في الوقت الذي كانت تحاصر فيه قوات الأمن الأردنية، الثلاثاء، إرهابيين متحصّنين في بناية سكنية في مدينة إربد الأردنية الشمالية، أفادت تقارير إخبارية بأن قوات حرس الحدود الأردنية استقبلت 76 لاجئاً سورياً خلال الـ 24 ساعة الماضية من مختلف الفئات العمرية ومن الجنسين. كما قامت بتأمين نقلهم إلى مراكز الإيواء والمخيمات المعدة لاستقبالهم. وقدمت كوادر الخدمات الطبية الملكية الرعاية الصحية والعلاجات الضرورية للمرضى من اللاجئين.
وما بين الحدثين، تكمن الحكاية. ففي حين كان الأردنيون يعيشون أكثر لحظاتهم قلقاً بعد ورود أنباء عن وجود خلية إرهابية تعتزم تنفيذ تفجيرات بأسلحة نوعية تستهدف مقار أمنية وعسكرية حساسة، كان هناك من يؤوي لاجئين سوريين فارين من جحيم الأسد، بعد أن وصلت أعدادهم إلى مليوني لاجئ يقيمون على أراضي المملكة.
وبين هذين الواجبين، الإنساني والأمني، وهما مترابطان وتكاد أن تكون بينهما علاقة سببيّة، يجد الأردن نفسه محاصراً على أكثر من جهة، ومن أكثر من جهة. إنه الآن، بعد العملية الأخيرة التي نجحت قوات الأمن الأردنية في صدّها وإخماد نيرانها، ببراعة وحرفية، أضحى في قلب المواجهة. صحيح أنّ الانتصار كان لمصلحة أجهزة الأمن والمخابرات في «موقعة إربد»، لكنّ ذلك لا يعني انتهاء التهديد، بل لعل الأمر على العكس تماماً، فلربما كانت المعركة قد بدأت الآن.
وما يزيد الأمر إقلاقاً وبعثاً على المخاوف، أنّ المعلومات الأولية تشير إلى أنّ أفراد الخلية العشرين أردنيون، ما يعني، للوهلة الأولى، أنّ تنظيم «داعش» الذي لم يعلن مسؤوليته، حتى لحظة كتابة هذا المقال، عن العملية، جعل الأردن ضمن ساحات المواجهة، بعد أن سقط الاتفاق غير المكتوب بين الطرفين بأن يكون الأردن، كما يشاع، ممراً نحو سورية.
ومن غير المستبعد أبداً أن تكون هناك أطراف إقليمية فوق داعشية ترغب في أن تسقي الأردن علقم الألم الذي تتجرعه دول الجوار. أضف إلى ذلك أنّ تغيير قواعد اللعبة المرتبطة بالأصل بسورية والعراق ومكافحة التنظيمات الإرهابية وفي طليعتها «داعش» قد وجهّا البوصلة نحو الأردن من أجل حشره في زاوية ضيقة، ودفْعه إلى خيارات صعبة وربما «انتحارية».
وفي هذا السياق، دعت شخصيات أردنية محسوبة على نظام بشار الأسد، في أعقاب عملية إربد، مباشرة إلى «التنسيق الفوري مع قوات الجيش العربي السوري للقضاء على الإرهاب على جانبَي الحدود»، في ابتزاز فجّ، لا يستطيع المراقب أن يفصله عن التهديد «الإرهابي» ذاته الذي أطلّ برأسه شمالي الأردن، وربما يتضاعف هذا الابتزاز الذي يمارسه سدنة الأسد من شبيحة ويساريين متقاعدين وممانعين متثائبين، بهدف اقتلاع الأردن من محوره، وزجه في أتون حروب الأسد وإيران و «حزب الله» ضد السوريين، تحت ذريعة أنّ «المعركة ضد القوى الطائفية الظلامية التكفيرية، هي نفسها في الأردن وسورية ولبنان والعراق ومصر»!
«موقعة إربد» أكدت أنّ قوى الظلام سواء كانت تحمل كتب ابن تيمية وسيد قطب، أم كتب لينين، هي ذاتها من حيث الخلفية والمرجعية والأيديولوجيا، فالذي يقتل الأبرياء لا يختلف عمن يتضامن معه ويشدّ على يديه وييمّم وجهه صوب دمشق ليقابل «دراكولا العصر»، قاتل الأطفال «المقاوم الممانع» ويضع على كتفيه الكوفية الأردنية، ويلتقط الصور التذكارية معه، ولا بأس بأن يذكّره بأنّ المعركة مفتوحة، «فاضرب يا سيادة الرئيس في كل مكان»!
الأردن في معركة مفتوحة مع الإرهاب والمتطرفين والشبيحة وحفنة من منتسبي «الطابور الخامس» المستعدة أن تقايض أمن بلادها بأي شيء، فالذي لا تهزّه مأساة السوريين الأفظع في التاريخ المعاصر، لن يحرك «ضمير»ه، زلزالٌ يُحدثه صاروخ سكود تطلقه «قوات الجيش العربي السوري» ليس ضد إسرائيل، وإنما ضد السكان المدنيين في حمص!
موسى برهومة
نقلا عن الحياة