تونس – قالت أوساط تونسية مطلعة إن تعهد الرئيس قيس سعيّد بالتصدي لمحاولات التسلل إلى الأجهزة الأمنية لـ”خدمة مصالح جهات معينة”، المقصود به هو حركة النهضة الإسلامية التي تثار الشكوك دائما حول مساعيها لاختراق المؤسسة الأمنية منذ فترة حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة وخلفه زين العابدين بن علي ثم مرحلة ما بعد الثورة التي قادت فيها الحركة أكثر من حكومة سواء بشكل مباشر أو من وراء الستار.
وأشارت إلى أن قيس سعيد يعمل على تطويق النهضة من مختلف الاتجاهات، وخاصة منعها من توظيف نفوذها في الوزارات الحساسة مثل الداخلية والعدل لإرباك خططه لتغيير الأوضاع في البلاد، لافتة إلى أن الرئيس لا يريد أن يكتفي بتجميد البرلمان وحلّ الحكومة وسحب الغطاء السياسي الذي تتحرك تحته النهضة، وأنه يعمل على استراتيجية أوسع تفكك استراتيجية التمكين التي عملت على تثبيتها الحركة خلال عشر سنوات.
وشدد الرئيس سعيد في حديثه بمناسبة الذكرى الخامسة والستين لإنشاء الحرس الوطني على أهمية “وحدة الدّولة”. وقال إنه “سيتمّ التّصدي بالقانون لكل محاولات التّسلل إلى الأسلاك (أجهزة الأمن) الحيوية في الدولة، وتوظيفها لخدمة مصالح جهات معينة (لم يسمّها)”.
ومنذ إجراءات الخامس والعشرين من يوليو التي جمّد من خلالها البرلمان وحلّ الحكومة، أحدث الرئيس سعيد تغييرات شملت قيادات أمنية بارزة سواء في وزارة الداخلية أو المناطق، وذلك استجابة لمطالب شعبية وسياسية بضرورة تفكيك نفوذ حركة النهضة داخل هذه الوزارة الحساسة، وتعيين قيادات معروفة بالمهنية والالتزام بالحياد عن الأجندات السياسية التي سيطرت على تونس بعد الثورة.
كما أجرى الرئيس سعيد تغييرات شملت عددا من الولاة (المحافظين) المحسوبين على حركة النهضة في ضوء اتهامات لهم بأنهم كانوا ينفذون أجندتها أكثر من سعيهم لتحسين أوضاع المواطنين في المناطق التي كانوا يشرفون عليها.
وقال مصدر تونسي خيّر عدم ذكر اسمه أن الرئيس سعيد نجح خلال الفترة الماضية في الاطلاع على تفاصيل كثيرة عن نفوذ حركة النهضة داخل الوزارة، وهو ما جعله يلوّح بكشف الأسماء بالتفصيل.
وأضاف المصدر في تصريح لـ”العرب” أن قيس سعيد بات يمتلك ملفات أمنية ترصد خطط حركة النهضة، وأن هذا المعطي هو السبب المباشر الذي جعل راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة يخفف من ظهوره الإعلامي ويتجنب أيّ تصريحات أو تحركات من الممكن أن تثير غضب قيس سعيد وتضطره إلى توظيف ما يمتلكه من ملفات والدفع بها إلى القضاء.
وفي رسالة واضحة وحاسمة قال الرئيس سعيد “هناك للأسف من يريد أن يتسلل إلى هذه الأسلاك (المؤسسات) الحيوية بحثًا عن موقع قدم فيها.. فليعلم منذ الآن أن محاولاته ستبوء بالفشل، وستتم تسميتهم بالأسماء”.
وتابع “ستظلّ هذه المرافق عمومية وطنية للجميع على قدم المساواة”.
وأشاد سعيد بعناصر الحرس الوطني قائلا “أُثني على إنجازات أعوان الحرس الوطني في محاربة الإرهاب والإرهابيين”.
ويعتقد مراقبون محليون أن الرئيس سعيد يمشي في الطريق الصحيح رغم بطء الإجراءات، وأن توسيع دائرة المواجهة مع حركة النهضة هو أسلم طريق لتحييدها عن السلطة، إذ لا يكفي أن يتم توقيف الواجهة السياسية التي تتحرك من خلالها بل لا بد من التعاطي بجدية مع حجم الاختراق الذي عملت على تحقيقه وعدم إهمال أيّ تقارير أو قضايا مرفوعة ضدها وضرورة التثبت فيها والتأني في ردة الفعل.
وفي ردة فعل واضحة على انزعاج النهضة من استراتيجية قيس سعيد في تتبع نفوذها في مختلف المؤسسات بدأت النهضة تتحرك بحثا عن ضغط خارجي يمكن أن يربك هذا المسار ويدفع الرئيس التونسي إلى إغفال ما بين يديه من ملفات والاهتمام بالدفاع عن التهم التي تأتي من جهات خارجية.
وأثار الغنوشي الثلاثاء غضبا في الشارع التونسي حين أعلن أنه كلف نائبين بحضور مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي في النمسا، على الرغم من قرار التجميد لاختصاصات البرلمان الذي أصدره الرئيس قيس سعيد منذ أكثر من شهر.
وقال الغنوشي إنه تلقى دعوة من الاتحاد البرلماني الدولي للمشاركة في أعماله في فيينا بين يومي 6 و9 سبتمبر الجاري.
توسيع المواجهة مع النهضة أسلم طريق لتحييدها عن السلطة، إذ لا يكفي أن يتم الاكتفاء بالواجهة السياسية وإغفال التمكين
وتابع في تدوينة على حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك “نظرا للظروف الاستثنائية التي تمر بها بلادنا تم تفويض النائبين أسامة الخليفي وفتحي العيادي لتمثيل رئيس مجلس نواب الشعب في هذا المؤتمر”.
وجمّد سعيد البرلمان وأقال رئيس الحكومة منذ الخامس والعشرين من يوليو الماضي ضمن حزمة أخرى من التدابير الاستثنائية كما رفع الحصانة البرلمانية عن النواب وبعضهم ملاحق من القضاء المدني والعسكري فيما منع باقي النواب من السفر كإجراء احترازي.
وهذا أول نشاط يمارسه نواب من البرلمان المجمد في مهام رسمية منذ الخامس والعشرين من يوليو وشمل الخليفي من حزب “قلب تونس” وفتحي العيادي النائب عن حركة النهضة والمتحدث الرسمي باسم الحزب.
وطالما أكد قيس سعيد، الذي استخدم المادة 80 من الدستور لتعطيل البرلمان لوجود “خطر داهم” على الدولة، أنه لن تكون هناك عودة إلى الوراء ولمّح إلى طرح إصلاحات سياسية يرجّح أن تطال الدستور ونظام الحكم والقانون الانتخابي والذهاب إلى انتخابات مبكرة.
وفي الثالث والعشرين من أغسطس الماضي مدد سعيد التدابير الاستثنائية إلى أجل غير مسمى وقال إنه سيتوجه ببيان إلى الشعب دون أن يحدد موعدا لذلك.
العرب