يوجه كثير من دول الشرق الأوسط صراعات عسكرية داخلية وأهلية. وفي الوقت الذي انزلقت عدّة دول إلى هذا المستنقع الخطر، لاسيما العراق وسورية وليبيا واليمن ولبنان، فإن دولا أخرى في المنطقة تواجه هذا خطر، بسبب توافر الظروف والأسباب والدوافع لدى المكونات الاجتماعية والمذهبية والسياسية.
ويبرز هنا الخلل الاقتصادي والاجتماعي العميق في مجتمعات تلك الدول، والناتج عن سوء إدارة الأنظمة لمقدرات الشعوب، سواء كانت ثروات مالية أم بشرية، فتدفع هذه الشعوب ثمن هذا الخلل من دماء أبنائها، كما الثمن الباهظ أيضا الذي دفعته بعض الأنظمة السياسية أو ستدفعه، طالما ما تزال تضرب عرض الحائط بمعالجة أسباب الخلل، وتبحث في أحيان أخرى عن مبررات لإحكام القبضة الأمنية على شعوبها، مع عدم الرغبة في إنجاز إصلاحات حقيقية على مختلف الصعد.
إن الصراعات المذهبية والأهلية التي اندلعت في بعض دول الشرق الأوسط هي المسبب الرئيس الذي أفضى إلى بروز التشدد المذهبي والتطرف الديني والسياسي. وقد تشكل هذا التطرف من جماعات وتنظيمات إرهابية لاقت رواجاً وقبولاً كبديل بالنسبة للكثير من فئات الشباب، للخروج من الموقف “المتجمد” غير القابل للتغير والتطوير في المجتمعات. وبالتالي، برزت هذه التنظيمات متمثلة بـ”داعش” و”النصرة” وغيرهما، وهي تنظيمات أكثر تشدداً ودموية من التنظيم الأم؛ “القاعدة” الذي فرخ وعزز الفكر والمرجعية الأيديولوجية لهذه التنظيمات. ليس هذا فحسب، بل إن هذه الصراعات خلقت البيئة الجغرافية والاجتماعية الحاضنة لهذه التنظيمات.
إضافة إلى ذلك، فإن المهجرين والفارين واللاجئين من مناطق الصراع الطائفي أصبحوا مشاريع قابلة للاستقطاب والانضمام للتنظيمات المتطرفة والإرهابية، وذلك لكل ما انطوت عليه معاناة هؤلاء الفاقدين لأبسط حقوق الإنسان.
إن الإرهاب هو نتاج للمواجهات والصراعات الطائفية والأهلية في معظم دول الشرق الأوسط وليس العكس. وإن لم تتم معالجة الأسباب الحقيقية والدوافع الرئيسة لظاهرة التطرف والإرهاب، فإننا سنبقى في دائرة رد الفعل على ظاهرة تفريخ منظمات الإرهاب مستقبلاً، ومزيداً من التطرف على مستويات الأفراد والأقليات والجماعات المختلفة. وتبقى الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب على أهميتها جهداً جيداً لمواجهة نتائج ظاهرة الصراع والحروب الأهلية، لكن لا بد من معالجة الجذور والدوافع السياسية لكل مظاهر التطرف والإرهاب بألوانه ومبرراته المختلفة.
د.راكز الزعارير
صحيفة الغد الأردنية