بعد مرور أكثر من عام ونصف على تولي حيدر العبادي الحكومة العراقية لم يستطع رئيس من ادارة أزمات البلاد كالأزمة الأمنية فلا تزال مستمرة حالة القتال ضد تنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام”داعش” وانعدام حالة الامن والاستقرار في مدينة بغداد واستمرار عمليات الخطف والقتل والاعتداءات التي يمارسها عناصر محسوبة على ميليشيات مسلحة ترتبط ببعض اركان السلطة في بغداد. أما عن الأزمة الاقتصادية فقد عانى -ولايزال –يعاني العراق من وضع اقتصادي في غاية سوء نتيجة سياسات رئيس الوزراء العراقي السابق إذ أن هذا السوء الاقتصادي إذ وُرث لحكومة حيدر العبادي، وما زاد من هذا السوء الذي قد يصل إلى مستوى الانهيار الاقتصادي تراجع أسعار النفط عالميا، إذ تعتبر عائدات النفط المورد المالي الذي يعتمد عليه العراق في تغطية نفقات الدولة.
مع فقدان الرؤية الواضحة للتعامل مع طموحات الشعب العراقي واماله وضعف حالة الاتفاق السياسي وتلاشيها مع الكتل السياسية وما يرافقها من انعدام لمظاهر الخدمات الصحية والتعليمية واستمرار نهب الاموال والمسارعة في اهدار المال العام وثروات البلاد واتساع البطالة والفقر والعوز والحاجة. فشل العبادي في فهم مشاكل الشعب العراقي واستيعاب طموحاته واماله وتحقيق اهدافه في الحياة الحرة الكريمة مع اغفال كامل في توفير الامن والاستقرار له وهما عاملان رئيسيان يحققان لشعب العراق حياة حرة كريمة ونظرة مستقبلية تؤسس لمرحلة جديدة في حياته.
امام هذا الوضع المأساوي والفساد الاداري سارع العبادي لأيجاد منفذ واتجاهات تعينه على تصحيح مسار الحياة في العراق فأعلن الاصلاحات السياسية والاقتصادية واقصاء واعفاء بعض المسؤولين من مناصبهم الحكومية والبدأ بسياسة تقشفية في ادارة البلاد والاعتراف بالإخفاقات وحالات الفساد واهدار المال العام التي كانت السمة البارزة لحكومة المالكي. وجاء اقرار الميزانية العراقية لعام 2016 وهي تحمل في طياتها سمات ووضوح حالات التقشف وتأثير انخفاض اسعار النفط وضعف وتدهور العائدات المالية للعراق مما شكل عبئا كبيرا على ادارة الدولة والازمات في البلاد وكان عائقا مهما في كيفية الاسراع بالإصلاحات في العراق مما ادى الى ضعف المواجهة الصحيحة والدقيقة من قبل حكومة العبادي وعدم تمكنها من استيعاب المشاكل وافتقارها للحلول الجذرية الصحيحة.
وبدأت الازمة الاقتصادية التي يعانيها العراق تدخل منعطفا خطيرا يؤجج كثيرا من التعقيدات الامنية والاقتصادية التي باتت تهدد كيان الدولة وبقاءها ورافقها امتعاض المرجعية الدينية العليا من عدم قدرة الحكومة على التماشي مع طموحات المرجعية في الاصلاح، الامر الذي ادى الى اعلان المرجعية التوقف عن الكلام والحديث بالأمور السياسية وحتى اشعار اخر وبهذا تكون حكومة العبادي قد افتقدت أهم ركن من ار كان استمرارها ودعمها ومساندتها.
ان الهيمنة والسيطرة التي تمتلكها المليشيات المسلحة في العراق والتي ترتبط بشكل وثيق بقادة سياسين وتعتبر أذرعا ضاربة لهم وحامية لهم من المحاسبة عن قضايا الفساد تشكل عبئا اضافيا لا تستطيع حكومة العبادي من التعامل معها او مواجهتها بسبب تحكمها بالوضع الامني الداخلي وخاصة في مناطق بغداد ولم يتمكن العبادي من حسم ولاء قيادات عسكرية وامنية في المؤسستين العسكرية والامنية والتي لا زالت ترتبط بعلاقات قوية ومصالح عميقة بمن حكم العراق قبله.
امام هذه التحديات فان العراق مقبل على كوارث اقتصادية واجتماعية وامنية تهدد نسيجه الاجتماعي ووحدة اراضيه وتزيد من الاطماع الاقليمية بالسيطرة عليه او تجزأته، وهذا واضح من معالم السياسة المتبعة في العراق وعدم قدرة الحكومة على مواجهة الازمات الا عبر خطابات انشائية وعبارات جميلة منمقة لا تغني ولا تسمن من جوع ، فالأمور في العراق تسوء والوضع الاقتصادي متدني وانخفاض حاد في عائدات الدولة وعدم وجود انسيابية واضحة في توزيع الرواتب وتأخر المدفوعات المالية لأقليم كردستان مما شكل وضعا داخليا خطيرا يهدد الامن الاجتماعي في الاقليم بدأ بالتظاهرات الشعبية التي قام بها عدد كبير من الموظفين ورجال الامن والشرطة في محافظة السليمانية امتدت من مناطق قضاء بنجوين حتى مناطق قضاء كلار تطالب بمستحقاتهم المالية ورواتبهم الشهرية المتأخرة وهي تشكل امتدادا للتظاهرات في وسط وجنوب العراق. أمام هذه الأزمات المتعددة، العراق ذاهب إلى أين.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية