كشف ضابط سوري علوي في الجيش السوري، مازال في الخدمة وشارك في القتال على عدة جبهات ضد فصائل المعارضة، عن حجم الاستياء بين علويي سوريا من التدخل الإيراني الواسع في الشأن السوري وهيمنته على القرار السياسي والعسكري. وحمّل الرئيس السوري بشار الأسد المسؤولية عن تجييش العلويين في حرب عبثية من خلال سماحه لإيران بتشييعهم كحالة سياسية بغلاف ديني.
وقال الضابط، الذي لايزال يباشر عمله وطلب عدم ذكر اسمه لضمان أمنه، في مقابلة خاصة مع “العرب” “لقد تعاون مع الإيرانيين أشخاص مكروهون من الطائفة العلوية”. ويسود على نطاق واسع الآن بين العلويين رأي بأن الإيرانيين هم سبب ما حدث في سوريا. فقد ظهرت عدّة حالات حدث خلالها خلاف بين الإيرانيين والمقاتلين العلويين، واستياء من قبل العلويين ولا سيما عندما بادل النظام أسرى إيرانيين لدى المعارضة مع سجناء لديه دون التطرق إلى مصير عدد كبير من المخطوفين العلويين كما حدث في عدرا العمالية ومحافظة حمص، وتعاون مع الإيرانيين أشخاص مكروهون من الطائفة العلوية، وساد بين العلويين رأي بأن الإيرانيين هم سبب ما حدث في سوريا.
وشدّد على أن حالة عدم الثقة بين الطرفين الآن وصلت إلى مراحل عالية، وقال لقد وصلت درجة عدم الثقة بين الإيرانيين وحزب الله من جهة والعلويين من جهة أخرى إلى درجة أنه لم يستطع أي منهم حضور عزاء حليفهم اللواء محمد ناصيف، معاون نائب رئيس الجمهورية ورجل إيران في النظام، عندما توفي في سبتمبر العام الماضي خوفا على أمنهم لشعورهم بسخط الطائفة عليهم في مناطق العلويين، فقد كان الاحتقان في أعلى درجاته وكان هناك خوف من رد فعل العلويين على وجود المسؤولين أو الضباط الإيرانيين بينهم.
العلويون بدأوا يدركون أن التشيع الإيراني حالة سياسية بغلاف ديني، وأنهم بعيدون عنهم فقهيا
سوريا ورقة إيران التفاوضية
وقال الضابط بحذر خوفا من التطرق إلى أسرار عسكرية تكشف هويته، إن “هيمنة الضباط الإيرانيين على الضباط العلويين أدت إلى عدة عمليات تصفية بين الطرفين، في منطقة ريف حلب شمال سوريا ومنطقة حوران جنوبها، وحاولت قيادة الطرفين استيعاب القضية لكن بقي الجمر تحت الرماد”. ونتيجة هذا الخلل وموقف العلويين السلبي من الإيرانيين بدأ الإيرانيون في الاعتماد على الشيعة السوريين بشكل كامل لمساعدتهم في أمور الدعم اللوجيستي.
وكشف عن عدة حالات انسحب فيها مقاتلو إيران وحزب الله من المعارك تاركين الضباط العلويين يواجهون مصيرهم وحيدين بما يشبه الخيانات، وقال “كان الإيرانيون يعتبرون الملف السوري ورقة تفاوض مع الغرب للحصول على صفقة في برنامجهم النووي، ولم يكن يعنيهم حماية العلويين أو الدفاع عنهم كما يدّعون، والدليل على ذلك انسحاب مقاتليهم من ساحات القتال دون التنسيق أو إبلاغ المقاتلين العلويين كما حدث في معمل القرميد وأريحا وجسر الشغور بمحافظة إدلب نهاية العام 2015، وبدأ العلويون يُدركون متأخرين أن التشيع الإيراني هو حالة سياسية بغلاف ديني، فهم بعيدون فقهيا عن شيعة لبنان وشيعة العراق لأنهم مثلا يشتمون الصحابة، وهذا أمر مرفوض لدى شيعة لبنان”.
وشدّد على أن المقاتلين العلويين سخروا طوال السنوات الماضية من إيران وضباطها، ولم يُفوّتوا فرصة لأذيتهم أو الاستيلاء على أسلحتهم وذخائرهم.
ورأى أن الوضع الآن “يشبـــه بـــداية الانفصال بين الطرفين”، وقال “مع تصاعد حدة الأزمة وقع الإيرانيون في خطأ الاعتماد على شخص بشار الأسد حصرا كممثل للنظام والطائفة، وكان التنسيق مع اللواء محمد ناصيف وبثينة شعبان والعماد آصف شوكت، والتمويل الإيراني حصرا عن طريق جمعية البستان (المملوكة لرامي مخلوف)، وزادوا من الشحن الطائفي وبدأت أعداد الإيرانيين تزداد في ساحات القتال إلى جانب العلويين، وبدأ الإيرانيون بترويج فكرة كونهم حماة العلويين من الجيش السفياني (نسبة إلى معاوية بن أبي سفيان كناية عن المعارضة ذات الغالبية السنية).
|
وبدأ الإيرانيون تدريجيا يطلبون من المقاتلين العلويين أداء الصلاة والامتناع عن شرب الخمر لكنهم لم يصغوا إليهم بل على العكس بدأت تظهر بين المقاتلين العلويين عبارات السخرية والتهكم من الخميني وحدثت حالات سرقة من قبلهم لبعض معسكرات الإيرانيين، كما حدث في الشهر التاسع من العام 2015 بمعسكر قرب مدينة مصياف.
وأشار الضابط إلى أن العلويين الآن بدأوا طور اليقظة والندم على ما فعله النظام السوري وإيران بهم، وتسبب بمقتل عشرات الآلاف من أبنائهم في حرب عبثية لحماية النظام ورموزه، كما تسبب بهروب عدد كبير من العلويين خارج سورية خوفا من التجنيد الإلزامي والزج في المعارك ومواجهة الموت عبثا، وأدّى أيضا إلى تدمير النسيج الاجتماعي السوري وخسارة العلويين علاقتهم مع بقية مكونات الشعب السوري وخاصة الغالبية السنّية التي كانت الأكثر تأثرا من عنف النظام وإيران.
احتواء إيراني للعلويين
وقال “بحسب رأي غالبية العلويين، لا يجوز حصر خياراتهم في الاعتماد على الشيعة الإيرانيين فحسب، فذلك سيؤدي إلى فقدانهم لحاضنهم السوري مهما كانت النتيجة لصالح النظام، ويرفض العلويون الانفكاك عن حاضنتهم السنية التي يتعايشون معها منذ ألف عام، لكن حب السلطة لآل الأسد جعلهم وقودا لحربه ضد الشعب السوري الذي يُشكّل السنة جزءا مهما فيه”.
وعن بدايات محاولة احتواء العلويين من قبل إيران في سوريا، قال “لقد بدأت بداية القرن العشرين بسبب العلاقة الوطيدة بين الشيخ سليمان الأحمد (أحد أهم المشايخ العلويين بداية القرن العشرين) وآل شرف الدين والموسوي في جبل عامل بلبنان، لكن خلال تلك الفترة كانت حالة الشيعة في لبنان لا تقلّ سوءا عن حالة العلويين في سوريا، وبقيت العلاقة في إطار تبادل الزيارات بين الطائفتين وخصوصا آل الموسوي وشرف الدين والحجيري وبعض فقهاء جبل عامل.
|
وأضاف “خلال ستينات القرن الماضي ظهر الإمام موسى الصدر (إمام شيعي لبناني)، وبدأ يتقرب من علويي جبل محسن في لبنان وخصوصا عائلات آل عمران وحاتم وحلوم وعابدين وحيدر. وكان يُركّز في لقاءاته معهم على قضايا الظلم والاضطهاد التي عانوا منها تاريخيا، وأخذ يهتم بأحوالهم المعيشية مما زاد من ثقتهم وإعجابهم به، فطلب منهم تشكيل المجلس الإسلامي العلوي وتشكيل هيئات وجمعيات دينية، وأرسل عددا منهم للتعلم في لبنان والنجف، وهو من قال إن العلويين هم شيعة إثني عشرية متصوفون وأن الفقر والاضطهاد هما ما منعا العلويين من بناء المساجد”.
وتابع أنه عند وصول حافظ الأسد إلى السلطة خرجت أول مظاهرة تأييد له في جبل عامل بلبنان، وازداد تواجد موسى الصدر في سوريا وخصوصا لدى آل الخطيب، وشاركهم احتفالهم بذكرى ميلاد الإمام علي. والتقى حافظ الأسد حيث أعجب به الأخير، وظل الصدر يحاول إقناعه بوجوب تشكيل مرجعية دينية للعلويين تحت العباءة الشيعية. لكن الأسد رفض ذلك لحسابات خاصة تتعلق بحكمه وتركيبة المجتمع السوري ذات الغالبية السنية، لكنه منذ ذلك الوقت كلّف اللواء محمد ناصيف بإدارة العلاقة مع الشيعة”، بحسب قوله.
ولاحقا ومع صعود الثورة الإسلامية في إيران ووصول الخميني إلى الحكم عادت الفكرة لتُطرح من جديد لكن هذه المرة انتقل التشيع من مشروع فقهي إلى مشروع سياسي. وأوكل حافظ الأسد المهمة لأخيه جميل الأسد، الذي أسس جمعية الإمام المرتضى منتصف الثمانينات من القرن الماضي.
وحوّل المشروع لصالحه الخاص ممّا أدى إلى نفور العلويين من المشروع وكانت ردات فعلهم صادمة حين حاول الإيرانيون بناء جوامع وإرسال بعثات إلى مناطقهم. وأُلغيت لاحقا الجمعية وسُجن عدد من أعضائها لفترات قصيرة ثم أُفرج عنهم، وبقي ملف العلاقة مع إيران بيد اللواء محمد ناصيف.
وأوضح الضابط أنه على سبيل المثال تمت تصفية دكتور علوي مثقف هو المهلب حسن بسبب علاقته القوية بموسى الصدر ودعواته إلى تشييع العلويين وبقيت الشبهات محصورة بين شعبة المخابرات العسكرية وسرايا الدفاع بتنفيذ عملية الاغتيال.
وفي حادثة أخرى بهذا السياق في العام 1994 عند وفاة الشيخ عبدالهادي حيدر وفي حفل التأبين وبحضور العماد علي دوبا رئيس شعبة المخابرات العسكرية آنذاك واللواء محمد ناصيف وجميل الأسد، تم رفض كلمة للدكتور أسعد علي رئيس وفد مكاتب المرجعيات الشيعية في سوريا بحضور الآلاف من العلويين في حفل التأبين.
وعن محاولات تمدد الشيعة في سوريا، قال إن حافظ الأسد سمح لإيران بإرسال 14 ألف زائر شهريا وكانت الزيارة محصورة بمؤسسة ثامن الأئمة، وكانت أماكن الزيارة محددة بفندق في دمشق ـ مقام السيدة زينب ـ مقام السيدة سكينة ـ مقام حجر بن عدي ـ ومطار دمشق الدولي، وكانوا يُمنعون من زيارة مقام علي زين العابدين وجبل المرقد بحلب والمكزون وسيف الدولة ومقام أويس القرني في الرقة، ولم يسمح لهم بتجاوز هذه الحدود بالرغم من الطلبات المتكررة حتى من الخميني شخصيا، حتى أنه رفض السماح لهم بالدخول برا عبر تركيا أو الذهاب إلى لبنان من سوريا، وحتى عند وفاة الخميني أرسل حافظ الأسد زهير مشارقة نائب رئيس الجمهورية (مسلم سني من حلب) لينوب عنه في حضور مراسم التشييع.
ولم يتمكن الإيرانيون من فهم العلويين دينيا وسياسيا واجتماعيا، على الرغم من ازدياد نشاطهم مع وصول السفير الإيراني الجديد آنذاك آية الله محتشمي إلى دمشق، حيث بنوا عددا من المساجد في القرى العلوية، فأرسلت الحكومة خطباء سنّة إلى هذه المساجد.
صحيفة العرب الندنية