تحدثنا في العديد من المقالات السابقة عن المواجهة التي تشهدها اسواق النفط منذ صيف عام 2014، والتي ادت الى انهيارات كبيرة في اسعار النفط ،حيث خسر الخام أكثر من 70 %من قيمته ، وقد كان استمرار الفائض النفطي العالمي أكبر الاسباب في هذا التراجع.
وفي خضم هذا التراجع كانت الانظار مشدودة الى حرب الاسعار بين المنتجين التقليديين ومنتجي النفط الصخري ، والتي ما زالت محتدمة رغم انها تدور بوتيرة بطيئة.
لطالما كانت الحصة السوقية اهم اهداف المنتجين التقليديين وكما اشرنا في مقال سابق، لقد ادت الاسعار المنخفضة الى نشوب خلافات بين اعضاء أوبك وقد اشتدت على خلفية رفض السعودية خفض الانتاج النفطي ، والابقاء على مستويات انتاج مرتفعة على الرغم من التخمة التي تشهدها الاسواق وبالفعل ظهرت اصوات تنادي بتعديل السياسة النفطية داخل اوبك و سادت حالة من الانقسام بين المصدرين للضغط على المنظمة بقصد خفض الانتاج.
وهنا يقول جون كيمب -أحد كتّاب المقالات في رويترز، أن منتجو منتجو النفط الصخري على المدى القصير تحمّلوا وطأة التغيير في سوق النفط، لأن الأشكال الأخرى للتنقيب والإنتاج تحتاج إلى فترات أطول كثيرا لبدء العملية وإنجازها.
لكن اغلب التحليلات تشير الى ان النفط الصخري الان في حالة تباطؤ ومرد ذلك ان هذا النوع من النفط ذات تكلفة استخراجية عالية ، وقد يعاود الانتعاش في حال صعدت اسعار النفط الى اكثر من 60 دولار للبرميل .
وتظهر معظم البيانات التي صدرت في الآونة الأخيرة أن الدفة قد تتحول في نهاية المطاف لصالح السعودية؛ نظرا لنفاد السيولة النقدية والتمويل الجديد لمنتجي النفط الصخري الأميركيين، ولم يعد بمقدورهم الحفاظ على الإنتاج.
وتشير بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية الى ان حزيران / يونيو 2014 وذروة زيادة الإنتاج في أبريل/نيسان 2015، ارتفع إنتاج النفط من نحو 8.7 ملايين برميل يوميا إلى 9.7 ملايين برميل يوميا،
وتضيف البيانات الى انه منذ أبريل/نيسان 2015 أخذ الإنتاج في الهبوط، لكنه ظل عند 9.3 ملايين برميل يوميا حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وهو آخر شهر أتيحت له تقديرات شاملة معقولة ، وبالقيمة المطلقة، هبط الإنتاج بمقدار نحو 375 ألف برميل يوميا بين الذروة في أبريل/نيسان ونوفمبر/تشرين الثاني 2015.
وبحسب الخبراء فقد أثبت النفط الصخري أنه أكثر مرونة مما تصور أي شخص إذا كثف المنتجون التنقيب والإنفاق على أكثر المناطق الواعدة وقاموا بتسريع مرات الحفر واستخدموا عمليات التكسير الأمثل.
لكنه مع ذلك لا يستطيع ان يجاري النفط التقليدي بناءا على اعتبارات عدة نذكر منها ؛ التكلفة العالية ،حجم المخزونات ،الانتشار المتفاوت ،وعدد من الامور التي تتعلق بالمنتجين لهذا النوع من النفط .
اذن يمكن القول ان منتجو النفط التقليدي “منخفض الكلفة” اقدر على المواجهة مع المنتجين التقليديين “النفط الصخري ” ، طبعا هنا اشير للملكة العربية السعودية صاحبة الاحتياطيات المالية الضخمة ،والتي تتمتع باقتصاد مرن قادر على امتصاص اثار انهيار اسعار النفط ، لكن معاناة الدول التي لا تتمتع بمثل هذه القوة قد يجعل من التعاون نحو تخفيض حجم الانتاج امر لابد منه ،وهو ما شهدناه كخطوة اولى في اتفاق الدوحة وطران ، وقد يكون مقدمة لاجتماعات مقبلة قريبة لإعادة التوازن الى الاسواق.
في الختام من الناحية الواقعية لابد من التسليم بضرورة اعادة التوازن للاسواق واجتماع كافة المنتجين لبحث ذلك ، أضف الى ذلك إن النفط الصخري اصبح امر واقع في اسواق النفط والطاقة ومع ذلك لايمكن ان نضعه مع النفط التقليدي في نفس الخانة ،وقد بدأ المنتجين اليوم بخطوة نحو دراسة سقف الانتاج المرتفع، وكذلك اطلاق دعوة للتعاون داخل السوق ، وهو امر لطالما نادت به عملاق النفط العالمي السعودية بشرط الحفاظ على الحصة السوقية ،وعلى ما يبدو فأسواق النفط اليوم بحاجة الى التنظيم والتعاون بين المنتجين كافة من اجل التخفيف من الاعباء الاقتصادية التي تحملتها الدول المنتجة وخصوصا الريعية منها ، ومع ذلك قد يكون الحديث عن عودة التوازن للاسواق مبكرا بسبب استمرار حالة الضبابية والشد والجذب في اسواق النفط العالمية ومواقف المنتجين ومنهم ايران التي عادت مؤخرا الى الاسواق ،لكن قد يكون هناك تحرك في هذا الاتجاه في الفترة المقبلة.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية