تعالج منظمة “أوبك” في كتابها السنوي “توقعات حول النفط العالمي 2015″، الدروس المستقاة من تجربة تدهور الأسعار الحالية. كما تستعرض توقعات العرض والطلب والتحديات المتوقعة حتى 2040. ويدل تدهور الأسعار إلى تأجيل أو إلغاء العديد من المشاريع، وانخفاض عدد الحفارات في صورة دراماتيكية، وقلّصت الشركات من مصاريفها وخفّضت عدد موظفيها. وأكدت “أوبك” أن عدم استقرار ميزان العرض والطلب في 2015 مردّه ارتفاع حجم الإمدادات، الذي أدى إلى ارتفاع حجم المخزون التجاري إلى مستوى قياسي ضاغط على الأسعار.
تتوقع «أوبك» نمواً اقتصادياً أعلى في السنوات القريبة المقبلة، يصل إلى 3.8% في 2018، مقارنة بـ3.5% في 2015. وتشير التوقعات إلى استمرار النمو الاقتصادي على معدل 3.5% خلال 2014 إلى 2040، ليرتفع الطلب على النفط من 97.4 مليون برميل في المرحلة الحالية إلى 110 ملايين بحلول 2040. وسترتفع الاستثمارات في قطاع النفط بحلول 2040 لتبلغ 10 تريليونات دولار، ما يتطلب “توازناً دقيقاً ما بين الأسعار، وتكاليف إنتاج البراميل الحدية، والإمدادات المستقبلية”.
وتتوقع “أوبك” أن يتطوّر استعمال بدائل الطاقة (الرياح والشمسية والجيوثرمال) بنسبة 6 – 7% سنوياً، لكن بما أن استعمال البدائل ضئيل جداً الآن، تبقى قاعدة انطلاق توسع هذه البدائل محدودة، فالتوسع لن يشكل أكثر من 4.3 في المئة من مجمل بدائل الطاقة بحلول 2040. وسيبقى النفط يشكل أكبر مصدر للطاقة، على رغم الزيادة المتوقعة في استعمال الغاز المرجح أن يشكذل 53 في المئة من مجمل مصادر الطاقة المستعملة بحلول 2040.
ويشرح التقرير التحديات المستقبلية التي ستواجه النفط وأسواق الطاقة. فهناك محادثات واتفاقات المناخ والبيئة. وتؤكد المنظمة ضرورة الاهتمام أيضاً بفقر الطاقة. فهناك البلايين من البشر الذين لا يزالون يستعملون الوقود العضوي. وهناك أكثر من بليون شخص لا تصلهم الكهرباء. فالواجب إيصال الطاقة النظيفة والآمنة والحديثة إلى هؤلاء. والموضوع الملح، كما تؤكد «أوبك»، ليس فقط تقليص انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون أو استعمال الطاقة في طريقة رشيدة فقط، بل كذلك إنهاء فقر الطاقة. ويستطيع النفط أداء دور مهم في تأمين الطاقة الحديثة للمحرومين منها.
تتوقع “أوبك” زيادة كبيرة ومستمرة في الطلب على النفط، للأسباب التالية: نمو الاقتصاد العالمي 3.6% سنوياً خلال 2014 – 2020، ووفق إحصاءات الأمم المتحدة يتوقع زيادة عدد سكان العالم من 7.2 بليون شخص في 2014 إلى 9 بلايين في 2040، وستحصل معظم الزيادة في العالم الثالث. ويتوقع بحلول 2026، أن يفوق عدد سكان الهند عنه في الصين. كما أن معدل ناتج الدخل القومي العالمي سيتراوح حول 3.5 في المئة سنوياً خلال 2014 – 2040. وسيكون حجم الاقتصاد العالمي 244 في المئة مقارنة بما هو عليه في 2014. ويتوقع لهذه العوامل وغيرها أن تؤدي إلى زيادة ارتفاع الطلب على الطاقة 47 في المئة. وسيتركز معظم الزيادة في دول العالم الثالث، على صعيد التطور الصناعي وارتفاع عدد السكان وتوسّع الطبقة المتوسطة، بحلول العقد الرابع من هذا القرن.
ويُتوقَّع ازدياد استهلاك النفط في كل القطاعات، باستثناء توليد الكهرباء. وسيهيمن قطاع المواصلات الأرضي ومن ثم صناعة البتروكيماويات وقطاع الطيران على ثلث زيادة الاستهلاك النفطي خلال الفترة 2014 – 2040. وتشير التوقعات إلى أن الطلب على وقود السيارات في دول العالم الثالث سيزداد 12.6 مليون برميل يومياً من النفط المكافئ مقارنة بانخفاض 6.7 مليون من النفط المكافئ في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وتشير التوقعات إلى ازدياد عدد السيارات خلال 2014 – 2040 بواقع 125 مليون مركبة في الدول الصناعية الغربية، بينما سيزداد عدد المركبات في دول العالم الثالث بليون مركبة خلال الفترة ذاتها.
ويتوقع أن يشكل عدد السيارات الهجينة نسبة ضئيلة نسبياً من مجموع السيارات في العالم بحلول 2040 (6 في المئة لسيارات الركاب و5.3 للمركبات التجارية). ولا تتوقع «أوبك» حدوث أي تغيير كبير في هذه النسب من دون حصول اختراع تقني جديد على البطاريات الكهربائية للسيارات. وليس متوقعاً حصول تغيير مهم يذكر على دور السيارة التقليدية بحلول 2040، نظراً إلى السعر العالي للسيارة الهجينة، وحجمها الصغير، والمسافة المحدودة التي يمكن أن تقطعها من دون التزود بالوقود، والأداء المحدود للبطارية الكهربائية حتى الآن. ويتوقع للسيارات الهجينة التي تستعمل الغاز الطبيعي، الحظ الأوفر في النجاح من بين السيارات الهجينة. لكن هذه السيارة تلاقي تحديات كبيرة، مثل السعر العالي وعدم توافر محطات كافية للتعبئة.
وفيما يتعلّق بالإمدادات العالمية الجديدة، تتوقع المنظمة زيادة 5.2 مليون برميل يومياً في المدى القريب، أي ارتفاعاً من 92.4 مليون في 2014 إلى 97.6 مليون في 2020. ويتوقع أن يبلغ مجمل حجم إمدادات السوائل البترولية من كندا والولايات المتحدة 19.8 مليون برميل يومياً بحلول 2020، أو زيادة 2.5 مليون عن 2014، فيما يبلغ حجم النفط المحصور منه 5.2 مليون. أما الإمدادات من أميركا اللاتينية، فيتوقع أن ترتفع 1.2 مليون برميل يومياً إلى 6.2 مليون. ويتوقع أن يستقر حجم الإمدادات من روسيا عند 10.6 مليون برميل يومياً. وسيزيد مجمل حجم إمدادات السوائل البترولية من الدول غير الأعضاء في المنظمة من 56.5 مليون برميل يومياً إلى 60.2 مليون خلال 2014 – 2040، أي بزيادة 3.7 مليون.
أما في ما يتعلق بإنتاج النفط الخام لـ «أوبك»، فسيزداد من 30 مليون برميل يومياً في 2014 إلى 30.7 مليون في 2020. ثم سيرتفع الحجم بين 2020 و2040 بواقع 10 ملايين برميل يومياً ليصل إلى 40.7 مليون. وستزداد حصة «أوبك» من مجمل السوائل البترولية إلى 37 في المئة في 2040، مقارنة بـ33 في المئة حالياً.
وليد خدوري
* نقلا عن صحيفة ” الحياة “