“في 26 شباط/فبراير، خاطبت مونيكا بيكرت منتدى سياسي في معهد واشنطن. والسيدة بيكرت هي رئيسة قسم سياسة المنتجات في الـ “فيسبوك”، وعملت سابقاً كمساعدة لمحامي الولايات المتحدة في المنطقة الشمالية من ولاية الينوي، كما شغلت منصب مستشارة قانونية مقيمية في السفارة الأمريكية في بانكوك. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتها”.
لطالما حرصت شركة “فيسبوك” على جعل موقعها الإلكتروني آمناً وعدم سماحها للأشخاص باستغلاله من أجل الترويج للإرهاب. ويُعتبر ذلك تحدياً نظراً لعدد مستخدمي الموقع الذي يقارب حالياً 1.6 مليار مستخدم عادي، علماً أن الغالبية العظمى منهم متواجدون خارج الولايات المتحدة. ولمواجهة هذا التحدي، وضع “فيسبوك” مجموعة “معايير خاصة بالمستخدمين” تحظر بعض الأنشطة، ويقوم بإنفاذ هذه المعايير من خلال فريق مسؤول عن سياسة المحتوى يعمل في خمسة مكاتب من حول العالم. ويتمتع أعضاء الفريق بخلفيات مختلفة (محامين، وموظفي المنظمات غير الحكومية، وما إلى ذلك)، إلا أن الشركة تعي أيضاً ضرورة استشارة الخبراء الخارجيين. على سبيل المثال، غالباً ما تتواصل مع منظمات أخرى للإطلاع على تفسيرها للأحداث الإرهابية، بما فيها “معهد واشنطن”.
السياسة والاستجابة
لا يسمح “فيسبوك” لأي عضو في منظمة إرهابية أو أي تنظيم عنيف آخر بالقيام بأي نشاط على موقعه. وهذه سياسة شاملة، الأمر الذي يعني أنه يُحظر على مستخدمي الموقع الذين يتبين أنهم ينتمون لمثل هذه التنظيمات استخدام الموقع، بغض النظر عن المحتوى الذي يتناولونه على حساباتهم. وبالمثل، عندما يدرك “فيسبوك” أن حساباً معيناً يدعم الإرهاب، يلغي عضوية صاحبه وينظر إلى المحتوى والحسابات ذات الصلة. فلطالما قال الخبراء للشركة إن أفضل طريقة للعثور على الإرهابيين هي العثور على أصدقائهم.
وتقوم سياسة أخرى لموقع “فيسبوك” على إزالة المحتوى الداعم أو المروج للتنظيمات العنيفة أو لأعمالها، حتى لو لم يكن هناك سبباً كافياً لإغلاق حساب الشخص. وفي مثل هذه الحالات، تختلف النتائج بالنسبة إلى المستخدمين. فأولئك الذين ينتهكون سياسة “فيسبوك” للمرة الأولى يتلقون عادةً تحذيراً، ولكن إذا لاحظ “فيسبوك” خطراً فعلياً واعتقَدَ أن إحالة المعلومات لوكالات إنفاذ القانون ضرورية لدرء الأذى، فسوف يفعل ذلك. كما تتبع الشركة نهجاً متيناً للاستجابة لطلبات وكالات إنفاذ القانون، إذا ما افترضنا أن السلطات يمكنها تأمين الحكم القضائي المناسب.
يتلقى “فيسبوك” أكثر من مليون بيان عن انتهاكات محتملة للموقع يومياً، لا ترتبط فقط بالإرهاب بل أيضاً بحالات التنمر والمضايقة واستغلال الأطفال وسلوكيات أخرى محظورة. ويتم تقييم هذه البيانات من قبل أشخاص فعليين من جميع أنحاء العالم يراجعون المحتوى بأكثر من أربعين لغة ويمكنهم الاستعانة بخدمات الترجمة الخارجية عند الضرورة. ولكن الموضوع الأكثر أهمية هو تقديم البيانات للشخص المناسب لدراسة الموضوع المطروح. على سبيل المثال، لدى “فيسبوك” خبراء داخليون متخصصون في تحليل الأنشطة الداعمة للإرهاب وهم يخضعون لتدريب مستمر على يد أكاديميين وباحثين يتم استقدامهم لإطلاع فريق العمل على أحدث المصطلحات والرموز والمعلومات الأخرى ذات الصلة.
بالطبع، حتى عندما يتم إقفال حسابات المخالفين، سيحاول هؤلاء بلا شك معاودة نشاطاتهم على الإنترنت بطريقة أو بأخرى. فمن السهل إنشاء حساب على الـ “فيسبوك” و”تويتر” و”يوتيوب” وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي. وذلك أمراً متعمداً، حيث تريد الشركات أن يعمل الأشخاص على استخدام هذه الخدمات من دون وضع عوائق كثيرة أمامهم. ونتيجة ذلك، يختلط “الصالح بالطالح” على هذه المواقع لا محالة. وصحيح أن “فيسبوك” يتّبع إجراءات لمنع العناصر الفاسدة من معاودة نشاطها، إلا أن النظام القائم يفتقر إلى الكمال.
الترويج للخطاب المعاكس
يدرك “فيسبوك” أن إزالة المحتوى غير كفيلة لوحدها بمعالجة المشكلة، إذ أن دفع الأشخاص إلى التعبير عن آرائهم بالفعل وتحدي الأيديولوجيا الإرهابية يتطلب أكثر من ذلك. ومع أخذ هذا في نظر الاعتبار، أخذت الشركة تستثمر في الخطاب المعاكس، الذي يتضمن نشر التوعية ومقاومة بعض أنواع الخطابات وتشجيع الأشخاص على تحدي الأيديولوجيا التحريضية أو المتطرفة.
وبالفعل، ينشئ المستخدمون هذا النوع من المحتوى على الموقع منذ سنوات. على سبيل المثال، ساهمت الصفحات التي تم إنشاؤها على “فيسبوك” لنشر التوعية حول عمليات الخطف التي تنفذها جماعة “بوكو حرام” ورمز “الهاش تاج” “#BringBackOurGirls” (أعيدوا فتياتنا). وفي أعقاب الهجمات على مجلة “شارلي إبدو” في فرنسا في كانون الثاني/يناير 2015، استخدم أكثر من سبعة ملايين شخص الموقع للتعبير عن تضامنهم مع الضحايا ومعارضة الإرهاب. وبالتالي، كان “فيسبوك” يعلم بأن الخطاب المعاكس منتشر بالفعل، غير أنه كانت هناك حاجة لتبني مقاربة أكثر توجهاً نحو البيانات إزاء هذا الموضوع، بهدف تمكين الأشخاص من ابتكار المزيد من الخطابات [المعاكسة].
وتحقيقاً لهذه الغاية، بدأت الشركة بإجراء أبحاث مع مركز الأبحاث البريطاني “ديموس” منذ ما يقرب من عامين، من خلال دراسة أنواع حملات الـ “فيسبوك” التي تنجح في محاربة التطرف العنيف وأسباب نجاحها. وعند اكتشاف عوامل نجاح الحملات، يكون باستطاعة “فيسبوك” مشاركتها مع الآخرين الراغبين بنشر الرسالة ذاتها في مناطق أخرى.
وقد برزت ثلاثة عوامل نجاح حتى الآن. العامل الأول هو الشكل، إذ أن التصوير المرئي يلعب دوراً هاماً للغاية في نجاح الحملة، وهو الأمر بالنسبة للإيجاز. فمتوسط وقت مشاهدة أشرطة الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل المستخدمين قصير على نحو صادم، وبالتالي، لا تُعتبر رسالة أمدها خمس دقائق أفضل وسيلة للتواصل مع الجمهور.
أما العامل الثاني فهو اللهجة. ففي فرنسا على سبيل المثال، إن ربع المحتوى على الصفحات المروِجة للأيديولوجيا التحريضية يتألف تقريباً من تعليقات مناهضة لهذه الأيديولوجيا. إلا أن معظم الخطابات المعاكسة ليست بناءة بشكل خاص لأنها تعتمد مقاربة هجومية. ومن خلال أبحاثه المنجزة مع “ديموس”، استنتج “فيسبوك” أن الرسائل الإيجابية البناءة تنجح أكثر من غيرها في حث الأشخاص على معارضة أيديولوجيات معينة. وتُعتبر الفكاهة والسخرية على وجه التحديد أدوات فعالة في هذا السياق.
ويقوم العامل الثالث على تحديد المتكلم الأكثر تأثيراً بجمهور معين. على سبيل المثال، لن تتمكن شخصية حكومية على الأرجح من الاستحواذ إلى حد كبير على انتباه الشباب المشككين في السلطة، فهؤلاء هم على الأغلب أكثر استعداداً للاستجابة لأحد المشاهير أو الرموز الشابة أو شخصية عاشت تجربتهم. كما يعتمد اختيار المتكلم والجمهور على هدف الحملة، سواء لنشر التوعية أو لإبعاد الأشخاص بشكل ناشط عن الأيديولوجيات العنيفة.
وبالإضافة إلى عمله مع “ديموس”، يدعم “فيسبوك” جهود الجماعات الأخرى الرامية إلى الترويج لأنواع مختلفة من الخطابات المعاكسة. ومن بين هذه الجماعات “معهد الحوار الاستراتيجي”، الذي نشر في نهاية العام الماضي أبحاثاً حول المداخلات الفردية. وكما هو الحال في أنواع أخرى من الحملات، تُعتبر اللهجة مهمة للغاية في سياق التواصل الفردي. وقد أشار المعهد إلى أن هذه المحادثات يجب أن تبدأ بطريقة عفوية غير اتهامية إلى أن تتطور العلاقة بشكل كاف.
كما يهتم الـ “فيسبوك” باستخدام عناصر اللعبة، فيجعل بذلك ابتكار الخطاب المعاكس عملية مرحة وربما تنافسية بعض الشيء، خاصة بالنسبة للشباب. وقد عملت الشركة مع جماعات خارجية متنوعة تتفوق في هذا المجال، بما فيها “EdVenture Partners“. فبالتعاون مع وزارة الخارجية الأمريكية و”فيسبوك”، تدير “EdVenture Partners” برنامج “الند للند” (“Peer 2 Peer“)، الذي يتنافس فيه طلاب جامعيون من مختلف أنحاء العالم على ابتكار حملات مناهضة للتطرف العنيف خلال دورة تمتد على فصل دراسي واحد.
التعاون مع سلطات إنفاذ القانون ووسائل التواصل الاجتماعي
خلال العامين الماضيين، شارك “فيسبوك” في مناقشات طاولة مستديرة مغلقة بشأن مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف. وبما أن الشركات الأخرى المشاركة في هذا المنتدى تبقى مجهولة الهوية، يمكنها أن تكون جد منفتحة مع بعضها البعض حول الأمور التي تلاحظها والطرق التي تعتمدها لمواجهة تلك التحديات، من دون أن يتم الحكم عليها من قبل أطراف خارجية.
ويشارك “فيسبوك” أيضاً في مجموعات عمل مع “الإنتربول” والاتحاد الأوروبي. ويُعدّ هذا الحوار مثمراً للغاية، إذ أن الشركة اطَّلعت من خلاله على التوجهات المرتبطة بالإرهاب في أوروبا وأخذت هذه الدروس في الحسبان عند صياغة سياسات الإنفاذ الخاصة بها.
وفي الوقت نفسه، لطالما أدرك “فيسبوك” الحاجة لحماية حسابات الناشطين الذين يقفون ضد التطرف وغيره من المشاكل. ففضلاً عن منع قراصنة الشبكة من اختراق هذه الحسابات، تتبع الشركة نهجاً صارماً للغاية من أجل التدقيق في طلبات الحكومة بالحصول على بيانات الأشخاص، إذ تحرص على مرورها بالقنوات الملائمة.
التحديات في المرحلة القادمة
إن الطابع المتطور باستمرار الذي تشهده وسائل التواصل الاجتماعي يعني أن تحديات جديدة وربما غير مرتقبة ستبرز في معظم الأحيان. على سبيل المثال، أصبحت مشاركة أشرطة الفيديو رائجة للغاية في السنوات الأخيرة حيث أصبحت الهواتف الذكية والشبكات مجهزة بشكل أفضل لهذه الغاية. ولكن ماذا إذا نظرنا إلى هذا التطور من منظور أعضاء فريق عمل الـ “فيسبوك” المكلفين بمراجعة محتوى أشرطة الفيديو لاكتشاف أي انتهاكات فيها؟ ماذا يمكنهم أن يفعلوا عندما تطول المدة المتوسطة للأشرطة التي تتم مشاركتها فتصبح أكثر بضعفين وثلاثة أضعاف؟ هناك أدوات تسهّل مراجعة أشرطة الفيديو وفصلها إلى أجزاء أكثر قابلية للاستيعاب، إلخ. ولكن ماذا عن الصوت؟ ماذا إذا كان محتوى الفيديو المرئي مقبولاً ولكن التسجيل الصوتي يحوي خطاباً تهديدياً؟ في الوقت الحاضر، لا توجد إجابة سهلة على هذه الأسئلة، وينبغي على الـ “فيسبوك” أن يبقى متنبهاً لهذه المواضيع مع تطور التقنيات ذات الصلة.
أ.ج بيلوف
معهد واشنطن