قدّر “المركزي السوري لبحوث السياسات” الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها سورية خلال الأعوام الخمسة الماضية، جراء الحرب التي شنها نظام الرئيس بشار الأسد ضد الثورة، بنحو 254.7 مليار دولار تعادل 468% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد في عام 2010.
وتتضمن هذه الخسائر خسارة الناتج المحلي الإجمالي لنحو 64.1% من قيمته التي كان عليها قبل الثورة المندلعة منذ مارس/آذار 2011.
وقال المركز في تقرير حديث تحت عنوان “مواجهة التشظي”، وصلت “العربي الجديد” نسخة منه أمس، إنه في الوقت الذي ركزت الحكومة السورية في سياستها الاقتصادية على الإنفاق العسكري، قلصت من الإنفاق الاستثماري والجاري، ورفعت تكاليف الإنتاج، ما أدى إلى تراجع مستوى الاستهلاك 33.1% العام الماضي مقارنة مع العام 2014، فضلا عن ارتفاع أسعار المواد والسلع المدعومة لعدة مرات، منها الخبز الذي ارتفع سعره ثلاث مرات والمازوت أربع مرات والكهرباء خمس مرات.
وهذا، بحسب التقرير، ينسجم مع تراجع متوسط إنفاق الأسرة إلى مستوى غير مسبوق، عاكساً المعاناة الشديدة للأسر السورية في جميع أنحاء البلاد، فقد انكمش الاستهلاك الخاص خلال العام الماضي بنسبة 10.8% عن مستواه في العام السابق.
وتوافق تراجع استهلاك المواطنين مع تراجع عجز الموازنة من 41.2% في العام 2014 إلى 28.1% العام الماضي، ما يعكس استراتيجية الحكومة في زيادة الإيرادات العامة من خلال تطبيق سياسة ترشيد الدعم التي خفضت الدعم بشكل كبير، وفق التقرير.
”
الكثير من النواحي والمناطق في سورية لم تعد لها أية علاقة عضوية بحكومة النظام السوري
“
وشملت نتائج تقرير المركز الذي قال إنها انطلقت من الواقع بالاعتماد على باحثين سوريين، قطاع الصادرات الذي انخفض العام الماضي بنسبة 20% عن 2014.
كما انكمشت الواردات بنسبة 29%، بفعل تراجع الطلب إلى جانب الانخفاض الكبير في قيمة العملة المحلية. ومع ذلك، بقي العجز التجاري ضخما في عام 2015، حيث بلغ 27.6% من النّاتج المحلي الإجمالي.
ويشير تقرير المركز إلى ارتفاع معدل البطالة من 14.9% في 2011 إلى 52.9% نهاية العام الماضي، فبلغ عدد العاطلين عن العمل نحو 2.91 مليون شخص، منهم 2.7 مليون فقدوا عملهم خلال الأزمة، ما يعني فقدان مصدر رئيسي للدخل والتأثير في معيشة 13.8 مليون شخص.
ويذهب التقرير إلى أن بعض فرص العمل نتجت من التوسّع في اقتصاديات العنف، التي يُقدر أنها وظفت حوالى 17% من السكان الناشطين اقتصاديا.
وفي تعليقه على أرقام التقرير، يقول رئيس مجموعة عمل اقتصاد سورية، أسامة قاضي: “كانت الأرقام بمجملها متحفظة عموما حيث أن الخسائر الاقتصادية وخاصة بعد دخول القوات الروسية واتباع سياسة الأرض المحروقة ليست 254 مليار دولار، ولا يمكن أن تكون أقل من 300 مليار دولار”.
اقرأ أيضاً: سلع منتهية الصلاحية تغزو سورية
وذكر قاضي، في تصريح لـ “العربي الجديد” أن مدينة حلب، على سبيل المثال، التي كانت تساهم بأكثر من ثلث ناتج الدخل القومي السوري يتم تدميرها بطريقة ممنهجة، حيث يتم إفراغها من السكان والقوى العاملة التي كانت تدفع عجلة التنمية الاقتصادية المحلية بالحد الأدنى، فيما تدمر روسيا ما تبقى من بنى تحتية في الشمال وفي مناطق أخرى.
ويعتقد قاضي، أن نسبة البطالة تفوق 70%، وأن الأرقام الرسمية التي يستند إليها التقرير ربما أغفلت الإحصاءات الخاصة بالمناطق والمحافظات الواقعة خارج سيطرة النظام، “إذ كيف يقدر المكتب المركزي للإحصاء، نسب البطالة في الرقة ودير الزور وإدلب وريف حلب وريف حماة وتدمر وغيرها، والتي كانت على مدى أكثر من ثلاث سنوات إما مع تنظيم داعش أو مع القوى العسكرية الأخرى”، وفق تعبيره.
ورغم اعتراف قاضي بالجهد المبذول من قبل “المركز السوري لبحوث السياسات”، بيد أنه لفت إلى أن مشكلة التقرير تكمن في إشارته لسبب الانهيار الاقتصادي والتشظي إلى قوى “التسلط”؛ وهي كل القوى سوى النظام السوري ويحملها مسؤولية التشظي! دون الإشارة إلى دور النظام السوري في جر سورية إلى هذه الأزمة وتدويلها منذ اللحظة الأولى بالاستعانة بالسلاح الروسي والجيش الإيراني وحلفائه.
ويتفق رئيس مجموعة اقتصاد سورية، مع التقرير، بشأن الوضع المتشظي للاقتصاد السوري، “فقد انفرط عقد مسبحة الاقتصاد السوري بطريقة مخيفة، وأنه لم يعد هناك شيء اسمه “الاقتصاد السوري” بالمعنى الإداري المركزي، إنما تحول آخر ثلاث سنوات إلى اقتصاد المناطق والنواحي السورية”.
”
ارتفاع معدل البطالة من 14.9% في 2011 إلى 52.9% نهاية العام الماضي
“
وذكر قاضي، أن الكثير من النواحي والمناطق في سورية لم تعد لها أية علاقة عضوية بحكومة النظام السوري في دمشق، “وإلا فما هي مهمة وزير النفط الآن وأكثر من 95% من النفط هي في أيدي تنظيم داعش والمليشيات الكردية، وكذلك فإن معظم صوامع الحبوب والقطن لا علاقة لها مع وزير الزراعة، ولا علاقة لأكثر من 95% من المعابر السورية مع العالم مع وزيري النقل والمالية وجباية الرسوم الجمركية منها.
ويرى الاقتصادي الأكاديمي عماد الدين المصبح، أن الخطر الأكبر خلال التقرير، هو ما أصاب حامل التنمية، أي الكادر البشري، إذ أظهر التقرير أن معدل الوفيات يصل إلى حوالى 10 أشخاص في كل ألف، وعدد الجرحى إلى نحو 1.88 مليون نسمة، أي أن ما يقرب من 11.5% من السوريين، إما قد فقدوا حياتهم أو أنهم جرحى ومصابون، وهو الأخطر على واقع سورية ومستقبلها، في رأيه.
وأضاف المصبح في تصريح لـ “العربي الجديد”، أن الملفت خلال التقرير، إشارته إلى مصطلحين جديدين وجديرين بالاهتمام، وهما الاستثمار شبه العام والاستهلاك شبه العام، وهو ما يشير إلى وجود نوايا تقسيمية على شكل مناطق نفوذ ما بين نظام متهالك ومناطق نفوذ للكيانات المناهضة له تحاول أن تبني اقتصادها الذاتي، ولا سيما في المناطق المكتظة سكانيا في إدلب وريف حماة والمنطقة الشمالية الشرقية وحوران.
لكن المصبح يرى أن التقرير أغفل التطرق للتضخم وما آل إليه سعر صرف الليرة وآليات البنك المركزي في تأمين تمويل حرب النظام ضد سورية، وما جره ذلك من آثار كارثية على مختلف المؤشرات الاقتصادية، ولا سيما التضخم الجامح الذي أرهق السوريين مثلما فعلت آلة الحرب ذاتها.
ويعتقد الاقتصادي المصبح أنه أمام هذه الكارثة غير المسبوقة، فإن سورية تحتاج إلى عقود طويلة من أجل إعادة الإعمار، فضلا عن التكلفة الباهظة، وبحاجة إلى إعادة تأسيس التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية ومحاولة خلق نموذج تنموي شفاف يقوده أشخاص مهرة، غير أن توفير هذا الكادر بحد ذاته يحتاج إلى وقت، في رأي المصبح.