يعاني المواطنون في دول عربية كثيرة، انقطاعات متكررة للكهرباء على مدى السنة أو انقطاعات موسمية. وألقى الخبير العربي في الطاقة الكهربائية، هشام الخطيب، محاضرة في المؤتمر العام الخامس للاتحاد العربي للكهرباء في مراكش في 27 – 28 كانون الثاني (يناير) الماضي، نقتطف منها ما يلي:
ارتفع الطلب على الطاقة الكهربائية العربية نحو 8 – 10 أضعاف خلال السنوات العشر الماضية. وهو أمر «جدير بالتقدير»، إلا «أن ما يواجهنا في المستقبل كثير من التحديات». لا يمكن النظر إلى الطاقة الكهربائية العربية بمنظار واحد، إذ إن الدول الخليجية تشكّل أعلى مستويات الطلب للفرد في العالم، بينما تشكل دول شرق أفريقيا أدنى مستويات الطلب عالمياً. وعلى رغم هذا التفاوت في معدلات الاستهلاك، هناك مظاهر مشتركة في الدول العربية.
تشهد الدول العربية كافة نمواً سريعاً في الطلب على الكهرباء. وهناك ظاهرة مشتركة هي انتشار الدعم لقطاع الكهرباء، إضافة إلى مستويات عالية من الطاقة المفقودة. وهناك نقص في توافر الغاز، وبالتالي اعتماد كبير على النفط في دول كثيرة، ونقص التمويل في معظم الدول.
من اللافت للنظر، يضيف الخطيب، ظاهرة نمو الطلب العربي السريع على الكهرباء، الذي يتراوح ما بين 5 – 8 في المئة سنوياً، وأحياناً 10 في المئة، بينما يتراوح معدل النمو العالمي السنوي ما بين 2.3 – 2.4 في المئة. فالمعدل العربي يشكل ثلاثة أضعاف المعدل العالمي. ويُتوقع «أن يستمر النمو السريع هذا لسنوات عديدة مقبلة». ويتابع الخطيب: «عالمياً، ينمو الطلب على الكهرباء في صورة مرتبطة بنمو الاقتصاد، بينما في العالم العربي هذا الارتباط غير موجود». ويشير إلى أن «السبب هو الدعم المفرط لأسعار الكهرباء في كل الدول العربية، لكن في صور متفاوتة، ما يؤدي إلى الاستعمال المفرط وغير الرشيد».
يعتبر الخطيب سياسات الدعم «الآفة الكبرى في قطاع الكهرباء العربي»، فالمستفيد من الدعم هو الطبقات الغنية، أما الطبقات المحتاجة فتلبّي احتياجاتها بدعم الشريحة الأولى من الاستهلاك. ويأخذ دعم الطاقة الكهربائية عربياً أشكالاً كثيرة، فهناك التعرفة التي تكون أقل من سعر الكلفة، أو توفير وقود رخيص ومدعوم بسعر أقل من سعر الفرصة البديلة، أو عدم تقاضي أسعار استهلاك الكهرباء في كثير من الحالات. ويؤدي الدعم إلى الإسراف والتبذير في الاستعمال، وتآكل الثروات النفطية العربية.
الكهرباء العربية في أمس الحاجة إلى ترشيد الاستهلاك من طريق التسعير الصحيح، واستخدام التكنولوجيا الحديثة للحفاظ على الطاقة، ووعي المستهلكين بأساليب الترشيد. في المقابل، تبلغ مستويات الفاقد العربية 13 – 25 في المئة، أي ضعف المعدلات العالمية، والسبب الشبكات القديمة في كثير من المدن، وعدم توافر التخطيط السليم في بعض الحالات، والاعتداء على الشبكات، وعدم دفع فواتير الاستهلاك وتحصيلها. هذه العوامل كلها تؤدي إلى زيادة الاستهلاك وضعف إمكانات التمويل الذاتي.
يعتبر الغاز الوقود المثالي لتوليد الكهرباء، واحتياطات الغاز متوافرة عربياً وبكثرة، فهي تشكل نحو ثلث الاحتياطات العالمية. لكن على رغم ذلك، تواجه غالبية الدول العربية نقصاً في الحصول على الغاز لعدم وجود شبكات إقليمية لبعد المسافات، ولأن الغاز يُباع محلياً بأقل من سعر الكلفة، ما يحد من إمكان إنتاجه. أدت هذه العوامل السلبية الى الاعتماد على النفط الخام ومنتجاته. من ثم «فإن المنطقة العربية هي المنطقة الوحيدة في العالم التي لا تزال تعتمد على النفط لإنتاج الكهرباء».
تبلغ حاجة الاستثمارات في قطاع الكهرباء العربي خلال 2016 – 2020 نحو 157 بليون دولار، هذا فيما يعاني معظم الدول العربية عجزاً في الموازنات، خصوصاً بعد تدهور أسعار النفط. ولجأت غالبية الدول العربية إلى القطاع الخاص (العربي والأجنبي) لتمويل الاستثمارات، خصوصاً في قطاع التوليد (المنتجون المستقلون). لكن الممولين يطالبون بضمانات، وعلى الدولة تحمل مسؤولية تأمين الوقود وتقلبات أسعاره. وأدى هذا إلى بعض الارتفاع في كلفة الإنتاج. وتشير التجارب إلى أن المنافسة جلبت أسعاراً مغرية، مثلاً محطة دبي للفحم (4.5 سنت لكل كيلواط/ ساعة) وللطاقة الشمسية (5.85 سنت).
يبلغ مجمل الاستطاعة التوليدية الكهربائية في 2016 نحو 260 جيغاواط، ويُتوقع أن ترتفع القدرة هذا العام بنحو 13.4 جيغاواط، أكثر من نصفها في السعودية، منها 7.3 جيغاواط للنفط ومشتقاته، و5.8 جيغاواط للغاز، و250 ميغاواط للطاقة المتجددة، إذ سيدخل معظم المشاريع الخدمة عام 2017. واضح أن أكثر من نصف القدرة الجديدة سيحرق نفطاً، وهذه حالة فريدة في العالم. وتبلغ استثمارات القطاع الكلية في السعودية نحو 27 بليون دولار، بينما تبلغ كلفة استثمارات التوليد 15 بليون دولار.
يقترح الخطيب تشجيع الطاقة المتجددة، لكن معه إدراك محدوديتها. ولا تشكل مساهمة الطاقة المستدامة (شمس ورياح) حالياً أكثر من 1.5 في المئة من الطاقة العالمية، و5 في المئة من إنتاج الكهرباء عالمياً. ويتوقع أن تشكل الطاقة المستدامة 8 – 9 في المئة من طاقة الكهرباء العالمية في 2040. والسبب في عدم قدرة الطاقة المستدامة على أداء الدور الرئيس في قطاع الكهرباء، هو الحاجة إلى تطور جدي وكبير في تقنية تخزين الكهرباء. ولم تظهر حتى الآن بوادر مشجّعة في تخزين الطاقة الكهربائية من خلال استعمال الطاقة المستدامة. ويرى الخطيب أن مستقبل الكهرباء العربية يتوقف على كل من استغلال الغاز وتوسّع شبكات الغاز العربية.
وليد خدوري
نقلا عن الحياة