فتح الهجوم الأخير لتنظيم الدولة على مدينة تل أبيض وعدد من المناطق التي سيطرت عليها وحدات حماية الشعب الكردية ولواء ثوار الرقة منذ شهر يونيو/حزيران الماضي، عددا من الأسئلة بشأن قدرة الوحدات الكردية على حماية المناطق الواقعة تحت سيطرتها والمحافظة عليها.
ويتجاوز طول الحدود التي تسيطر عليها الوحدات الكردية ثلاثمئة كيلومتر، وهذه المناطق على تماس مباشر مع المناطق الواقعة تحت سيطرة تنظيم الدولة في كل من الرقة وريف الحسكة الجنوبي وريف حلب الشرقي.
واستطاع تنظيم الدولة الإسلامية في هجوم مباغت وواسع الوصول إلى مدينة تل أبيض بريف الرقة (شمال شرق سوريا)، والسيطرة عليها بشكل شبه كامل قبل أن يتدخل طيران التحالف الدولي ويكثف قصفه على النقاط التي يتمركز فيها قناصة التنظيم داخل المدينة، كما سيطر التنظيم خلال هجومه على عدة بلدات وقرى في محيط المدينة.
وأعلنت الوحدات الكردية استعادة السيطرة بشكل كامل على مدينة تل أبيض وقرية عين العروس شمال الرقة، بعد أكثر من 12 ساعة من الاشتباكات مع تنظيم الدولة الذي لا زال يقطع الطريق الدولي حلب الحسكة، فضلا عن طريق إمداد قوات سوريا الديمقراطية بين مدينتي رأس العين وتل أبيض.
مطالبات بالتدخل
ويرى الشيخ نواف الراغب البشير، شيخ قبيلة البقارة -أكبر العشائر في سوريا- أن المليشيات العسكرية المرتبطة بحزب الاتحاد الديمقراطي غير قادرة على حماية تل أبيض، وذلك بسبب عدم انتمائها أصلا للمنطقة التي تسكنها أغلبية عربية.
وأشار البشير -في حديث للجزيرة نت- إلى أنه بسبب عدم قدرة الوحدات الكردية على حماية تل أبيض دخلها تنظيم الدولة للمرة الرابعة، مما فتح مجالا لقصف التحالف الذي يستقي معلوماته من المسلحين الأكراد على الأرض، فوقع السكان بين سندان قصف التحالف ومطرقة الاشتباكات بين التنظيمين (الدولة والوحدات الكردية).
وطالب الشيخ البشير كلا من التحالف الدولي والدول الداعمة للمعارضة السورية بدعم التحالف العسكري الذي يقوده وأبناء العشائر العربية من أجل الدخول إلى تل أبيض لحمايتها من تنظيم الدولة وإعادتها إلى أهلها، وفق قوله.
وأشار إلى أن دخول قواته سيكون فاتحة لتحرير كامل المنطقة الشرقية من سوريا من تنظيم الدولة.
افتقاد المقاتلين
بدوره، قال الناشط الكردي جوان آزادي إن الأذرع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي والقوى المتحالفة الأخرى ليست قادرة على حماية المناطق التي تسيطر عليها من دون دعم التحالف الدولي والطيران الروسي والنظام لها على الأرض.
وأوضح في حديث للجزيرة نت أن قوات سوريا الديمقراطية التي سيطرت على مدينة الشدادي جنوبي الحسكة انسحبت منها بعد أقل من يوم، لغياب طيران التحالف بسبب عاصفة غبارية قبل نحو أسبوع، الأمر الذي تسبب بمقتل وأسر العشرات من عناصرهم، كون هذه القوات تعتمد بشكل مباشر على تمشيط الطائرات خلال عمليات تقدمها في المناطق الواقعة تحت سيطرة تنظيم الدولة.
ونبه آزادي إلى أن تحالف قوات سوريا الديمقراطية -المدعوم من الغرب وروسيا- غير قادر على التقدم في أي نقطة ضد التنظيم بسبب افتقاد مقاتليه الخبرة، خاصة بعد اعتماده على أعداد كبيرة من المجندين إجباريا في صفوفه، حيث يخضع هؤلاء لدورات عسكرية قصيرة ثم يزج بهم في جبهات القتال الواسعة ضد التنظيم.
سهولة الاختراق
من جانبه، يرى المحلل العسكري راني جابر أن تقدم قوات سوريا الديمقراطية -التي تعد الوحدات الكردية عمودها الفقري- في مناطق شاسعة شمال سوريا وصولا إلى سد تشرين قرب منبج، أفسح المجال أمام تقدم “انغماسيي” التنظيم.
وأشار -في حديث للجزيرة نت- إلى أن العدد القليل من عناصر قوات سوريا الديمقراطية فرض عليها أن يكون انتشارها ذا كثافة منخفضة، مما جعل الدفاع عن المناطق التي توجد فيها ضد هجمات مشابهة أمرا شبه مستحيل، خصوصا عند عجز طائرات التحالف عن تقديم دعم جوي لها، مما يجبرها -في كل مرة يحدث فيها هجوم انغماسي- على تفريغ المنطقة من عناصرها، أو على الأقل الانسحاب لمسافات بعيدة نسبيا للسماح لطائرات التحالف بالقصف، كما حدث اليوم في شمال الرقة.
وكان تنظيم الدولة انسحب من مدينة تل أبيض شمال الرقة وسيطرت عليها وحدات الحماية الكردية وفصائل عسكرية منضوية تحت لواء غرفة علميات بركان الفرات في حزيران/يونيو 2015.
ونظمت العشائر العربية في المدينة عدة مظاهرات ضد الوحدات الكردية في ديسمبر/كانون الأول الماضي، مطالبة بخروجهم من المنطقة، واتهمتهم بارتكاب انتهاكات بحق المدنيين.
تجدر الإشارة إلى أن “انغماسيي” تنظيم الدولة تمكنوا من الوصول في يوليو/تموز من العام الفائت، إلى داخل مدينة عين العرب (كوباني) شمال شرق حلب الخاضعة لسيطرة الوحدات الكردية، حيث قتل العشرات بين مدنيين وعسكرين في المدينة قبل أن يتدخل طيران التحالف الدولي الذي ساعد الوحدات على استعادتها.
أيمن فرات
الجزيرة