عودة المالكي بعد القضاء على داعش

عودة المالكي بعد القضاء على داعش

201505071227778

طالما هناك تفتيت لمركزية الحكم في دمشق وبغداد بإرادة إقليمية، لا حل أمام طهران سوى تقديم نفسها كمركز قيادة لهذه المناطق التابعة لنفوذها.

منذ ثلاثين عاما وإيران عندها مشروع أدّى إلى ثبات سياستها، مقابل تقلبات عنيفة في سياسات الجانب العربي.

مع السنوات وبسبب الإحباط السني ظهرت مشاريع مشوهة وإرهابية لتملأ الفراغ مثل داعش، فمشروع خلافة البغدادي هو مشروع بربري ولد ميتا بسبب افتقاره إلى القيم الإنسانية وثوابت القانون الدولي والقوة التي تضمن استمراره.

لقد أدى استقرار المشروع الإيراني إلى ردات فعل عنيفة وصواريخ تستهدف طهران من عند خصومهم، والتهديد بالحرب مرة عام 1980 على يد صدام حسين حين حاربهم ثماني سنوات، ومرة أخرى نرى هذه الأيام أجواء حروب.

هذا هو خطر وجود فراغ في مواجهة مشروع. فنحن لا نرى إيران تحرك جيشها لاحتلال الكويت كما فعل صدام حسين أو قصف دول عربية، بل تحرك سياستها وحلفاءها وتنشط مشروعها فقط.

تراكم الإحباط في منطقة مأزومة يحقق أهداف الخميني الجوهرية في النهاية، فالشباب العربي يبحث عن مشروع وإذا لم يوجد مشروع سني أو قومي حضاري ومقبول يحتويهم فإنهم ربما سينخرطون بشكل جماعي في المشروع الإيراني الشيعي.

وقد رأينا ذلك في العراق على نطاق واسع من انخراط الشباب السني بالصحوات، وتشيّع السنة في بغداد، وتقبلهم للثقافة الإيرانية. الشباب يبحث عن فرص ولا يستطيع البقاء في فراغ ثقافي وسياسي، وبعد داعش سيزداد النفوذ الثقافي لإيران، وتنتشر سيطرتها بشكل أكبر، خصوصا أنها ضمنت تأييد الأقليات في المنطقة التي أفزعها مشروع الإرهاب وداعش.

إيران منسجمة مع هويتها ولا تعاني تناقضات داخلية حادة بعكس الجانب العربي الذي فضح “الربيع العربي” تناقضاته الحادة التي مثّلها الإسلام السياسي وصراعه الدموي مع الدولة المدنية. إن الإسلام السني وبسبب الإهمال وغياب القيادة وطبيعته المتمثّلة بتقديس النص والمواجهة مع الغرب أصبح خطرا على الدول والعالم، بينما المشروع الإيراني من جهة أخرى أصبح نوعا من الحل الثقافي الشامل بنظر دول عظمى كروسيا وأميركا، الأمر الذي أخذ يهدد بتبدلات جوهرية غير مسبوقة.

في العراق مثلا لاحظنا الصراع الإقليمي بوضوح في مسألة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. إن مشكلة المالكي لم تكن الطائفية ولا البطش فهذه جرائم ارتكبها أكثر من دكتاتور عربي، ولم تحدث ضده الضجة التي حدثت ضد المالكي.

ما الذي جعل من المالكي عدوا للجميع؟ ألم يبدأ عهده بصولة الفرسان وضرب الميليشيات الشيعية؟ يقول لي تاجر من الرمادي إن أول سنتين من عهد المالكي كانت تشبه العراق قبل الاحتلال، لا خطف ولا اغتيال ولا ميليشيات والكل مرعوب من قبضة المالكي.

فجأة انفجر كل شيء حتى وصلنا إلى بحور من الدماء بين أبناء يزيد ومعاوية وتصريحات طائفية مقيتة. كيف حدث هذا؟ المالكي جاء بمشروع مدعوم من طهران وهو مركزية السلطة في بغداد، وضرب الميليشيات والصحوات السنية وجعل السلطة بيد رجل واحد هو رأس الهرم.

اصطدم مشروعه بالأكراد والشيعة والسنة، واصطدم بالحكومات العربية والإعلام الغربي. لا يريدون سلطة مركزية عراقية، وعندما عجزت ساحات التحرير العلمانية وساحات الاعتصام السنية والانشقاقات الشيعية التي قادها مقتدى الصدر، وعندما تراكمت الخصومة مع البارزاني والأكراد إلى درجة التمرد ظهرت داعش كحل أخير والتي قال خطيبها العدناني ليلة سقوط الموصل مخاطبا المالكي “نعم بيننا وبينكم تصفية حساب يا أُحيمق، ستلعنك الشيعة على مر الدهور”. ما هي المشكلة مع المالكي حقا؟

كيف اتفق داعش والصدر والبارزاني والعرب والغرب ضده؟ الأمر ببساطة هناك منع وخط أحمر لمركزية حكم شيعي في العراق، إيران استبدلت المالكي بالعبادي بعد سقوط الموصل بيد داعش وتدير المنطقة من طهران. طالما هناك تفتيت لمركزية الحكم في دمشق وبغداد بإرادة إقليمية، لا حل أمام طهران سوى تقديم نفسها كمركز قيادة لهذه المناطق التابعة لنفوذها.

داعش ستخرج فاتورتها من حساب السنّة العقائدي والسياسي والثقافي، مهما حاول السنة رمي هذه الفاتورة بحساب الشيعة وإيران بالقول إن داعش إيرانية أو ردة فعل على قمع شيعي وغيرها، الحقيقة هي أن داعش سنية سلفية، وستعيد طهران المركزية الشيعية في سوريا والعراق بعد داعش.

إن التصعيد والتهديد بالحروب في منطقة تابعة لنفوذ دول عظمى لا يكاد يكون مقنعا، فسوريا فيها روسيا العظمى، والعراق ضلع كسرته الولايات المتحدة، وعلى الأرض هناك إيران ومشروعها الذي يتصادم عقائديا مع الارهاب والتطرف السني. لا توجد خيارات كثيرة أمام العالم وإيران تسعى للحصول على اتفاق شامل وضخم في هذا الشأن.

لا توجد إمكانية لمحو إيران من الوجود بالصواريخ، أرجو أن نكون واضحين في هذا الشأن. الجمهورية الإسلامية تشتغل سياسة وليس حربا. لا يستطيع العرب حل كل شيء بالحرب، فهم عندهم عدو متمثل بالإسلام السياسي السني والتطرف كداعش والقاعدة والإخوان المسلمين الذين يهددون حكوماتهم العربية. كيف نواجه الإسلام الشيعي في حرب شاملة في ظروف كهذه؟ ألا يهدد ذلك بوقوع المنطقة تحت هيمنة التطرّف السني وانتشاره؟

لا بد من عمل سياسي والقبول بالخسائر أحيانا. إيران حققت نجاحات لصالحها ولا تخسر طهران الكثير في صراع من نوع تفتيت الدول العربية داخليا، كما يحدث في قصف الموصل وحلب والرقة، ولا تنهار إيران من خلال تذابح السوريين أو قصف العراقيين.

السؤال الأهم وبعد عام من استقالة المالكي، ما الذي كان يريده حزب الفضيلة أو مقتدى الصدر أو علي الحاتم؟ ماذا كان يريد الصرخي أو رافع العيساوي أو البارزاني أو عزة الدوري أو العلواني؟ من الواضح أن أحدا منهم لم يكن يريد شيئا سوى الفوضى. مليارات الدولارات أنفقتها دولة قطر تحديدا على قضية المالكي. ما هو الهدف من كل تلك النفقات؟ الهدف كما يبدو هو إفشال مشروع المركزية بتغيير الدستور العراقي وإنهاء حكاية المحاصصة. فلا يمكن أن يكون الهدف هو العطف على سنّة العراق.

وبغض النظر عن المالكي وجرائمه ومهاتراته السياسية والطائفية مع الدول العربية يبقى السؤال كيف يمكن بناء دولة والقضاء على الفساد إذا كان الكل ملكا وزعيما وحاكما في العراق؟ من الواضح أنه لا حل أمام إيران في النهاية إلا بتنصيب دكتاتور شيعي أو باحتلال العراق وضمه إلى طهران. وليس من المستبعد عودة المالكي للحكومة بعد القضاء على داعش.

أسعد البصري

العرب اللندنية