكل المتوقع».
وتقول فيرا ميرونوفا، الخبيرة في شؤون الجماعات المسلحة في سورية والعراق في بيلفر في جامعة «هارفارد» الأميركية: «يبدو أن هناك ارتفاعاً في عدد مقاتلي التنظيم الذين فرّوا أو لجأوا إلى جماعات متشددة أخرى»، وأضافت أن «خفض رواتبهم تسبب على نحو متزايد ببحثهم عن صفقات أفضل مع الفصائل المسلحة الأخرى».
وتؤكد ميرونوفا: «إنهم (مقاتلي داعش) في ورطة كبيرة».
ويقول محمد صالح المؤسس والمشارك في مجموعة «الرقة تُذبح بصمت»، والتي تراقب جرائم وأحوال «الدولة الإسلامية»، إن «هناك طلب متزايد من عناصر التنظيم الأجانب للمساعدة على الفرار من سورية، ويقوم هؤلاء بطلباتهم سراً لأن الدولة الإسلامية تنفذ حملات تجسس مكثفة عليهم».
وأضاف صالح أن «جزء كبيراً من هؤلاء المقاتلين أتوا من مدن نابضة بالحياة مثل لندن أو باريس، وبعد عام من العيش في مكان مثل الرقة، تعبوا من العيش من دون كهرباء، إضافة إلى القصف المتواصل في كل وقت. لقد شعروا بالملل، أو أنهم أدركوا أن ما يسمى الخلافة ليست مثلما سمعوا عنها أو كما تصوروها».
ويتوقع محللون أن هذه المشكلات هي التي اضطرت التنظيم إلى تبني تكتيكات جديدة، مثل تنفيذ اعتداءات في الخارج، من ضمنها اعتداءات باريس في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، والتي قتل فيها 130 شخصاً. وأن هذه الاعتداءات ربما تكون محاولة للحفاظ على صورة التنظيم، مثلما هو الحال دائماً في الجرائم التي كانت المفتاح لجذب المتشددين المحتملين.
وتقول «واشنطن بوست» إن «داعش» كان أعلن في تشرين الأول (أكتوبر) 2015، عفواً لمدة شهر عن الفارين، وفقاً لوثائق حصل عليها وترجمها الخبير في شؤون «الدولة الإسلامية» أيمن التميمي، وعلق بأن العفو «إشارة واضحة» للمشكلات التي يعانيها التنظيم في هذه الحرب.
ووفقاً للناشطين في مجموعة «الرقة تُذبح بصمت»، فإن «الدولة الإسلامية تقوم أيضاً بالتجنيد القسري لمزيد من الفتيان في سن المراهقة في سورية للقتال في صفوفها». ويقول محللون ومراقبون أنهم لاحظوا تزايد التقارير حول فرار مقاتلي «داعش» خلال المعارك الأخيرة ضد مقاتلي «البيشمركة» الكردية في شمال العراق، وضد القوات العراقية في مدينة الرمادي.
وكان الناطق العسكري الأميركي الكولونيل ستيفن وارن، أعلن في كانون الأول (ديسمبر) 2015، أن الضربات التي يوجهها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» في سورية والعراق، أدت إلى مقتل 2500 من المتطرفين في الشهر نفسه.
ماهر النبواني
صحيفة الحياة اللندنية