إن القفزات التي شهدتها الصين خلال العقدين الماضيين جعلت منها قوة دولية فاعلة ومؤثره، وذلك في ضوء صعودها الاقتصادي المذهل وكونها ثاني أكبر اقتصاد عالمي وتنافس الاقتصاد الأمريكي بقوة على المركز الأول. كما أنها تمثل ثاني أكبر إنفاق عسكري في العالم، وتنمو قدراتها العسكرية التقليدية والنووية على نحو ملحوظ، حيث تربط بكين بين تطورها الاقتصادى وتطوير منظوماتها العسكرية. وقد انعكس الصعود الصيني على عقيدتها العسكرية التي تم تعديلها لتتجاوز مفهوم القوة الإقليمية الذي طالما حكم السياسة الصينية، ليتبنى مبادئ قتالية جديدة تتفق مع وضع القوة العظمى الحديثة، مثل التعريف الموسع للحدود الإستراتيجية، والردع الإستراتيجي، وأخذ زمام المبادرة بتوجيه الضربة الأولى، واكتساب قدرة أكبر على استخدام قوتها خارج حدودها، وتعزيز تحولها الإستراتيجي من قوة برية لتصبح قوة برية وبحرية.
وفي هذا السياق، قامت الصين بإعادة صياغة استراتيجيتها تجاه منطقة الشرق الأوسط على النحو الذي يتواءم مع وضعها كقوة كبرى فاعلة من ناحية، ومع مستجدات الواقع الإقليمي في أعقاب الثورات العربية وتداعياتها من ناحية أخرى. وجاءت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينج للمنطقة في يناير الماضي لتؤكد مجموعة من الأبعاد للإستراتيجية الصينية إزاء منطقة الشرق الأوسط.
كانت مواقف الصين دومًا إيجابية ومؤيدة للحق العربى وداعمة للمواقف العربية، وكذلك للتعاون والعمل العربي المشترك
المكان العربية في الاستراتيجية الصينية
أولها، أن المنطقة العربية وخاصة مراكز الثقل العربي، والقوى العربية الفاعلة وفي مقدمتها مصر والمملكة العربية السعودية، ما زالت تحتل أولوية واضحة في الاستراتيجية الصينية. فقد سبق الزيارة إصدار بكين يوم 13 يناير وثيقة رسمية تعتبر الأولى من نوعها حول سياسة الصين تجاه الدول العربية, تضمنت التأكيد على عمق التعاون بين الجانبين والآفاق الرحبة التي تتطلع لها الصين في تعاونها مع العالم العربي، وأن تستطيع الدول العربية “ركوب القطار السريع للتنمية الصينية” على النحو الذي يحقق التنمية المشتركة ويخلق مستقبلا أكثر إشراقا مع الدول العربية. وأعادت الوثيقة التأكيد على نهج الصين القائم على عدم التدخل في الشئون الداخلية وتسوية النزاعات عبر الحوار.
وكان الرئيس الصيني الأسبق جيانج تسى قد قام بأول زيارة من نوعها لمقر جامعة الدول العربية في أكتوبر عام 1996، وتم توقيع الاتفاق الخاص بإنشاء منتدى التعاون العربي الصيني في 14 سبتمبر 2005 تتويجًا للتطور الملحوظ الذي شهدته العلاقات الصينية العربية على مستوى جامعة الدول العربية، وكذلك على مستوى العلاقات الثنائية منذ النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي. ومن المعروف أنه رغم المسافة الجغرافية بين المنطقة العربية والصين فإن الأخيرة أرتبطت بعلاقات تاريخية وحضارية عميقة مع المنطقة التي مثلت جوار مباشر للصين في فترة المد الإسلامي منذ القرن الثامن الميلادي حيث وصلت حدود العالم الإسلامي إلى الحدود الغربية للصين. وكان أول مسجد بُني خارج شبه الجزيرة العربية في الصين وبدأ فيه تعليم اللغة العربية. ولا شك أن هذا التقارب الحضاري مثل قاعدة مهمة لإطلاق العلاقات بين الجانبين ومحددا أساسيا لتوجهات الصين تجاه المنطقة، يعزز هذا عدم وجود ماض استعماري للصين في المنطقة، بل إنها كانت من الدول التي عانت من الاستعمار. ومن ثم فإن خبرة التعاون والتواصل والتفاهم بين الجانبين أعمق من الخبرة الصراعية أو التنافسية التي تكاد تنعدم في علاقات الصين بالمنطقة.
يعزز من هذا أيضًا مصالح الصين الحيوية في العالم العربي، حيث يمثل الأخير المصدر الأساسي لسد احتياجاتها من الطاقة وتفوق وارادتها من النفط الخام من الدول العربية 146 مليون طن. كما يعد العالم العربي سوقا مهمة لتصريف المنتجات الصينية ذات قوة استيعابية كبيرة، حيث تجاوز حجم التبادل التجاري بين الطرفين 251 مليار دولار عام 2014.
على صعيد آخر، يكتسب التعاون العسكري الصيني العربي أهمية خاصة في ضوء سعي الصين إلى تنشيط صادراتها من الأسلحة. ويرجع هذا التعاون بجذوره إلى السبعينيات حين تبنت الصين سياسة الانفتاح من ناحية، واتجه عدد من الدول العربية إلى تنويع مصادر تسليحها من ناحية أخرى. وكانت مصر أول من دشن هذه السياسية في أعقاب حرب أكتوبر 1973، وتلتها العديد من الدول العربية ومنها المملكة العربية السعودية وصفقتها الشهيرة لشراء صواريخ باليستية ارض ارض متوسطة المدى قادرة على حمل رؤوس نووية من الصين. وذلك رغم الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة لإثناء الصين عن اتمام هذه الصفقة بدعوى عدم الإخلال بالتوازن في المنطقة.
وعلى الصعيد السياسي تم الارتقاء بالعلاقات بين الصين و8 دول عربية، تشمل مصر والجزائر والسعودية والإمارات وقطر والسودان والأردن والعراق، إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية. وكانت مواقف الصين دومًا إيجابية ومؤيدة للحق العربي وداعمة للمواقف العربية، وكذلك للتعاون والعمل العربى المشترك. كما إن سعيها لتحقيق مصالحها في المنطقة لم يدفعها إلى الاحتلال المباشر لها أو فرض إرادتها بالقوة على دول المنطقة وشعوبها. بل إنها تعتبر استقرار المنطقة متطلبا ضروريا لتحقيق مصالحها ومن ثم تسعى إلى الحفاظ عليه. هذا فضلًا عن الدور التنموي الحقيقي الذي تقوم به من خلال ما تقدمه من مساعدات مالية وتقنية لدول المنطقة.
وقد انعكست هذه الأبعاد الحضارية والمصلحية خلال زيارة الرئيس الصيني لمصر والمملكة العربية السعودية. فما زالت الصين تقدر عاليًا موقف مصر وكونها أول دولة عربية وأفريقية تعترف بجمهورية الصين الشعبية عام 1956، ومثل ذلك في حينه دعمًا سياسيًا كبيرًا في مواجهة الهجمة الأمريكية والغربية الشرسة عليها، وفتح الباب لاعتراف دول أخرى بها مما عزز من مكانة الصين في مرحلة حرجة من تاريخها. وشهدت العلاقات الصينية المصرية دفعات قوية كللت بتوقيع اتفاق الشراكة الإستراتيجية بين البلدين في ديسمبر 2014. وخلال زيارت الرئيس الصيني لمصر، والتي كانت الأولى منذ 12 عامًا، تم تدشين عام الثقافة الصيني المصري بمعبد الأقصر، وتم التوقيع على 21 اتفاقية ومذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في مجال الطاقة وتنمية منطقة قناة السويس.
وعلى صعيد العلاقات مع المملكة العربية السعودية، ما زال النفط والغاز الطبيعي من أهم ركائز العلاقات الاقتصادية بين الصين والمملكة، وتعتبر الأخيرة أكبر مصدر للنفط الخام إلى الصين حيث تمدها بما يقرب من 50 مليون طن من النفط الخام عام 2014. وعلى الرغم من تراجع معدل النمو الاقتصادي الصيني في الفترة الأخيرة، فإن الصين استمرت في استيراد كميات كبيرة من النفط الخام لملء خزاناتها الاحتياطية، وترغب المملكة في أن تحافظ الصين على مكانتها كأكبر مستورد للنفط السعودي، في ظل تنوع الواردات الصينية من الطاقة وثورة الغاز الصخري في الولايات المتحدة. كما تضاعف حجم التبادل التجارى بين البلدين نحو سبع مرات خلال عشر سنوات، ليصل إلى 69.1 مليار دولار عام 2014، مقارنة بنحو 10.3 مليار دولار عام 2004.
وخلال زيارة الرئيس الصيني للمملكة، والتي كانت الأولى منذ 17 عامًا حيث كانت زيارة الرئيس الصيني الأسبق جيانج زيمين إلى السعودية عام 1999هي الأخيرة على هذا المستوى، تم توقيع 14 اتفاقية بين البلدين أبرزها تلك الخاصة بانضمام المملكة لمشروع “الحزام والطريق” الذي أعلنه الرئيس الصيني شي جين بينج في سبتمبر 2013. وتسعى الصين من وراء هذا المشروع إلى الالتفات للغرب، ومواجهة إستراتيجية “الارتكاز على آسيا” التي أعلنها الرئيس الأمريكي باراك أوباما ويسعى من خلالها إلى التوجه شرقًا وتطويق الصين.
ويتضمن مشروع “الحزام والطريق” ربط الصين بأوربا من خلال الحزام الاقتصادي لطريق الحرير البرى عبر ثلاثة خطوط رئيسية يمر أولها بآسيا الوسطى وروسيا، ويمتد الثاني من الصين إلى منطقة الخليج والبحر الأبيض المتوسط مرورًا بآسيا الوسطى وغربي آسيا، ويبدأ الثالث من الصين ويمر بجنوب شرقي آسيا وجنوب آسيا والمحيط الهندي. إلى جانب طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين ويشمل خطين رئيسيين يبدأ الأول من الموانئ الساحلية الصينية ويصل إلى المحيط الهندي مرورًا ببحر الصين الجنوبي وانتهاء بسواحل أوربا، ويربط الثاني الموانئ الساحلية الصينية بجنوب المحيط الهادئ. وتشمل مبادرة “الحزام والطريق” أكثر من 60 دولة في قارات العالم القديم، آسيا وأوربا وأفريقيا، يبلغ إجمالي عدد سكانها 4.4 مليار نسمة، أي ما يعادل 63% من سكان العالم ويبلغ حجم اقتصاداتها 21 تريليون دولار، أي 29% من الاقتصاد العالمي الحالي.
وتعد المبادرة إحياءً لطريق الحرير القديم الذي يعود تاريخه إلى القرن الثاني قبل الميلاد، وكان عبارة عن مجموعة طرق مترابطة تسلكها القوافل، بهدف نقل البضائع التجارية بين الصين وآسيا الوسطى وبلاد الفرس والعرب وآسيا الصغرى وأوربا، وكان من أهم هذه البضائع الحرير والخزف والزجاج والأحجار الكريمة والتوابل والعطور والعقاقير الطبية. كما لعب الطريق دورًا أساسيًا في نقل المعارف والتفاعل بين الثقافات والحضارات المختلفة، فانتقلت عبرها الديانات والفلسفات والفنون حتى القرن السادس عشر الميلادي.
إن الصين خارج أى تحالفات في المنطقة وحريصة على بناء شراكات جادة ومتوازنة مع الدول العربية وغير العربية أيضًا
دور سياسي صينى في المنطقة
ثانيها، إرهاصات دور سياسي للصين في المنطقة حيث أصبحت الأخيرة من القوى المعنية بأمن واستقرار المنطقة، وذلك في ضوء تجاوز مصالحها مجرد ضمان تدفقات النفط إليها. فتصاعد الإرهاب في المنطقة يؤرق الصين ويهدد ليس فقط مصالحها ولكن أمنها القومي بالنظر إلى تزايد أعداد المنضمين إلى صفوف داعش من أبناء إقليم سينكيانج الصيني ذي الأغلبية المسلمة، وتورطهم في أعمال ارهابية داخل الصين. ومن المعروف أن هناك جالية إسلامية مهمة في الصين تتجاوز 25 مليون مسلم يمثلون 2% من السكان، ويتركزون في إقليم سينكيانج وإقليم ننشيا والتبت، عدد منهم ذوو أصول عربية، كما يوجد بها أكثر من 7000 مسجد منها 70 مسجدا في بكين وحدها. ومن ثم فهى، كغيرها من الدول داخل وخارج المنطقة، تستشعر الخطر الداعشي على أمنها القومي. ويفسر هذا الدعم السياسي والدبلوماسي الذي تبديه بكين للضربات الروسية في سوريا بالنظر لتحول الأخيرة إلى حاضنة للعديد من التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها داعش، وكذلك دعمها لمحاولات التسوية السلمية باعتبارها خطوة مهمة لحصار تنظيم داعش والقضاء عليه.
وفي هذا السياق استضافت بكين في ديسمبر الماضي اجتماعا ضم مسئولين كبارا من النظام السوري والمعارضة بهدف دعم التوصل لحل سياسي للأزمة، واستعادة الاستقرار في المنطقة، وهو ما اعتبر تغيرًا ملحوظًا في السياسة الصينية القائمة على البعد عن التدخل في النزاعات خارج نطاقها الإقليمي المباشر. ويمثل التأكيد على أهمية التغيير السلمي والدعوة إلى الحوار والحل السياسي ضمن الأطر القانونية وعلى أساس الوفاق الوطني، توجه ثابت في موقف الصين من سوريا. وخلال زيارة وفد المجلس الوطني السوري لبكين في 9 مايو 2012 أكد وزير الخارجية الصيني إن “موقف ومبدأ الصين بشأن القضية السورية ثابت وواضح”، موضحا أن جهود مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، في حينها، قدمت حلا عمليا وفرصة مهمة للأزمة، وأن “الصين تدعم أي حل يحفظ المصالح الأساسية للشعب السوري وتقبله كل الأطراف، مشيرا إلى أن الصين تعتزم مواصلة أداء دور إيجابي وبناء في حل القضية السورية بطريقة نزيهة وسلمية وملائمة”.
وعقب التوتر في العلاقات السعودية الإيرانية على خلفية الحرب في اليمن، وقيام السعودية بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران عقب مهاجمة السفارة والقنصلية السعوديتين فيها احتجاجا على إعدام رجل الدين السعودي الشيعي نمر باقر النمر، قام نائب وزير الخارجية الصينى جانج مينج بزيارة استمرت يومين لكلا البلدين، التقى خلالها مسئولين كبارًا في السعودية، ثم في إيران في محاولة لحث البلدين على “التهدئة وضبط النفس” في علاقاتهما، الأمر الذي يؤكد ميلاد دور “هادئ” للصين في قضايا المنطقة.
تحتل إيران المرتبة الثالثة بين مستوردي السلاح الصيني، وبدأ التعاون العسكري بين البلدين عقب قيام الثورة الإسلامية وقطع إمدادات السلاح الأمريكي عن إيران
نحو شراكات متوازنة
ثالثها، التأكيد على أن الصين خارج أي تحالفات في المنطقة وحريصة على بناء شراكات جادة ومتوازنة مع الدول العربية وغير العربية أيضًا. فالقيادة الصينية تدرك جيدًا إن الشرق الأوسط ساحة تنافس رئيسية للفاعلين الدوليين والإقليميين، ولا تريد أن تزج بنفسها في أتون صراعات إقليمية ودولية مستعرة، ومن ثم فهي تتلمس خطواتها وتحاول تحقيق مصالحها دون الإخلال بعلاقاتها المتوازنة مع مختلف الأطراف، ودون أن تتورط في مواجهة مع طرف دولي أو إقليمي. فزيارة الرئيس الصينى لكل من السعودية وإيران في أجواء التوتر القائمة بين البلدين، تتضمن رسالة واضحة أن الصين تقيم علاقاتها مع دول المنطقة على أساس من التوازن، وأنها لا تتحيز لطرف إقليمي دون آخر، وحريصة على تعاونها مع مختلف الأطراف الإقليمية على قدم المساواة وفقًا لمقتضيات مصالحها.
وتعد إيران شريكا إستراتيجيا مهما للصين، وهناك تعاون بينهما في مجالات إستراتيجية عدة منها التعاون في المجال النووي الذي يعود بجذوره إلى الاتفاق الذي وقعه البلدان عام 1985 خلال زيارة رئيس مجلس النواب الإيراني آنذاك علي أكبر هاشمي رفسنجاني إلى الصين. وقامت الصين منذ أواخر الثمانينيات بتزويد إيران بالمساعدة اللازمة لبناء المنشآت النووية والمراكز البحثية المرتبطة بها لا سيما في أصفهان، وتدريب العديد من العلماء والتقنيين الإيرانيين في الصين، وبيع اليورانيوم الخام لإيران منذ عام 1991.
كما تعد إيران مصدرا مهما للنفط للصين وكانت تحتل المرتبة الثانية بعد المملكة العربية السعودية في هذا الخصوص، وعقد البلدان في أكتوبر 2004 صفقة ضخمة بلغت قيمتها 70 مليار دولار لتزويد الصين بالنفط والغاز الإيراني، وتقوم الصين بمقتضاها بتطوير حقل “يداوران” النفطي قرب الحدود مع العراق والذي تقدر احتياطاته بنحو 3 مليارات برميل، مقابل حصة 51% لشركة “سينوبيك” النفطية الصينية من الإنتاج المتوقع للحقل. كذلك تقوم إيران بتزويد الصين بالغاز المسال بقيمة 20 مليار دولار لمدة 25 سنة وذلك وفق بروتوكول آخر تم توقيعه بين الطرفين في مارس 2004. هذا إلى جانب التعاون في إطار عشرات المشروعات المتعلقة بالبنى التحتية وقطاع الطاقة الإيراني من أبرزها اتفاق بناء مصفاة لتكثيف الغاز في مدينة بندر عباس جنوب إيران. من ناحية أخرى، تسيطر إيران على مضيق هرمز الذي يمر من خلاله نحو خمس واردات الصين من النفط.
كذلك، تحتل إيران المرتبة الثالثة بين مستوردي السلاح الصيني، وبدأ التعاون العسكري بين البلدين عقب قيام الثورة الإسلامية وقطع إمدادات السلاح الأمريكي عن إيران. وساعدت الصين طهران في تطوير الصواريخ الباليستية البعيدة المدى وتلك المضادة للسفن، وزودتها بأنظمة دفاعية وصاروخية منها صواريخ “سكود” طويلة المدى وصواريخ “كروز”، كما قامت بتزويدها بصواريخ “سي إس إس”، ودعمت بشكل أكبر قدرات إيران البحرية فيما يخص الزوارق السريعة والحربية، كما زودتها بالمعدات اللازمة لتطوير مصانع الأسلحة والذخيرة الإيرانية.
ولا شك أن رفع العقوبات الدولية عن إيران سيسهم في تطوير العلاقات الصينية الإيرانية في المجالات السابقة، وكان ذلك موضع بحث واهتمام الرئيس الصيني خلال زيارته لإيران حيث وقع الجانبان خلال الزيارة على 17 اتفاقية تعطى دفعات قوية للتعاون بينهما في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والثقافية، وللتعاون الإستراتيجي والأمني في مجال مكافحة الإرهاب، وأكد زعيما البلدين خلال لقائهما الطابع الإستراتيجي للتعاون بين إيران والصين، وعلى ضروروة التنسيق الأمني لمواجهة الإرهاب والتطرف في منطقتي الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
ومن المعروف أن إيران عضو مراقب في منظمة شنجهاي للتعاون الأمني التي تأسست بمبادرة من الصين وتضم إلى جانبها كلا من روسيا وأربعا من دول آسيا الوسطى، والهند وباكستان. وقد إزداد دور المنظمة وثقلها الدولي والإقليمي، وأصبحت تكتلا أمنيا وإستراتيجيا مهما يرى البعض أنه قد يشكل توازنًا مهمًا مع حلف شمال الأطلسي. ومن المتوقع أن تحصل إيران على العضوية الكاملة للمنظمة بعد رفع العقوبات الدولية عنها.
وعلى الصعيد الاقتصادي، أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني أن إيران والصين اتفقتا على زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين ليصل إلى 60 مليار دولار سنويا خاصة في ضوء توقيع البلدين اتفاقًا خاص بانضمام إيران لمشروع “الحزام والطريق”. وتعتبر إيران شريكا تجاريا مهما للصين وقفز حجم التبادل التجارى بينهما 11 مرة منذ عام 2003 ليصل إلى 52 مليار دولار عام 2014، وتستأثر الصين بثلث إجمالي الصادرات الإيرانية. وتشكل إيران التقاطع الوحيد لخط التجارة في آسيا الوسطى الذي يمتد بين الشرق والغرب والشمال والجنوب. وفي مايو 1996 افتتحت إيران وتركمانستان خط سكة حديد بين مشهد وتيجين بطول 300 كيلومتر. وفي ديسمبر 2014، افتتحت كازاخستان وتركمانستان وإيران خط سكة حديد يمتد من أوجين (جانازون)، مرورًا بجرجان، ووصولًا إلى موانئ إيران في الخليج، الأمر الذي يزيد من ثقل إيران وأهميتها الجيوستراتيجية بالنسبة للصين باعتبارها حلقة وصل لا غنى عنها في مشروع “الحزام والطريق” وركيزة في الربط القاري وطريق الحرير البري الذي يعد مشروع القرن للصين، وحلم القيادة الصينية الذي انطلق ودخل حيز التنفيذ وفرض تحدي على العديد من الدول للحاق به.
د. نـورهان الشيــخ
المركز العربي للبحوث والدراسات