أعلنت رئاسة الأركان التركية، يوم الأربعاء 17/2/2016، “أنَّ هجومًا إرهابيًا استهدف عربات لنقل عناصر القوات المسلحة، لدى وقوفها عند إشارة مرورية في أحد شوارع العاصمة أنقرة”، وأعلن المتحدث باسم الحكومة التركية، نائب رئيس الوزراء، نعمان قورطولموش:” أن حصيلة التفجير، بلغت 28 قتيلاً، فيما أصيب 61 آخرين بجروح، غادر منهم 30 المستشفيات، ووصف حال بقية الجرحى بالمستقرة”. ـ وبعد التحقيقات أعلن الرئيس التركي أن الحكومة التركية أوقفت 14 شخصا، وتبين للأجهزة الأمنية أن حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات حماية الشعب متورطون بهذا الهجوم، وأعلن رئيس الوزراء التركي داود أغلو أن منفذ الهجوم الارهابي هو “صالح نجار”، وأنه من حزب وحدات حماية الشعب، وقد أعلن ذلك رئيس الوزراء التركي “أحمد داود أوغلو” في تصريحاته بعد التفجير الانتحاري فقال:”إن منفذ التفجير الانتحاري هو عنصر تابع لحزب الاتحاد الديمقراطي”، وقال: “تم الكشف عن الفاعلين، إن من يقف خلف هذا التفجير هو حزب الاتحاد الديمقراطي، تم إلقاء القبض حتى الآن على 9 أشخاص يشتبه بتورطهم بالعمل الإرهابي”، وقال:” لن نقف مكتوفي الأيدي، وسنقوم بالرد وبكل حزم على الاعتداءات الإرهابية التي تستهدف أراضينا”.
رئيس الوزراء اهتم كثيرا بالأبعاد الخارجية للتفجير الانتحاري، حيث كان جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي قد طالب رئيس الوزراء التركي بتاريخ 15/2/2016 في اتصال هاتفي بإيقاف قصف المواقع التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، وجاء في التصريح أن بايدن أخبر داود أوغلو بـ :”أن الولايات المتحدة الأمريكية تبذل جهدا كبيرا في إقناع حزب الاتحاد الديمقراطي بالتراجع عن الحدود القريبة من تركيا، والعزوف عن أهدافه التي تضمن السيطرة على المنطقة القريبة من الحدود، والكف عن استغلال الوضع الراهن، لتحقيق بسط نفوذ أوسع، ولذلك طالبت أمريكا تركيا بإيقاف استهداف مواقع حزب الاتحاد الديمقراطي”.
لذلك لم تتجاهل الحكومة التركية ومسؤولها الدور الخارجي في هذا التفجير طالما ثبت توبط حزب الاتحاد الديمقراطي به، وبالأخص العلاقات المستجدة منذ أشهر بين حزب الاتحاد الديمقراطي مع روسيا وأمريكا، حيث قال رئيس الوزراء داود أغلو: “إن حزب الاتحاد الديمقراطي فتح مكتبا له في روسيا، وأمس قامت روسيا بالتنديد بهذا الهجوم الانتحاري، فهذا غير كاف، عليها أن تحذر أن هذا الحزب يقوم في يوم من الأيام باستهدافها أيضا، أريد أن أوجه نداء إلى كل من يدعم هذا الحزب، إن استمرت هذه العمليات الإرهابية، فأنتم بدوركم متورطون بها، إن هذه القنابل تتفجر في قلوبنا وأنتم مازلتم تدافعون عن الإرهاب، وإن كنتم ستواصلون دعمه، أعلنوا ذلك لكي نحدد على أساسه موقفنا”.
هذه الإشارة من رئيس الحكومة التركية لروسيا تحمل رسالة مهمة بأن الحكومة التركية لن تتوقف عند محاسبة المنفذين للتفجيرات والأحزاب التي ينتمون إليها، وإنما محاسبة الدول التي تدعم الأحزاب الارهابية، وأنه لا يمكن أن تقرر روسيا أو أمريكا بعد هذا التفجير بأن حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات حماية الشعب ليست منظمات إرهابية، فكل حزب أو منظمة يستهدف أمن أية دولة ويقتل المواطنين الأبرياء هو حزب إرهابي، ليس عند الدولة التي وقع فيها التفجير وقتل من شعبها فقط، وإنما عند كل دول العالم التي ترفض قتل الأبرياء فالتفجير الأخير الذي وقع في أنقرة دليل قاطع على أن حزب الاتحاد الديمقراطي حزب إرهابي، وعدم تبني حزب الاتحاد الديمقراطي او نفيه لمسؤوليته عن التفجير لا يعفيه من المسؤولية، فحجم التفجير والقدرة التخطيطية لعملية التفجير ومكانها الأمني الحساس يؤكد ان العملية تمت بتخطيط أجهزة مخابراتية دولية وليس مجرد عمل فردي ولا تخطيط حزبي فقط، وهذا ما قصده رئيس الوزرءا بقول:” إن استمرت هذه العمليات الإرهابية، فأنتم بدوركم متورطون بها”، والكلام موجه لكل الدول التي تدعم الأحزاب الارهابية مثل حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات حماية الشعب في سوريا، وفي مقدمة هذه الدول روسيا بوتين.
وعلى هذا الأساس أيضاً فقد استدعت وزارة الخارجية التركية، سفراء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، ورئيس بعثة المفوضية الأوروبية في تركيا، وكلا من السفيرين الهولندي والألماني، إلى مقرها، لإطلاعهم على تفاصيل هجوم أنقرة الإرهابي، والتأكيد على أن هذا التفجير خطير جداً، ويحمل بصمات عمل إرهابي كبير من حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات حماية الشعب والدول الداعمة لهما، وأن هذه الدول بقدر ما هي مطالبة ان تستنكر هذا العمل الارهابي، فإنها مطالبة أيضاً أن توقف تعاونها مع الحزب الارهابي الذي قام بتنفيذ هذا التفجير ، وأودى بحياة عشرين ضابطا في الجيش التركي وثمانية مدنيين قتلى على أقل تقدير، فضلاً عن عشرات الجرحى، وما أحدثه من هلع لأهالي أنقرة، وأثر على الأوضاع السياسية في كامل تركيا.
هذه الرؤية التركية بأن المنفذين هم مجرد أدوات في مخططات محلية وإقليمية ودولية أكدها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فقال :”إن حرب أنقرة على “البيادق” الذين يشنون هجمات والقوى التي تقف وراءهم ستصبح أكثر تصميما”، وقال أردوغان في بيان في أعقاب انفجار السيارة المفخخة بالعاصمة أنقرة:” سنستمر في قتال البيادق الذين يشنون مثل هذه الهجمات ولا يعرفون حدودا إنسانية أو أخلاقية، والقوى التي تقف وراءهم، بتصميم يتزايد كل يوم”.
إن ما يميز الرد الرسمي التركي عن غيره من التصريحات التي اعقبت الانفجارات السابقة، أن جميعها تتحدث وتهدد من يقف وراء التفجير وليس الأيدي أو البيداق التي قامت به، كما أكد ذلك الرئيس التركي أردوغان، وجاء في تصريح لرئيس الوزراء داود اغلو :” وقال رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو :” إن بلاده ستحمي أمنها القومي، دون الرضوخ للعنف والإرهاب، ودون الانحراف عن مسار العدل والقانون”، وقال:” لن يبلغ الذين نفذوا هذا الهجوم الشنيع الذي يستهدف بلادنا وأمتنا الغالية وديمقراطيتنا، والواقفين وراءهم، مبتغاهم أبدا”، فعبارة الواقفين وراءهم حاضرة في كل التصريحات التركية، فالتهديد الذي يواجه تركيا ليس داخليا فقط، وإنما أصبح تهديدا من الخارج أيضاً، بل إن اتهام حزب الاتحاد الديمقراطي بهذا التفجير هو تأكيد على التهديد والخطر الخارجي، لأن حزب الاتحاد الديمقراطي وقواته وحدات حماية الشعب سورية وليست تركية، من هنا سعت الحكومة التركية إلى استنفار العالم الحر والصديق لتركيا باستنكار هذا العمل الارهابي، فالاستهداف تميز بأنه إرهاب تجاوز الحدود التركية السورية، وهذا يؤكد بأن تركيا لا تستطيع تجاهل من يجري على حدودها من أخطار وتهديد لأمنها القومي الداخلي والخارجي، فالتفجير قتل ضباطا عسكريين أتراك وكانهم في معركة حربية، وكذلك قتل مواطنين مدنيين، وبالتالي فإن الرد التركي ينبغي أن يكون ضد من نفذوا الهجوم اولاً، ولو كانوا خارج حدود تركيا، وفي سوريا تحديدا، وثانيا حتى لو كانوا في تحالف مع أمريكا أو روسيا أو ايران أو مع بشار الأسد.
ولذلك رحبت الحكومة التركية بتصريح وزير الخارجية الأمريكية جون كيري بعد التفجير بأن:” “وحدات حماية الشعب” الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي بأنها لا يمكن الوثوق بها”، فهذا التصريح الأمريكي فيه اعتراف امريكي بأن قوات حماية الشعب هي من نفذت العملية، وأن قيادة حزب الاتحاد الديمقراطي كانت مشاركة في التخطيط والاستهداف للأمن القومي التركي، ولذلك فالمطلوب هو وقوف الدول الصديقة إلى جانب تركيا في حماية امنها القومي، وحماية شعبها ومدنها، ليس فقط باستنكار التفجير وإنما بعدم تقدم الدعم للأحزاب الإرهابية التي تستهدف تركيا وأمنها، وكذلك تفهم مواقف الحكومة التركية السياسية والعسكرية القادمة لحماية حدودها، وعدم السماح للأحزاب الإرهابية أن تقيم قواعد عسكرية ومعسكرات تدريب لها على الحدود التركية السورية، فتركيا لن تسمح بتكرار تجربة قنديل، التي أرادتها الحكومة التركية أن تكون حلاً لمشكلة داخلية، وإذا بالقوى المعادرية لتركيا تجعل منها مركز عدوان وإرهاب ضد تركيا وشعبها.
إن الحكومة التركية بقيت بعيدة عن التدخل العسكري في سوريا منذ نشوء الصراع فيها، بالرغم من تورط العديد من الدول والقوى الخارجية فيها، مثل الحرس الثوري الإيراني وميليشيات حزب الله اللبناني والعراقي وأتباعهم من الطائفيين الأفغان وغيره، لأن تركيا لا تعالج الخطأ الإيراني بخطأ مثله، وبالخص ان القتلى من الطرفين من طرف واحد هي الأمة الإسلامية، وان الخسارة هي على دول المنطقة قبل غيرها، ولكن انتقال العدوان إلى الأراضي التركية لا بد أن يفتح سياسة تركية جديدة، تدفع الخطر الداخلي عن طريق تقويضه خارجيا، فستواصل المدفعية والطائرات التركية قصف مواقع الارهابيين في سوريا، دفاعا عن نفسها وحماية لشعبها، فلم تعد مصادر التهديد داخلية فقط، وإنما وقوعها في الداخل بينما الأيدي المخططة والمدربة في الخارج أيضا.