قلّل مراقبون من التفاؤل بشأن نتائج الإصلاحيين في الانتخابات التشريعية الإيرانية التي جرت الجمعة، معتبرين أن هامش التغيير محدود في ظل السيطرة التي يفرضها المتشددون على المؤسسات الرقابية وعلى السياسات العامة في البلاد.
وقال مسؤولون بوزارة الداخلية إن فرز الأصوات في طهران ومدن أخرى لم يستكمل بعد لكنّ نتائج أولية أذاعتها وكالتا فارس ومهر للأنباء تشير إلى تقدم نسبي للإصلاحيين والمستقلين المرتبطين بهم على المتشددين في عدة مدن.
وأشار المراقبون إلى أنه حتى وإن لم يفز الإصلاحيون بأغلبية في البرلمان المكون من 290 مقعدا ويهيمن عليه منذ عام 2004 محافظون مناهضون للغرب فإنهم سيضمنون وجودا أكبر ممّا حققوه في الانتخابات السابقة.
وذكرت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية أن النتائج الأولية أظهرت تقدم الإصلاحيين في التنافس على عضوية مجلس الخبراء ذي النفوذ، والمكلف باختيار المرشد الأعلى الذي يمثل أعلى سلطة في البلاد.
وتزامنت الانتخابات التي أجريت الجمعة لاختيار مجلس الخبراء الذي يضم 88 مقعدا مع انتخابات البرلمان المؤلف من 290 مقعدا.
وقال سعيد ليلاز، وهو محلل سياسي وخبير اقتصادي شغل منصب مستشار للرئيس الأسبق محمد خاتمي، إن المؤشرات الأولية فاقت توقعات الإصلاحيين.
وأضاف لرويترز “يبدو أن عدد المرشحين الذين ينتمون للمجموعات الإصلاحية والمستقلة سيكونون الأغلبية في البرلمان وآمل أن يكون البرلمان الجديد مثاليا لنا”.
وتابع “توقعاتنا المبدئية لمجلس الخبراء كانت بين 15 و 20 بالمئة لكن يبدو أنها ستتجاوز ذلك”.
وتدفق عشرات الملايين من الناخبين على مراكز الاقتراع الجمعة للإدلاء بأصواتهم في انتخابات البرلمان ومجلس الخبراء والتي يرى المحللون أنها قد تكون علامة فارقة بالنسبة إلى إيران التي توجد فيها فئة شبابية دون سن الثلاثين وتمثل ما يقرب من 60 بالمئة من سكانها البالغ عددهم 80 مليون نسمة.
ومن الواضح أن المشاركة الكبيرة في الانتخابات، خاصة من جانب الشباب، كان هدفها التعبير عن يأسهم من سيطرة المتشددين على الحياة العامة منذ ثورة آية الله الخميني في 1979، ورغبتهم في الدفع بأسماء جديدة في البرلمان مع معرفتهم أن هامش التأثير محدود.
لكنّ متابعين للشأن الإيراني لفتوا إلى أن الإقبال الكبير يعود إلى ضغوط مورست على الإيرانيين للمشاركة بينها مخاوف من رقابة الأجهزة الأمنية، وأخرى تتعلق بالمصالح خاصة ضعاف الحال، فمن لا يصوت يتم إيقاف راتب التموين الغذائي عنه.
وقد ينجح الإصلاحيون في البرلمان في تحقيق بعض المكاسب المحدودة في المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي، لكن لا يمكن الحديث عن تغييرات جوهرية يمكن أن يحدثوها في مجال الحريات أو في السياسات الخارجية التي يتحكم بها مجلس الخبراء والمرشد الأعلى علي خامنئي.
ولم يسمح مجلس صيانة الدستور الذي يهمين عليه المتشددون سوى بترشح المرضيّ عنهم، وقد أطاح بحوالي نصف المرشحين والذين يفوق عددهم 12 ألفا من الذين سجلوا أسماءهم للمشاركة في هذه الانتخابات، وكان أغلب المستبعدين من الإصلاحيين.
ويجد الرئيس حسن روحاني، الذي يعتبر من الإصلاحيين، نفسه مجبرا على تنفيذ سياسات المتشددين، وتجنب الاصطدام بهم، وهو ما يؤكد أن الرهان على تغيير نوعي في المشهد الإيراني بمثابة الأمر المستبعد سواء في قضايا الداخل أو الخارج.
وقال توماس إردبرينك الكاتب في الشؤون السياسية في النيويورك تايمز الأميركية إن أفضل ما يمكن أن نأمله الآن هو وجود أقلية قوية من الإصلاحيين والمعتدلين في البرلمان الجديد.
وأضاف إردبرينك أنه من غير المرجح أن تتغير السياسة الخارجية الإيرانية، التي يسيطر عليها المرشد الأعلى والذي لا يخفي الرغبة في استمرار سياسة العداء تجاه الغرب.
ويصرّ خامنئي على أن الاتفاق النووي لم يكن الخطوة الأولى في إجراء مصالحة واسعة مع الغرب. وكان واضحا عندما توقع منذ أيام بأن البرلمان الجديد سوف يكون معاديا للغرب.
ولا شك أن البرلمان الجديد لن يقدر على الاعتراض على سياسات إيران في المنطقة، وسيكون داعما لها حتى ولو استأثرت بجانب كبير من الأموال التي ستحصل عليها البلاد بعد رفع العقوبات الغربية عنها.
وأكد دنيس روس، عرّاب السياسة الخارجية الأميركية ومهندسها لعقود من الزمن، في تصريحات خاصة لـ”العرب” أنه لا وجود لأيّ دليل حتى هذه اللحظة على تغيّر سلوك إيران في المنطقـة بعد توقيع الاتفـاق، كما كـان الرئيس الأميركي باراك أوبـاما يروّج.
كما أن طهران حسب روس “مازالت تدعم الجماعات الإرهابية، كحزب الله والميليشيات الشيعية الأخرى. وخطابها العدائي ضد أميركا ازداد شراسة على لسان المرشد العام خامنئي، وفي الحملات الانتخابية” الأخيرة.
وأوضح روس (المقابلة) أن إيران “تلعب اليوم دورا مخرّبا في العراق. وتمنع رئيس الوزراء حيدر العبادي من تسليح القبائل السنية لمحاربة داعش، بالإضافة إلى اعتقالها مواطنين أميركيين”.
وأضاف “ما يبدو حتى الآن هو أن حجة واشنطن بأن هذا الاتفاق سيغيّر من طبيعة إيران وسيقوم على تقوية التيار الإصلاحي فيها غير واقعية بالمرة. بل على العكس من ذلك نلاحظ أن التيار المتشدّد ما زال هو المسيطر هناك”.
صحيفة العرب اللندنية